تعطي دراسةٌ جديدة سبع سماتٍ رئيسية مشتركة بين القلق الاجتماعي و الاكتئاب . بإمكانك تقبّل عدم كونك محور حفلةٍ ما، لكنك تودُّ أن يكون باستطاعتك تجاوز المناسبات الاجتماعية دون أن يحرجك قلقك . بالإضافة إلى ذلك، تودّ أن تستمتع بوقتك أيضًا. لكن -وللأسف- لا تبشّرك تجاربك السابقة بخير. على سبيل المثال، أنت تفضّل البقاء في منزلك عوضًا عن حضور حفلة تقاعد زميلٍ لك في العمل خشية أن يُطلب منك إلقاء كلمة في حقه أمام الحاضرين، أو تفضّل انسحابك من التجمع العائلي الأخير وتعويضه بمشاهدة برنامجك المفضل .
يشعر الأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي بالخوف من تقييم الآخرين لهم، ما يُشعرهم بالضيق بسبب أنهم سيصبحون وحيدين بسرعة. مع ذلك، حتى دون تشخيصٍ فعليٍّ لهذا الاضطراب والذي يستلزم مطابقته لمعايير محددة، فإن الأشخاص القلقين اجتماعيًا يعانون أيضًا من شكٍّ حاد بأنفسهم خصوصًا فيما يتعلق بنظرة الآخرين إليهم. قد يشبه الحزن المرافق لتجربتهم إلى حد كبير الشعور بالاكتئاب وفقدان الأمل.
في دراسة جديدة بجامعة واشنطن بسانت لويس، قادت جوليا لانجر فريقًا من علماء النفس في تجربة اختبروا فيها التداخل بين أعراض القلق الاجتماعي والاكتئاب باستعمال مقاربةٍ منهجيةٍ فريدة. تقترح نتائج هذه التجربة سبلًا تمكن الشخص من التعامل مع مشاعره المرتبطة بالقلق الاجتماعي والاكتئاب من خلال استهداف الأعراض بشكل مباشر.
حسب لانجر، فبالإضافة إلى كون القلق الاجتماعي والاكتئاب من الاضطرابات الأكثر شيوعًا؛ فإن ظهورهما في نفس الوقت يسبّب تدهورًا مهمًا. لفهم وتمحيص العلاقة بين هذين الاضطرابين، لم يدرس الباحثون أعراضًا محددة فقط، بل والعوامل الكامنة خلفها أيضًا. يعتقد الباحثون بجامعة واشنطن أنه بإمكانهم جني المزيد من المعلومات من خلال تطبيق مقاربة عكسية، من خلال البحث عن العلاقة السببية بين الاضطرابين.
وفحصوا -في دراستهم الإحصائية للعلاقة بين القلق الاجتماعي والاكتئاب- التداخل الموجود على مستوى الأعراض لإيجاد تلك التي تُعتبر جسرًا بين كلا الاضطرابين، وخلصوا إلى أنه يمكن تصوّر هذا الجسر (الأعراض) طريقًا معبدة للمرور من اضطرابٍ إلى آخر، ووجود أعراض كهذه عند شخص ما ترفع احتمالية ظهور الاضطراب الثانوي لديه.
بينما تفكر في الأعراض (الجسر)، خذ بعين الاعتبار العلاقة بين عدم الرغبة في الدخول في تجارب اجتماعية كعَرَضٍ للقلق الاجتماعي، والشعور بالحزن كعَرَضٍ للاكتئاب. من المنطقي أن يؤثر خوفك من تقييم الآخرين على قدرتك على النوم، فما إن يغمرك الإحساس بالخوف حتى تجد نفسك تتقلّب يمينًا ويسارًا في سريرك.
من أجل اختبار مدى صلاحية هذه النظرية، درست لانجر وزملاؤها عينة من 130 امرأة تتراوح أعمارهن بين 18 و59 سنة يعانين من اضطراب القلق الاجتماعي واضطراب الاكتئاب. وقد خضعن لمقاييس متعلقة بالرُّهاب/القلق الاجتماعي والاكتئاب وما يُعرف بعناصر الشخصية الخمسة، خصوصًا عنصري الاضطراب والانفتاح.
وعوضًا عن اختبار العلاقات المتبادلة بين هذه المقاييس، فضّل الباحثون التركيز على نقاط التقاطع السبع التي تربط الأعراض كالتالي:
- القلق الناتج عن موقف محرج مع شخص معين (شخص ذي سلطة، شخص غريب أو شريك رومانسي محتمل).
- القلق الناتج عن التحدث إلى شخص معين بذات الفئات السابقة.
- شدة الشعور بالكآبة.
- فقدان القدرة على الشعور بالسعادة، يتضح من عدم القدرة على الضحك بسهولة أو الشعور بالبهجة.
- الشعور بانعدام القيمة.
- الانفعال المفرط.
- اضطراب المزاج.
وخلال دراستهم للعلاقة بين أعراض الاكتئاب والقلق الاجتماعي، وجد الباحثون ترابطًا بين الانفعال المفرط والإحساس بانعدام القيمة واضطراب المزاج والكآبة والتأثير الإيجابي والخوف من المواقف الاجتماعية وتجنّبها. خلص البحث إلى العَرَض الذي يُعتبر الجسر الرئيسي وهو الإحساس بانعدام القيمة، وإلى أن الرهاب الاجتماعي والكآبة -العرضين الرئيسيين للاضطرابين- غير مرتبطين بشكل مباشر.
مع ذلك؛ يرتبط الإحساس بانعدام القيمة بالرهاب الاجتماعي من خلال المزاج المكتئب والمزاج المتقلب. يبقى من المستحيل، حسب رأي الباحثين، القول إن القلق الاجتماعي يؤدي إلى الاكتئاب أو العكس. تختلف العلاقة بينهما من شخص لآخر، فمن الممكن أن يكون القلق الاجتماعي سببًا في اكتئاب الفرد، كما يمكن للاكتئاب أن يؤدي إلى القلق الاجتماعي. لكن يبقى للشعور بانعدام القيمة دورٌ رئيسي في ذلك الانتقال.
على أي حال، خلص الباحثون بجامعة واشنطن إلى أن نتائج بحثهم تعني أن سبل العلاج قد تكون أكثر فعالية إذا استهدفت الأعراض بشكلٍ مباشر. كون الشعور بانعدام القيمة يلعب دورًا رئيسيًا في كلا الاضطرابين؛ يجعله نقطة تركيز لأخصائيي العلاج النفسي. كما جاء في مقالة البحث: استهداف عَرَض يلعب دورًا مركزيًا يمكن أن يساعد على الحد من شدة الأعراض في كلا الاضطرابين.
ما إن تدرك إمكانية معالجة أعراضك، تصبح في طريقك نحو تهدئة شعورك بالحزن والفزع. المناسبات الاجتماعية مصدرٌ مهم للشعور بالرضا عن الذات، ومن خلال الحد من شعورك بالقلق يصبح بإمكانك الوصول إلى ذلك الإحساس.
ترجمة: عبد العزيز برقوش
تدقيق: تسنيم المنجّد
اقرأ أيضًا:
هل الشخص الإنطوائي أكثر إبداعاً ؟
رعشة العين.. هل يجب عليك القلق منها؟
علامات تدل على إصابتك باضطراب القلق المرضي، هل تمتلكها؟
الوحدة هي مشكلة كبيرة، وأصبح للمملكة المتحدة وزيرًا لها!