ما هو الرصاص ؟
الرصاص معدن ثقيل طبيعي التشكل، لونه رمادي مزرق لكنه يتشوه بسهولة في الهواء ويتحول إلى رمادي غامق. يمكن العثور عليه في قشرة الأرض خاصةً حيث تحدث الأنشطة البركانية والتجوية الجيوكيميائية. يكون داخل البيئة على شكل جزيئات معلقة في الغلاف الجوي والماء والتربة وحتى الكائنات الحية بشكل عام. ولكن التعرض للرصاص بتراكيز مرتفعة في أجسام الكائنات الحية تسبب حالة من التسمم بالرصاص.
للرصاص نقطة انصهار منخفضة وبالتالي يمكن صبه وتشكيله بسهولة ويمكن دمجه مع معادن أخرى لتشكيل السبائك. لهذه الأسباب استخدم البشر الرصاص منذ آلاف السنين وهو منتشر اليوم في العديد من المنتجات، وتشمل الأنشطة البشرية المتعلقة بإطلاق الرصاص في البيئة على سبيل المثال لا الحصر: التعدين والصهر والتكرير وإعادة التدوير غير القانوني للرصاص واستخدام البنزين المحتوي على الرصاص وإنتاج وإعادة تدوير بطاريات الرصاص الحمضية والدهانات واللحام وتصنيع السيراميك والنفايات الإلكترونية، كما استُخدم الرصاص في أنابيب المياه (القديمة).
تم إدراج الرصاص كأحد المواد الكيميائية العشر الرئيسية المعنية بالصحة العامة في جدول أعمال منظمة الصحة العالمية بشأن السلامة الكيميائية. لا بد من الإشارة هنا إلى أن لجنة الخبراء المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة “الفاو” ومنظمة الصحة العالمية المعنية بالمضافات الغذائية (JEFCA) خلصت إلى أن مستوى المدخول المسموح به مسبقًا -وهو 25 ميكروغرام / كيلوغرام من وزن الجسم- لم يعد صحيًا بعد الآن، وأنه ليس من الممكن أيضًا إنشاء مدخول أسبوعي محتمل مؤقت جديد.
يمكن العثور على الرصاص في أشكال مختلفة:
- خامات الرصاص / الرصاص الأولي (كعنصر): تشكل خامات الرصاص حوالي 0.002٪ من قشرة الأرض. وهي تشمل كبريتيد الرصاص (بشكل أساسي)، وكبريتات الرصاص، وكربونات الرصاص، وكلورو زرنيخات الرصاص، وكلورو فوسفات الرصاص. عند عزل الرصاص عن هذه الخامات التي تتشكل طبيعيًا يكون للرصاص وزن ذري قدره 207,2 وكثافة 11,34 جم / سم 3، ونقطة انصهار 621,43 درجة فهرنهايت (327,46 درجة مئوية).
- الرصاص غير العضوي: معظم أشكال الرصاص غير العضوي تكون من الرصاص الأبيض (مركب الكربونات)، والرصاص الأصفر (كرومات الرصاص، أول أكسيد الرصاص)، أو الرصاص الأحمر (رابع أكسيد الرصاص). وهذا هو الشكل الموجود بشكل عام في الطلاء القديم والتربة والغبار والمنتجات الاستهلاكية المختلفة.
- الرصاص العضوي: إن هذا الشكل من الرصاص خطير للغاية، يمكن امتصاصه عن طريق الجلد ويكون أكثر سمية للدماغ والجهاز العصبي المركزي من الرصاص غير العضوي. وإن الرصاص رباعي الإيثيل هو شكل الرصاص المستخدم في البنزين المحتوي على الرصاص (لا يزال يستخدم حاليًا في 9 دول فقط). يؤدي احتراق الرصاص العضوي إلى إطلاق الرصاص في الجو.
* لا بد من الإشارة إلى أن جميع أشكال الرصاص سامة للإنسان وكذلك لمعظم الكائنات الحية الأخرى ولا يوجد “مستوى آمن من التعرض للرصاص” أو “مستوى آمن من الرصاص في الدم”.
مصادر التعرض للرصاص (الحالية والتاريخية):
قبل الاستغلال البشري لم يتعرض الناس للرصاص، ومع ذلك وبمجرد إدخال الرصاص في المحيط الحيوي فإنه يستمر ويتراكم أحيائيًا في داخل المحيط الحيوي. والأدلة على أن مستويات الرصاص البيئية ارتفعت -ومازالت تستمر في الارتفاع- مبينة في البيانات الجيوكيميائية التي تم الحصول عليها من متراكم الرصاص في الغطاء الجليدي في غرينلاند على مدى الثلاثة آلاف سنة الماضية.
