نشرت شركة التكنولوجيا الحيوية «مودرنا» -وهي واحدة من عدة شركات تعمل على تطوير لقاح ضد كوفيد-19- في مجلة نيو إنجلاند الطبية في 14 يوليو الجاري، نتائج اختبار المرحلة المبكرة للقاحها التجريبي الذي يستخدم الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA. وشرح خبير كيمياء البروتينات والعالم سانجاي ميشرا من المركز الطبي لجامعة فاندربيلت ما تعنيه نتائج المرحلة التجريبية الأولى.
ماذا اختبرت مودرنا؟
كان الهدف من الاختبارات الأولية على لقاح كوفيد-19 إثبات أمرين، أولهما فاعلية اللقاح في إنتاج أجسام مضادة للفيروس وثانيهما عدم وجود آثار جانبية للقاح.
ماذا كانت النتائج؟
ينبغي لنا أن نوضِّح منذ البداية أن هذه المجموعة من النتائج هي نتائج مؤقتة لاختبارات أُجريت على 45 بالغًا تتراوح أعمارهم بين 18 و55 سنة ولم تَثبُت إصابتهم بكوفيد-19 سابقًا. لذلك سنعُدُّهم بالغين أصحاء، رغم عدم إجرائهم اختبارات المصل أو اختبار تفاعل البلمرة المتسلسل PCR قبل بدء التجربة.
أُعطِي المشاركون إحدى ثلاث جرعات من اللقاح -25 و100 و250 ميكروغرام- وعانى أكثر من نصفهم التعب أو القشعريرة أو الصداع أو الألم العضلي مع ألم في موقع الحقن، ثم أُعطي المشاركون بعد 28 يومًا الجرعة نفسها وزادت في هذه المرة الأعراض زيادة ملحوظة لكن لم تُسَجَّل أي حالات خطيرة بين المشاركين. وسُحِبت عينات دموية من المشاركين في اليوم التاسع والعشرين.
ثم أُجريت اختبارات استجابة الأجسام المضادة على العينات المسحوبة، ووجد الباحثون أن استجابة الأجسام المضادة كانت -كما هو مُتوَقَّع- أعلى عند المشاركين الذين أُعطوا جرعات عالية من اللقاح، وأعلى قليلًا من المعدلات المُتوَقَّعة في المرضى المتعافين حديثًا من عدوى كوفيد-19.
أُجري هذا الاختبار بثلاث طرق مختلفة، قاست إحداها كمية الأجسام المضادة المُنتَجة، واختبر الباحثون أيضًا فعالية هذه الأجسام في المصل باستخدام طريقتين مختلفتين، وتوصلوا في النهاية إلى أن الأجسام المضادة قد نجحت بالفعل في الارتباط بالفيروس وتحييده.
لكن المجموعة الثانية من نتائج الاختبارات التي أُجريَت على المرضى الأكبر سنًا لم تُعلَن بعد، ويأمل العلماء أن تؤكِّد هذه النتائج -إن جاءت متوافقة مع نتائج المجموعة السابقة- فاعلية اللقاح على نحو أكبر، ويأملون أيضًا التوصل إلى مجموعة ثالثة من النتائج تختبر استمرارية المناعة المُكتَسبة من اللقاح عند كلتا الفئتين العمريتين.
ماذا نستنتج مما سبق؟
كانت النتائج واعدة، إذ نجحت -على الأقل- في إثبات فاعلية لقاح كوفيد-19 في إنتاج أجسام مضادة للفيروس عند حقنه في الجسم، لكننا لا نعرف بعد هل ستمنح الأجسام المضادة هذه الجسم مناعة ضد الفيروس أم لا؟ فجميع النتائج التي توصل إليها الباحثون أُجريَت اختباراتها خارج الجسم «في العينات الدموية التي سُحِبت من المشاركين ودُرِسَت في المختبر».
وسنحصل في المرحلة القادمة على دليل أفضل من التجارب التي ستوفر لنا بيانات أكثر، وسنعلم عندها هل أصبح الأشخاص الذين تلقوا اللقاح أقل عرضة للعدوى بنسبة لا تقل عن 50%؟ «وهي النسبة المطابقة لشروط إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA»، لكن الوقت ما يزال مبكرًا جدًا على إعلان نجاح اللقاح.
ما لقاح مودرنا المُعتَمِد على الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA؟ ولماذا هو مختلف؟
تهدف اللقاحات عادة إلى تدريب جهاز المناعة على مهاجمة الفيروس المُسبِّب للمرض. وفي حالة فيروس سارس كوف-2 يوجد بروتين شوكي يُسمى بروتين S وهو العلامة المُمَيِّزة للفيروس التي يحتاج الجهاز المناعي إلى التعرف عليها لمواجهة الفيروس، فالهدف إذن من لقاح فيروس كورونا هو تدريب جهازنا المناعي على التعرف على بروتين S ليحرِّض من ثَمَّ الاستجابة المناعية. والبروتين S مُشتَرك بين جميع الفيروسات التاجية.
