لا يملك أي منا ذاكرة مثالية، فقد وجدت دراسة حول الذاكرة أجريت عام 2020، نشرتها مجلة علم النفس، أنه عندما طُلب من المشاركين تذكر معلومات معينة، فإن 76% من البالغين منهم ارتكبوا خطأ واحدًا على الأقل عند تذكر المعلومات.
مع أن دقة الذاكرة للمشاركين في الدراسة كانت عالية جدًا، إذ بلغت نسبة المعلومات الصحيحة التي ذكروها 93 – 97%، فإن البحث يسلط الضوء خصوصًا على أن ذاكرة الفرد ليست معصومة عن الخطأ، والأشياء التي لم يسبق حدوثها قط أو باتت مشوشة بمرور الوقت، قد تصبح حقيقية في دماغ المرء. هذا هو أساس «تأثير مانديلا».
تأثير مانديلا هو اعتقاد مجموعات كبيرة من الناس، أن شيئًا ما سبق حدوثه في حين أنه في الواقع لم يحدث قط. تصر هذه المجموعات على أنها تستطيع تذكر الحادثة أو التجربة، مع أنها بالتأكيد ليست حقيقة.
من أمثلة ذلك «دببة برنستين» (Berenstain Bears) وهي سلسلة قصص مصورة للأطفال، تحولت إلى مسلسل رسوم متحركة شهير. عام 2012، ذكر أحد المهتمين بالظاهرة أنه يذكر بوضوح أن هجاء الاسم كان دائمًا (Bernstein) وليس (Bernstain)، بحرف e بدلًا من a، أحدثت تلك التدوينة جدلًا واسعًا على الكثير من المنصات.
أما تسمية الظاهرة فتعود إلى ذكرى كاذبة جماعية للعديد من الناس الذين اعتقدوا أن نيلسون مانديلا مات في السجن سنة 1980، مع أنه في الواقع توفي في منزله عام 2013.
صاغت المصطلح الباحثة فيونا بروم، بعد أن أدركت أنها ليست الوحيدة التي كانت تحمل ذكريات يقينية أن نيلسون مانديلا توفي في محبسه.
يُستخدم تأثير مانديلا الآن لوصف الذاكرة الخاطئة الجماعية التي، مع أنها زائفة، فهي حقيقية في أذهان الكثيرين، وغالبًا ما تستند هذه الذكريات إلى الثقافة الشعبية.
من الأمثلة المعروفة على نطاق واسع، الاعتقاد بأن العرض الكارتوني (Looney Tunes) كان اسمه في الواقع (Looney Toons).
لماذا يحدث هذا؟ كيف يمكن لأشخاص لم يلتقوا من قبل مشاركة نفس المفهوم الخطأ؟
قال تيم هولينز، أستاذ علم النفس بجامعة بليموث: «يرتبط تأثير مانديلا ارتباطًا وثيقًا بعدد من ظواهر الذاكرة المعروفة». وهي:
- الذاكرة الزائفة: وجود حدث ما في الذاكرة لم يسبق حصوله.
- أخطاء ذاكرة المصدر: عندما ينسى الشخص مصدر المعلومة التي يتذكرها.
- تضخيم الخيال: أي الاعتقاد بأن شيئًا ما حقيقي، أو أكثر وضوحًا مما نتخيل.
أشار هولينز إلى العديد من العناصر الاجتماعية بوصفها أمثلة على مدى قابلية ذاكرتنا للخطأ، مثل «توافق آش»، وهو توافق الناس مع وجهة نظر من أجل التوافق مع المجموعة، و«تأثير المعلومات المضللة»، الذي يصف ميلًا لتغيير ذكريات الناس بناء على التعلم أو التجارب اللاحقة.
الظاهرة الأكثر توافقًا مع تأثير مانديلا هي ظاهرة «الذاكرة الجوهرية»، عندما يكون لدى الشخص فكرة عامة عن شيء ما لكنه لا يقدر بالضرورة على تذكر التفاصيل.
أضاف هولينز: «من السهل نسبيًا تفسير أن عددًا كبيرًا من الناس يقعون في أخطاء الذاكرة ذاتها، مع أنهم لم يلتقوا من قبل»، إذ إن العديد منها ذكريات جوهرية تتكيف مع معتقدات الناس أو معرفتهم الحالية.
مثال آخر شائع على تأثير مانديلا يتعلق بـ «جورج الغريب»، وهو شخصية قرد في كتاب للأطفال ظهرت لأول مرة عام 1940، وتميز بافتقاره إلى الذيل. إن تذكر أن جورج قرد، يجعلنا نعتقد بالضرورة امتلاكه ذيلًا، مع أن الحقيقة ليست كذلك.
توجد تفسيرات مختلفة للتأثير، رغم وجود دليل يؤكد أن ذكرياتنا ليست دقيقة تمامًا وقد تتغير بمرور الوقت، فإن بعض الذين اختبروا تأثير مانديلا مقتنعون أنه دليل على وجود أكوان موازية!
ينسب هولينز الحالة إلى عدم رغبة بعض الأشخاص في الاعتراف بخطأهم عندما يكونون على خطأ، ما يؤدي بهم إلى الإفراط في تصديق ذكرياتهم، حتى عندما يواجهون الأدلة. ربما يكون شكلًا من أشكال حماية الأنا أو التنافر المعرفي.
يفضل الناس الاعتقاد بأن ذاكرتهم الخاطئة دليل على وجود أكوان موازية، بدلًا من الاعتراف أنهم كانوا خاطئين في ظنونهم. فهل تأثير مانديلا دليل على وجود أكوان موازية؟ لا.. إنه مجرد وهم!
اقرأ أيضًا:
صورة أخاذة تُظهر الذرات وهي تتحول إلى موجات كمومية تمامًا كما تنبأ بها شرودنغر
ترجمة: تيماء القلعاني
تدقيق: وسام صايفي