وقد حدثت أكبر زيادة في متراكم الرصاص إلى حد كبير في القرن العشرين، وتُعزى هذه الزيادة إلى احتراق البنزين المحتوي على الرصاص (والذي يعتبر أكبر مساهم في تلوث الرصاص البيئي العالمي). بالإضافة إلى ذلك، تشير التحقيقات في بقايا الهياكل العظمية البشرية إلى أن عبء دور الرصاص كمسبب في أمراض البشر اليوم يزيد بمقدار 500-1000 مرة عن أسلافهم السابقين.
كما ذكرنا سابقًا يمكن أن تُحمّل العديد من المصادر والمنتجات مسؤولية التعريض للرصاص، وبالتالي فإن الطبيعة السامة للرصاص أصبحت مفهومة منذ فترة طويلة الآن. وبالعودة إلى عام 2000 ق.م.
وخلال العصر الروماني استُخدم الرصاص في أنابيب المياه وحاويات الأواني الفخارية وأوعية تخزين النبيذ، كما استُخدم شراب يحوي على الرصاص يسمى سابا sapa لتحلية النبيذ.
وبالإضافة إلى ذلك تم الإبلاغ عن التعرض المهني الذي يؤدي إلى التسمم بالرصاص منذ عام 370 قبل الميلاد، وكان واضحًا تمامًا بين العمال الصناعيين -وخاصة أولئك الذين يعملون في مجالات الصهر والدهن والسباكة والطباعة- في القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
كما تم التعرف على سمية الرصاص عند الأطفال لأول مرة “كمرض للأطفال” في أستراليا منذ أكثر من 100 عام، وبعد تحقيق مستفيض تم إيجاد أن سبب هذا “المرض” عبارة عن دهان منزلي مبني على الرصاص يستخدم في منازل الأطفال.
واليوم تشمل المصادر الرئيسية للتعرض للرصاص (على سبيل المثال لا الحصر):
- البنزين المحتوي على الرصاص (تطلق عوادم السيارات -في حالة احتواء البنزين على الرصاص- جزيئات الرصاص في الهواء).
- الرصاص من الصناعات النشطة مثل التعدين (وخاصة في التربة المحيطة بالمنطقة).
- الدهانات والأصباغ القائمة على الرصاص كتزجيج الخزف.
- دمج “سبك ولحام” الرصاص في المعلبات الغذائية وأغلفة الحلوى.
- أنابيب المياه / أنظمة مياه الشرب (دمج “سبك ولحام” الرصاص بها وأنابيب الرصاص).
- المنتجات الاستهلاكية المحتوية على الرصاص: الأدوية التقليدية (العلاجات الشعبية) ومستحضرات التجميل وألعاب الأطفال.
- النفايات المحتوية على الرصاص كالنفايات الإلكترونية.
- التلوث القديم من المواقع الصناعية السابقة.
- السلسلة الغذائية (عبر التربة).
- المجوهرات.
- الفناء الخلفي (الملاعب).
- بطاريات الرصاص الحمضية (التصنيع وإعادة التدوير).
طرق التسمم بالرصاص:
– المشيمة: أثناء نمو الجنين وحتى باكرًا بعد الولادة، يمكن للرصاص أن ينتقل من الأم المعرضة للرصاص إلى جسم ذريتها. وطوال فترة الحمل (من لحظة الحمل) يتم إزالة الرصاص الذي تراكم في عظام المرأة من عظامها ويمر بحرية من الأم إلى طفلها.
كما تكون مستويات الرصاص في دم الأم والجنين متطابقة تقريبًا، وبمجرد دخوله الدورة الدموية للجنين يعبر الرصاص بسهولة إلى دماغ الطفل النامي خلال الحاجز الدموي-الدماغي غير الناضج ما يؤدي إلى العديد من الآثار الضارة بالصحة.
– الابتلاع: وهو المسار الرئيسي للتعرض للرصاص خاصة بين الأطفال. حيث أن سلوك الأطفال بالتناول من اليد إلى الفم هو السبب الأكثر شيوعًا لهذه الظاهرة. ويمتص الجسم حوالي 10-70٪ من الرصاص المبتلع (حوالي 50٪ عند الأطفال و 10٪ للبالغين).
