«التشابك الكمي»، طالما تردد هذا المصطلح العلمي على مسامعنا في وسائل الإعلام والإنترنت. حال كنت من المطلعين على ميكانيكا الكم، فبالتأكيد قرأت مصطلح التشابك الكمي، ما يقودنا إلى السؤال: ما المقصود بالتشابك الكمي؟
التشابك الكمي أحد أهم مميزات ميكانيكا الكم، وأحد الاكتشافات الاستثنائية في القرن العشرين، وأحد أهم الوسائل الواعدة، القادرة على مساعدة العلماء في البحث عن التقنيات المتقدمة في الاتصالات والحوسبة والعديد من المجالات الأخرى.
ما هو التشابك الكمي ببساطة؟
يُمكن تعريف التشابك الكمي بجسيمين في حالة تراكب، أي أن خواص الجسيمات لا تكون محددة إلى أن تُقاس. مثلًا، الجسيمات الكمية -الكيوبتات- لها قيمة (0 و 1) في الحاسوب الكمي في الوقت ذاته حتى تُلاحَظ، فتصبح إما 0 أو 1. مثال آخر، حال تولد فوتونين متشابكين، فإن أحد الجسيمين يدور في اتجاه عقارب الساعة، ويدور الآخر عكس عقارب الساعة على المحور ذاته.
تُوصف الجسيمات في ميكانيكا الكم بأنها دوال موجية، ما يُساعد على قياس خاصية محددة للجسيم، الدوران مثلًا. تُسمى هذه العملية «الانهيار»، إذ تنهار الدالة الموجية لأحد الجسيمات لتوليد خاصية قابلة للقياس للجسيم الآخر. مثل انتقال الكيوبت من حالة 0 و1 في الآن ذاته إلى 0 أو 1.
عند قياس جسيم متشابك على طول المحور لتحديد دورانه، تنهار الدالة الموجية لهذا الجسيم، وفي الوقت ذاته، تنهار الدالة الموجية للجسيم الآخر لإنتاج خاصية دوران قابلة للقياس، رغم عدم ملاحظتنا للجسيم الآخر. بافتراض وجود زوج من الجسيمات المتشابكة (0 و1)، وقسنا أحد الجسيمين (0)، فإن الجسيم الآخر ينهار تلقائيًا لينتج (1)، دون أي تفاعل من المراقب.
تحدث هذه العملية فورًا، دون اعتبار للمسافة بين الجسيمين، ما يقودنا إلى استنتاج أن المعلومات حول دوران الجسيم المتشابك المُقاس تنتقل إلى الجسيم الآخر بسرعة أكبر من سرعة الضوء، وهذا يتناقض مع قوانين الفيزياء!
هل التشابك الكمي حقيقي؟
التشابك الكمّي ليس حقيقيًا فحسب، بل هو مكون مهم للتكنولوجيا الحديثة مثل الحوسبة الكمية والاتصالات الكمية.
إن التشابك الكمي للعديد من الجسيمات المتراصة أمر حيوي لتحديد المسافات الكافية بين الكيوبتات والعالم الخارجي، للحفاظ على هذه الكيوبتات في حالة تراكب طويلة بما يكفي لإجراء الحسابات.
مجال الاتصالات الكمية هو مجال بحثي يسعى للاستفادة من التشابك الكمي لتسهيل الاتصالات وزيادة سرعتها.
هل كل الجسيمات متشابكة؟
عندما يناقش معظم الناس التشابك الكمي، فإنهم يستخدمون مثالًا لجسيمين متشابكين يتصرفان بطريقة معينة لتوضيح هذه الظاهرة، هذا معنى مبسط للغاية للتشابك الكمي مقارنةً بصعوبة هذا النظام وتعقيده.
ليس بالضرورة أن يكون الجسيمان في حالة التشابك القصوى، أي أن أحد الجسمين يرتبط كليًا بالآخر، في الحقيقة فإن الجسيم قد يتشابك مع عدد من الجسيمات الأخرى بدرجات متفاوتة.
لهذا فإن قياس جسيم واحد من زوج متشابك مع جسيمات أخرى لا يضمن –عمليًا- المعرفة الفورية لحالة هذه الجسيمات، إذ يرتبط الجسيم الآخر بعدة ارتباطات أخرى يحاول الحفاظ عليها، لكن عمومًا، فإن هذا نوع من التشابك قد يعطيك معرفة مقبولة نوعًا ما لحالة الجسيمات، مقارنةً بالتوزع العشوائي للجسيمات.
من مكتشف التشابك الكمي؟
اقتُرح وجود التشابك الكمي -أو على الأقل المبادئ التي تصف الظاهرة- للمرة الأولى في ورقة بحثية للعلماء ألبرت أينشتاين وبوريس بودولسكي وناثان روزن، الذين ناقشوا احتمال وجود حالة كمية موحدة ناتجة من الارتباط القوي بين الحالات الكمية.
افترض العلماء أن هذه الحالة الموحدة قد تؤدي إلى قياس جسيم له تأثير مباشر على جسيم آخر مرتبط معه بقوة، دون اعتبار للمسافة بين هذين الجسيمين.
