الأفراد ذوو المستوى العالي من التفكير الأخلاقي يُظهِرون نشاطًا زائدًا في نظام المكافأة المخططي الجبهي بالمخ، وذلك في خلال كلٍ من فترات الراحة وفي أوقات خوض المخاطر المتتابعة واتخاذ القرارات.
هذا ما أشارت إليه دراسة جديدة أجراها باحثون في كلٍ من كلية طب بيرلمان، وكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، وجامعة الدراسات الدولية بشنغهاي في الصين، وكلية شاريتيه للطب ببرلين في ألمانيا.
ونتائج هذه الدراسة، التي نُشِرت هذا الشهر في دورية (ساينتفيك ريبورتس)، يمكن أن تساعد الباحثين في فهم كيفية اختلاف وظيفة المخ لدى الأفراد في مراحل مختلفة من التفكير الأخلاقي وسبب كَوْن بعض الأفراد، الذين يصلون إلى مستوى عالٍ من التفكير الأخلاقي، أكثر ميلًا لانتهاج سلوكيات معينة اجتماعية – مثل تقديم الخدمة المجتمعية أو التبرع للأعمال الخيرية – بالاستناد إلى مبادئ وقواعد أخلاقية أكثر تقدمًا.
تشير الدراسة إلى نظرية مراحل التطور الأخلاقي للعالم لورانس كولبرغ، والتي تفترض أن الأفراد يمرون بمراحل مختلفة من التفكير الأخلاقي مع نضوج قدراتهم المعرفية. ووفقًا للباحثين، تشير نظرية كولبرغ ضمنًا إلى أن الأفراد ذوي المستوى المنخفض من التفكير الأخلاقي أكثر عرضة للحكم على المسائل الأخلاقية في الأساس بناءً على الاهتمامات الشخصية أو الالتزام بالقوانين واللوائح، بينما الأشخاص ذوو المستويات الأعلى من التفكير الأخلاقي يحكمون على المسائل الأخلاقية بناءً على مبادئ ومُثل مشتركة أكثر عمقًا.
وقد توصل الباحثون في عملهم السابق إلى وجود رابط بين المستويات العليا من التفكير الأخلاقي وحجم المادة الرمادية، ما يرجح وجود رابط حيوي بين التفكير الأخلاقي وبنية المخ.
أما هذه الدراسة الأحدث، فسعت إلى اكتشاف ما إذا كان هناك رابط بين التفكير الأخلاقي ووظيفة المخ أم لا.
هدف الباحثون، في هذه الدراسة، إلى التحقيق فيما إذا كان تطور الأخلاق مرتبط بجوانب قابلة للقياس في وظيفة المخ أم لا. وللإجابة عن هذا السؤال، أجرى الباحثون اختبارات للتفكير الأخلاقي على عينة كبيرة تزيد عن 700 طالب بماجستير إدارة الأعمال في كلية وارتون، وفحصوا نشاط نظام المكافأة في المخ في مجموعة فرعية مكوّنة من 64 طالبًا، في أثناء أداء مهمة ما وفي أثناء عدم أداء أية مهمة.
ويذكر دكتور هينجي راو، وهو أستاذ أبحاث مساعد في التصوير العصبي المعرفي بقسم الأعصاب والطب النفسي في كلية طب بيرلمان وباحث رئيسي في هذه الدراسة، أن فريق الدراسة قد لاحظ اختلافات فردية كبيرة في مستويات التطور الأخلاقي ووظيفة المخ في هذه المجموعة المتجانسة من طلبة الماجستير المثقفين.
ويقول راو: «من المثبت في المراجع أن نظام المكافأة في المخ يلعب دورًا في الحكم الأخلاقي واتخاذ القرارات والسلوك الاجتماعي. لكن يظل من غير المعلوم ما إذا كانت وظيفة نظام المكافأة في المخ يمكن أن تتأثر بمراحل التطور الأخلاقي أم لا. وعلى حد علمنا، تُعَد هذه الدراسة الأولى التي تثبت التأثير المغير لمستوى التفكير الأخلاقي على نشاط نظام المكافأة في المخ البشري. وتقدم نتائج دراستنا رؤى متعمقة جديدة حول الأساس العصبي المحتمل وآلية المعالجة النفسية التي تتسبب في الاختلافات الفردية في التطور الأخلاقي».
والتوصّل إلى وجود نشاط زائد في نظام المكافأة في المخ لدى الأفراد ذوي المستوى العالي من التفكير الأخلاقي يشير إلى أهمية الدوافع الإيجابية نحو الآخرين في تطور التفكير الأخلاقي، بدلًا من الدوافع الأنانية. وتدعم هذه النتائج، أيضًا نظرية كولبرغ بأن المستويات الأعلى من التفكير الأخلاقي تميل للتشجيع والتركيز على الآخرين (فعل الشيء لأنه صحيح) بدلًا من المنع أو التركيز على الذات (عدم فعل الشيء لأنه خاطئ).
وتقول دكتورة ديانا روبرتسون، وهي أستاذة الدراسات القانونية وأخلاقيات العمل بكرسي جيمس تي ريدي في كلية وارتون وباحثة مشاركة في الدراسة: «توثّق دراستنا الاختلافات في وظيفة المخ المرتبطة بالمستويات العليا والدنيا للتفكير الأخلاقي. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الاختلافات المُلاحَظة في وظيفة المخ هي السبب أم النتيجة لاختلاف مستويات التفكير الأخلاقي.
لكننا نعتقد أن كلًا من عوامل التنشئة مثل التعليم والتواصل الاجتماعي للأبوين والخبرات الحياتية، وعوامل الطبيعة مثل الأساس البيولوجي أو التطوري والقدرات الفطرية للعقل والأساس الوراثي، يمكن أن تساهم في الاختلافات الفردية في التطور الأخلاقي».
يقول الباحثون إن الدراسات المستقبلية يمكن أن تتوسع في هذا العمل عن طريق تقييم إلى أي مدى تعتمد الاختلافات الفدرية في تطور التفكير الأخلاقي الاختلافات الفطرية أو التجارب المكتسبة، وما إذا كان بإمكان التعليم تعزيز مرحلة التفكير الأخلاقي لدى الأفراد حتى بعد السن الذي يكتمل فيه النضح البنيوي والوظيفي للمخ.
- ترجمة: أميرة علي عبد الصادق
- تدقيق: رؤى درخباني
- تحرير: أميمة الدريدي
- المصدر