إنّ متابعي أخبار العلوم والصحة وخاصةً أولئك المصابين بأمراض مُميتة؛ قد يتكّون لديهم الانطباع بأنّ فجر عصر جديد خالٍ من الأمراض يحلّ علينا كما لا يوجد أي مكان في هذه الفكرة أكثر مما هو واضح في أحدث كلمة في مجال العلوم الصحية وهي كلمة كريسبر CRISPR.
باستخدام هذه الأداة (وهي شكل من أشكال الهندسة الوراثية) يمكن للعلماء تعديل جينوم، تغيير مجموعة من الجينات بين عشرات الآلاف الموجودة في الحمض النووي DNA للكائن الحي.
باستخدام كريسبر قد يكون لدى العلماء القدرة على إزالة أو تصحيح الجينات المُسبّبة للأمراض أو إدخال جينات جديدة بإمكانها نظريًا معالجة الأمراض وبما في ذلك السرطان.
ولكن التكنولوجيا تأتي مع كل من الفوائد والمخاطر المحتملة.
لقد أكدّت دراستان نُشرتا هذا الشهر حول تقنية كريسبر على الوعود والمخاوف لهذه التقنية.
الدراسة الأولى المشتركة بين عدّة معاهد والتي قادها فريق من الباحثين من جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو (UCSF) ونُشرت في مجلة the journal Nature، كشفت عن طريقة جديدة وأكثر فعاليةً لإحداث التغيرات في الجينوم باستخدام تقنية كريسبر.
وقد استحقّت هذه الطريقة، التي تستخدم الحقول الكهربائية، الثناء الواسع من مؤسسة البحوث الطبية الحيوية، كما نُقل في العديد من التقارير الإخبارية.
وتشير الدراسة الثانية من مختبر آلان برادلي في معهد Wellcome Sanger Institute في إنكلترا، التي نُشرت بعد بضعة أيام في مجلة Nature Biotechnology، إلى أنّ تقنية تعديل الجينوم كريسبر يمكن أن تُسبّب ضررًا أكبر من الذي توقعه العلماء.
إذًا، ما الذي يجري؟ وما مدى قرب العلماء من استخدام تقنية كريسبر في الواقع لمعالجة السرطان بشكل فعّال؟
تقنية كريسبر تصبح هشّة:
تُعدّ CRISPR واحدةً بين العديد من الأدوات في مجال الهندسة الوراثية التي مضى عليها 40 عامًا حيث اقتحمت المشهد عام 2012.
تقدم هذه التقنية دقةً غير مسبوقة في تعديل الجينوم، أي أنها تفتح سلسلةً من الحمض النووي وتُصحّح خطأً مكتوبًا في الشيفرة الوراثية.
إنّ كريسبر ليست الطريقة الأولى لتعديل الجينات ولكن يبدو أنها الأكثر دقةً حتى الآن.
إليك كيف تعمل تقنية كريسبر:
هي امتدادات من الـ DNA الموجود في البكتيريا والميكروبات الأخرى. تستخدم هذه الكائنات الدقيقة CRISPRs لإيجاد وإزالة الحمض النووي الفيروسي الذي غزا الجينوم الخاص بها.
يعني أنه نظام دفاعي حاضن. إنّ كريسبر والبروتينات المرتبطة بها مثل Cas9 تقطع أساسًا الحمض النووي الفيروسي وتصحّح الأمور.
تدخل التكنولوجيا الآن مجال التطبيق السريري (مع عدد قليل فقط من المرضى الذين يتلقون العلاج) وجميعهم بدؤوا في 2017.
ومع ذلك، تُستخدم كريسبر الآن، بنجاح كبير وبشكل ملحوظ، في إنشاء الحيوانات المخبرية وخطوط الخلايا مع الميزات الجينومية الرئيسية التي تساعد العلماء على دراسة الأمراض البشرية بشكل أفضل.
وفي هذا الصدد تم بالفعل تحقيق جزء من وعد “كريسبر” من حيث “التقدم الحقيقي لمنظور الأبحاث في الطب الحيوي بطريقة لم يكن أحد يعتقد أنها ممكنة”.