لم يقصد أينشتاين وزملاؤه اكتشاف التشابك الكمي، بل وصفوا الظاهرة بأنها دليل على وجود عنصر مفقود آخر في ميكانيكا الكم، من المهم جدًا اكتشافه والتحري عنه.
كان الأمر محيرًا، بسبب تناقضه مع قوانين النسبية. نتيجةً لهذا التناقض، افترض العلماء وجود عنصر مفقود يملأ الفجوة بين التشابك الكمي والنظرية النسبية، ومن ثم يمكن قبول عالم الكم في ظل النسبية. لم يُكتشف هذا العنصر المفقود إلا بعد قرن من الزمن!
أول من أستخدم مصطلح «التشابك» كان العالم إدوين شرودنغر، حين ذكر التشابك الكمّي عنصرًا من أهم عناصر ميكانيكا الكم.
ما رأي أينشتاين؟
قال أينشتاين: «يُعد التشابك الكمي أمرًا بالغ الغموض، فهو ليس مجرد تشابك للجسيمات المترابطة بقوة معًا، بل أبعد من ذلك».
اعتبر آينشتاين التشابك الكمي مفارقة رياضية، لتناقضه مع قوانين النسبية. حاول أينشتاين وزملاؤه وضع بعض النظريات التي قد تمثل حلًا لهذا التناقض.
سُمي ذلك التناقض «مفارقة أينشتاين-بودولسكي-روزن»، ومن الحجج التي جادل بها العلماء في محاولة لإيجاد حل للمفارقة، أن القواعد الأساسية لميكانيكا الكم معروفة تمامًا، وأن النسبية العامة صحيحة. وإذا كانت النسبية العامة صحيحة، فلا شيء يمكنه الانتقال بسرعة أكبر من سرعة الضوء.
وإذا كانت ميكانيكا الكم مفهومة تمامًا، فإن القواعد التي تحكم العلاقة القوية بين الجسيمات كاملة، وملاحظاتنا حول تشابك هذه الجسيمات تخبرنا بكل ما نحتاج إلى معرفته.
ولما كانت الجسيمات الكمية هي جسيمات كونية، فيجب أن تحكمها سرعة الضوء مثل أي شيء آخر في هذا الكون، لكن التشابك الكمي يناقض هذه النظرية، ذلك أن الجسيمات المتباعدة على طرفي الكون لا تتشارك المعلومات تلقائيًا فحسب، بل إن هذه المعلومات تنتقل عبر الزمن ذهابًا وإيابًا.
يتناقض التشابك الكمي عبر الزمن مع مبدأ السببية، وهو مبدأ أساسي من مبادئ الفيزياء. من المفترض أن التأثير لا يسبق السبب، لكن افترض فريق من العلماء أن هذا المبدأ قد لا ينطبق على عالم الكم.
لماذا التشابك الكمي مهم؟
يُعد التشابك الكمي مُهمًا لسببين رئيسيين:
أولًا، أن التشابك الكمي هو الآلية الأساسية لعالم الكم، الذي قد يمثل وسيلة رئيسية مهمة لتطوير التكنولوجيا وارتقائها إلى آفاق جديدة.
وقد أصبحنا بالفعل نعرف كيفية تحقيق تشابك الجسيمات، ونفذنا ذلك مرارًا في المختبر وفي التطبيقات العملية، مثل الحواسيب الكمية.
تُبين الحواسيب الكمية خصوصًا إمكانيات ميكانيكا الكم في التكنولوجيا الحديثة، إذ تعتمد أساسًا على التشابك الكمي، وهو الأداة المُثلى للاستفادة من ميكانيكا الكم.
ثانيًا، يُعد التشابك الكمي شيئًا أساسيًا في الكون، فهو وسيلة مهمة لفهم عالم الكم، ويُمدنا بصورة واضحة للكون الذي نراه.
لتوضيح مفهوم التشابك الكمي وعلاقته بميكانيكا الكم وارتباطهما بالكون، افترض أن الكون هو مسرح، والمواد الموجودة في هذا الكون هي الممثلين. في هذه الحالة فإن التشابك الكمي هو الشخص المسؤول عن رفع الستار وإضاءة المسرح وتصميم الأزياء!
لفهم «المسرحية» طريقتان: إما بالدخول إلى ما وراء الكواليس والنظر في تجهيزات المسرح من أزياء وديكور، وإما بمشاهدة أداء الممثلين ومحاولة فهم قصة المسرحية من خلال ذلك.
عند تجربة هاتين الطريقتين، قد تحصل على نتائج مختلفة في كل مرة، لكنك في الحالتين ستفهم ما يدور حولك، فأنت ترى ما أمام الكواليس وما خلفها.
إذن تُمثل ميكانيكا الكم المسرح والممثلين، وتمنحنا طريقة مختلفة لرؤية كوننا الذي نعرفه، أما التشابك الكمي فهو الطريق الذي نسلكه لنرى ما وراء الكواليس!
اقرأ أيضًا:
مبدأ التشابك الكمي يحل إحدى أقدم المسائل الرياضية
هل سنجد رابطًا بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة يومًا ما؟
ترجمة: يزن دريوس
تدقيق: حسين الجُندي