بدلًا من توفير لقاح مصنوع من البروتينات الفيروسية، يتكون لقاح مودرنا من حمض نووي ريبوزي مرسال صناعي للفيروس. تُحقن هذه الجزيئات في البشر لتقرأ الريبوسومات -آلات صنع البروتين الخلوية- وتترجم الحمض النووي الريبوزي المرسال الفيروسي إلى بروتينات تؤدي بعد ذلك إلى استجابة مناعية.
تشمل اللقاحات عادة إما فيروسات مُضْعفَة أو فيروسًا مُحضِّرًا يحتوي -في حالتنا هذه- على البروتين الشوكي، ويُحَضَّر هذا البروتين -في أنقى حالاته- مخبريًا ليُستَخدم بعد ذلك في تحصين الجسم.
لكن كل هذه الطرق تستغرق وقتًا وتحتاج إلى مراقبة مكثفة للجودة، ويواجه مطورو اللقاح عادة الكثير من العقبات للانتقال باللقاح من مرحلة التجارب إلى مرحلة الإنتاج.
يحاول مطورو لقاح مودرنا -ولقاح آخر في مرحلة التطوير- تجاوز هذه المرحلة باستخدام الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA أو مرسال RNA. وهي مادة تشفير وراثية تساعد الجسم على إنتاج البروتين الفيروسي، ولن يحتاج العلماء بهذه الطريقة إلى إنتاج البروتين في المختبر والمخاطرة بإنتاج عينة بروتين غير نقية يصعُب فحصها سريريًا وقد تشكِّل أيضًا خطرًا على الجسم.
ولهذا فقد لجأ العلماء إلى إعطاء الحمض النووي الريبوزي المرسال الصناعي mRNA في قطرة دهنية، بدلًا من البروتين الفيروسي أو جزء من الفيروس.
ماذا تعني هذه الأخبار؟
يشعر العلماء بتفاؤل حَذِر، إذ توفر الدراسة بيانات واعدة من حيث سلامة اللقاح وقدرته على تحفيز الاستجابة المناعية في الجسم، وهي بداية جيدة في تدريب مناعة الجسم لكن ما يزال أمامنا الكثير من العمل، مثلما قال روبرت فروست: «ما زلنا بحاجة إلى قطع الكثير من الأميال قبل أن نستطيع الخلود إلى النوم».
فتطوير اللقاحات عملية معقدة تتطلَّب الكثير من العمل قبل أن تستطيع الشركة تسويق لقاحها.
ليست هذه إلا المرحلة الأولى من نتائج الاختبارات على مجموعة من المتطوعين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عامًا، لا نعلم بعد مقدار الجرعة المناسبة للأشخاص الأكبر سنًا، وهم الفئة الأقل مناعة ضد كوفيد-19. إذ يُنتِج جسم الإنسان مع تقدمه في السن عددًا أقل من الأجسام المضادة وهذا ما يؤدي إلى ضعف استجابة الجسم للقاحات.
فالسؤال هنا: هل سيحتاج كبار السن إلى جرعة أعلى من اللقاح مثلما هو الحال في لقاحات الإنفلونزا؟ لكن الجرعات العالية من اللقاح التي بلغت 250 ميكروغرام أدَّت إلى أعراض جانبية أكثر حدة في أثناء التجربة، فكيف نستطيع موازنة ذلك؟ ما يزال الوقت مبكرًا للإجابة عن هذا السؤال.
ما اللقاحات الأخرى قيد التطوير؟
يوجد حاليًا 178 لقاحًا ضد كوفيد-19 في مراحل مختلفة من التطوير، وصل منها 14 لقاحًا إلى مرحلة التجارب البشرية، منها لقاح لآسترازينيكا وشركائها، ولقاحات واعدة من شركات ميرك وجونسون آند جونسون وغيرهم. يوجد أيضًا لقاح مشابه للقاح مودرنا يجري اختباره من قبل شركتي فايزر وبيونتيك، وقد أظهر أيضًا نتائج إيجابية في الجرعات المنخفضة.
اقرأ أيضًا:
آخر الأخبار حول تطوير لقاح فيروس كورونا
من الأولى بالحصول على لقاح كوفيد 19 في حال إنتاجه؟
ترجمة: محند سعيد حمادوش
تدقيق: وئام سليمان