– الاستنشاق: وهو المسار الرئيسي الثاني للتعرض للرصاص، ومع ذلك وخلافًا للابتلاع يتم امتصاص الرصاص المستنشق بكامله تقريبًا في الجسم (ما يجعل مسار التعرض هذا أكثر خطورة قليلاً). يمكن العثور على الرصاص في أي مادة معينة قطرها 10 ميكرون أو أصغر، وبالتالي بإمكانها السفر بعمق إلى الشعب الهوائية وزيادة معدل التعرض.
– امتصاص الجلد: لا يعد امتصاص الرصاص عن طريق الجلد وسيلة هامة للتعرض بالنسبة لعامة الناس (على الرغم من أنه ممكن الحدوث من خلال مستحضرات التجميل الملوثة). من المرجح أكثر أن يمتص الجلد الرصاص العضوي، وغالبًا ما تكون هذه مشكلة فقط بين العمال الذين يصادفون الرصاص بهذا الشكل.
السميّة:
لا يوجد مستوى آمن من التعرض البشري للرصاص ولا يوجد مستوى عتبة لا يؤدي أدناه إلى إصابة الدماغ البشري النامي. يمكن أن يؤثر التسمم بالرصاص على كل جهاز عضوي في الجسم وبالتالي يرتبط بمجموعة واسعة من الأعراض التسممية.
كما أنه ضار بشكل خاص بسبب قدرته على الثبات والتراكم الأحيائي في الجسم. وعند البشر تكون الأعضاء الرئيسية المتأثرة هي الجهاز العصبي المركزي والمحيطي، والجهاز القلبي الوعائي (الدماغ والأعصاب)، والجهاز الهضمي، وجهاز الإطراح (الكلى)، والغدد الصماء (إفراز الهرمونات)، والمناعة، والدم.
الأطفال معرضون بشكل كبير لخطر التسمم بالرصاص (من الحمل وحتى البلوغ). ليس فقط لديهم خطر أكبر بالتعرض، ولكن أجسادهم أكثر عرضة أيضًا. بالمقارنة مع البالغين، الأطفال لديهم نوافذ من الضعف لا يوجد لها نظير في حياة البالغين وتشمل مراحل نمو الجنين وتطور الجنين وحتى فترة الحياة المبكرة بعد الولادة.
أعراض التسمم بالرصاص:
التعرض لجرعة منخفضة نسبيًا من الرصاص يمكن أن يسبب تأثيرات ضارة غير واضحة في الفحص السريري القياسي وهذا معروف باسم سمية عابرة للفحص السريري (لا يمكن تحديدها بالفحص السريري). وعلى الرغم من أن ذلك غير واضح سريريًا، يمكن أن تكون التأثيرات السامة العابرة للفحص السريري للرصاص ضارة جدًا. من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي التعرض الشديد الحاد والجرعات العالية للرصاص إلى حدوث أعراض تسمم لدى الأطفال (السمية السريرية الحادة).
تشمل الأعراض الشائعة للتسمم بالرصاص: الصعوبات المعدية-المعوية والعصبية والعضلية. تظهر هذه الأعراض غالبًا في المغص والإمساك والتعب وفقر الدم والعجز العصبي. وفي معظم الحالات الشديدة يمكن أن يحدث اعتلال دماغي حاد مميت مع ترنح وغيبوبة وتشنجات أخرى ممكنة الحدوث. وبشكل عام يعاني الأطفال الذين نجوا من التسمم الحاد بالرصاص من عجز دائم وظاهر سريريًا في تطور (نمو) جهازهم العصبي الوظيفي.
قد تكشف الفحوصات الفيزيائية عن خطوط الرصاص في الأسنان، والنقرس (داء المفاصل)، وارتفاع ضغط الدم، فقط لنسمي بعضًا منها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكشف الفحوصات المخبرية مستويات مرتفعة من الرصاص في الدم و/أو فقر الدم.
كما يمكن أن تشير الاختبارات الإشعاعية إلى وجود مستويات عالية من الرصاص في الجسم من خلال إظهار الرصاص في العظام الطويلة، ما يشير إلى تسمم مزمن بالرصاص.
اقرأ أيضًا:
التسمم بالرصاص: أسبابه وأعراضه ومضاعفاته وتدبيره
سلسلة السموم : 3- الرصاص، انتبه لأطفالك.
الاشتدادات الحادة في تلوث الهواء تعني معدلات أعلى من الإجهاض
ينتقل التلوث البلاستيكي الآن من سلاسل غذاء المحيط إلى الحيوانات البرية بسبب هذه الحشرة
ترجمة: فراس خزام
تدقيق: رزان حميدة