قال فيودور أورنوف، نائب مدير معهد التيوس للعلوم الطبية الحيوية Altius Institute for Biomedical Sciences في سياتل والذي يستخدم كريسبر وطرقًا أخرى لتعديل الجينات البشرية في المختبر، ل مجلة Live Science: «وبالنسبة للأمل الآخر وهو التطبيقات السريرية “فهناك أخبار جيدة حقًا تلوح في الأفق».
كريسبر: التقدم والأخطار الكامنة:
لكي تعمل CRISPR، تحتاج السلاسل (الضفائر) القصيرة أولًا إلى نواة خلية، حيث يوجد DNA.
لنقل CRISPRs لهناك ومن أجل ذلك يستخدم العلماء فيروسات مُعدّلة وطريقة تسليم عمرها عقود.
هذه الفيروسات غير الضارة تغزو الخلية كما هي العادة للقيام بها وتُسلّم الوديعة.
لكن تصنيع هذه الفيروسات بأعداد كبيرة للاستخدام السريري يمكن أن يستغرق شهورًا أو حتى سنةً وكما لا يملك المرضى ذوي الحالات الحرجة عادةً فترةً طويلةً من الانتظار.
لهذا السبب أثار مقال Nature الجديد هذه الإثارة والإشادة.
واستخدم العلماء في هذه الدراسة التحفيز الكهربائي وليس الفيروسات لنقل المواد الجينومية إلى نواة الخلية.
يسمى هذا “التخريم الكهربائي” (electroporation) الذي يختصر العملية لبضعة أسابيع.
كما يمكن لهذه الطريقة أن تُسّرع جهود البحث بشكل كبير.
لكن حذّرت الدراسة الجديدة الأخرى، على الرغم من أنها لم تشر إلى الأبحاث حول التحفيز الكهربائي، من أن CRISPR لا تزال مليئةً بالخطر.
وقال الباحثون بأنّ هذه التقنية يمكن أن تُغيّر أجزاء من الحمض النووي أكثر مما يدركه العلماء بما في ذلك الأجزاء الواقعة أبعد من المنطقة المستهدفة من قبل كريسبر.
باختصار، يمكن لـ CRISPR القصّ أكثر من اللازم، واعتمادًا على ما تم قصّه قد يؤدي عدم الدقة هذا لحدوث مشاكل.
على سبيل المثال يمكن للعلماء الذين يستخدمون “كريسبر” (CRISPR) أن يقطعوا عن غير قصد مُثبطًا للسرطان.
ويمكن أن تحدث هذه الأخطاء بغض النظر عن آلية النقل المستخدمة سواء كانت التخريم الكهربائي أو ناقل فيروسي، كما أخبر مؤلف الدراسة الرئيسي مايكل كوسكي Michael Kosicki وهو طالب دراسات عليا في معهد Wellcome Sanger Institute في إنكلترا، ل Live Science.
لكن أورنوف Urnov الذي لم يشارك في أية من الدراستين، حذّر من استخلاص استنتاجات واسعة من المقالة الثانية.
لقد استخدمت هذه الدراسة خلايا الفئران وليس الخلايا البشرية بالدرجة السريرية، كما لم تستخدم سلالة CRISPR-Cas9 المُصمّمة للاستخدام السريري.
وأضاف أنه لا يمكنك مقارنة القص خارج الهدف والذي شُوهد في الحمض النووي للفأر لما قد يحدث في الدراسات البشرية.
وقال أورنوف أنه في الولايات المتحدة وأوروبا لن تبدأ أي تجربة سريرية دون الخضوع “لمراجعة سلامة صارمة”.
هناك اثنان من مخاوف السلامة الأساسية: أولهما هو التأكد من أنّ التعديل الوراثي قد نّفّذ بشكل صحيح دون قصّ مناطق أخرى، وهو خطر قد سلّطت الدراسة الثانية ضوءًا عليه.
وثانيهما: التأكد من أن التعديل الوراثي للمنطقة المستهدفة، حتى لو تم بشكلٍ صحيح، هو آمن، وإن تغييره أو إزالته ليس له أي تداعيات غير متوقعة.
ما الّذي يحتاج مرضى السرطان إلى معرفته؟
تملك تقنية كريسبر الإمكانية لإحداث ثورة في علاج السرطان وخاصةً في مجال العلاج المناعي.
وفي العلاج المناعي للسرطان يقوم العلاج الجينومي على أساس هندسة خلايا مناعية تسمى الخلايا التائية T لإيجاد الخلايا السرطانية وقتلها كما لو كانت فيروسًا تمامًا.
في عام 2017 وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على علاجين لنوع من العلاج المناعي يُسمّى العلاج المناعي بمستقبل مولد المضاد المُركب (الوهمي) CAR-T chimeric antigen receptor.
على الرغم من أن كليهما لا يتضمن تقنية كريسبر.
ولكن الأطباء حول العالم يستخدمون كلًّا من العلاج المناعي التقليدي وتقنيات كريسبر الجديدة لزيادة عدد أنواع السرطان التي بإمكانهم معالجتها حتى لو كان كل ذلك على المستوى التجريبي الأولي.
إذا كنت مريض سرطان فأول شيء عليك إدراكه أنك لا تريد بالضرورة أن تكون في حاجة إلى هذه العلاجات التجريبية.
أمّا إذا احتجت لواحدةٍ منها فذلك يعني أنّ العلاجات التقليدية كالعلاج الكيماوي، الأشعة، والجراحة قد فشلت.
والشيء الثاني الذي يجب على مرضى السرطان فهمه هو أنّ علاجات تقنية كريسبر التجريبية هي تجريبية تمامًا وليست مُتاحةً للعديد من المرضى. إذ يتم تقديم هذه العلاجات مبدئيًا لمستشفيات البحث كما أن معظمها لا تعمل لغالبية المرضى.
ويحاول الأطباء في هذه الإعدادات معرفة ما إذا كانت هذه العلاجات تعمل وكيف تعمل أو كم تحتاج لتكون مُعدّلةً، لذلك يحتاج الأطباء لاستخدام متطوعين مرضى، مصابين ببعض أنواع السرطان الواضحة.
لذا فإنّ السؤال الرئيسي هو: مامدى قربنا في الحقيقة من علاج السرطان بواسطة تقنية كريسبر؟
وبالطبع لايمكن لأي خبير أن يقول على وجه اليقين متى.
وقال Urnov أنّه واثق من أن تكنولوجيا كريسبر سوف تجلب المزيد من العلاجات لمجموعة واسعة من الأمراض بما فيها أنواع معينة من السرطان في السنوات القليلة المقبلة.
أشار الدكتور الكسندر مارسون من UCSF، مؤلف كبير في دراسة التخريم الكهربائي، إلى أنّ الحصول على إجابة حول تطبيقات تقنية كريسبر في السرطان هو قريب بعض الشيء.
ويأمل الفريق بمعالجة المرضى المُصابين بمرض المناعة الذاتي النادر جدًا لدرجة أنه يفتقر لاسم.
ولقد تم سابقًا تصحيح الخلايا التائية لهؤلاء المرضى باستخدام تقنية استهداف الجينوم غير الفيروسي (بدون الاعتماد على الفيروسات) في المختبر.
والهدف هو إعادة الخلايا المُصححة للأطفال من أجل علاج مرضهم.
ولا يزال العمل الهام ينتظر تطوير خلايا مُصحّحةً من الدرجة السريرية واختبار سلامتها والحصول على موافقة الجهات التنظيمية حسب ما قاله مارسون لـ Live Science.
يشارك مارسون وأعضاء آخرون في هذا الفريق أيضًا شراكةً مع معهد باركر لعلاج الخلايا السرطانية في سان فرانسيسكو من أجل هندسة خلايا لعلاج مجموعة من أنواع السرطان، ويمكن الآن إعادة برمجة الخلايا المناعية بواسطة تقنية كريسبر بفعالية عالية دون الاعتماد على الفيروسات.
وهذا من شأنه نظريًا أن يُسّرع من وتيرة دخول نظام CRISPR إلى الدراسات السريرية ووصولها كعلاج رئيسي.
- ترجمة: عدي بكسراوي
- تدقيق: أحلام مرشد
- تحرير: كنان مرعي
- المصدر