يشكل تغير المناخ تهديدًا مباشرًا لصحة الإنسان، وتشير الأدلة المتزايدة إلى تعرض الحوامل بصفة خاصة لخطر درجات الحرارة المرتفعة أكثر من المعتاد خلال فصل الصيف. وجد تحليل جديد لـ 70 دراسة من جميع أنحاء العالم أن ارتفاع درجات الحرارة أثناء الحمل يرتبط بزيادة طفيفة في حالات الولادة المبكرة والموت الجنيني، لا سيما في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط .
ولأن الخطر يبدو ضئيلا نسبيًا، فإن العلماء يشعرون بالقلق من احتمال كونه ذا تأثير كبير على الصحة العامة في المستقبل، خاصةً وأن الاحتباس الحراري يؤدي إلى ارتفاع موجات درجات الحرارة بشكل أكثر حدة وتكرارًا.
يتعين تحذير كل من المسنين وذوي الحالات المرضية والأطفال الصغار من مخاطر ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى إسداء المشورة التي تهدف إلى تحذير النساء الحوامل من هذه الظاهرة.
يتطلب الحمل مواجهة الكثير مما يؤثر في جسم الإنسان، ما يدفع القلب إلى العمل بجهد أكبر وزيادة درجات الحرارة الداخلية وترك الجسم معرضًا لخطر الإجهاد الحراري والإرهاق والتّجفاف.
استنتج الفريق الدولي أنه «ينبغي وضع النساء الحوامل إلى جانب المجموعات التي تعتبر عادة معرضة لخطر شديد بسبب الظروف المرتبطة بالحرارة».
ما يزال هذا المجال من الأبحاث حديثًا نسبيًا، ولكن بناءً على معرفتنا حتى الآن، هناك سبب يدعو للقلق على الأم وجنينها.
لم تكن أي من الدراسات المدرجة في الوقت الراهن مثالية أو قادرة على تقديم سبب أو نتيجة واضحة.
ساهمت دراسة رصدية نُشرت في العام الماضي ارتكزت على تقييم 56 مليون حالة ولادة في الولايات المتحدة في تحديد الصلة بين ارتفاع درجات الحرارة وتقليص فترة الحمل.
يبيّن طبيب التوليد والأمراض النسائية ناثانيال دينيكولا من خلال ورقة بحثية مستقلة عام 2019 حول هذا الموضوع قائلًا: «عندما تبدأ المزيد والمزيد من الدراسات في التكدس والتآلف حول نفس الاستنتاج، علينا أن نوليها بعض الاهتمام، وخاصة عندما تكون هناك معقولية بيولوجية كامنة وراء هذه النتيجة».
بتحليل المزيد من الدراسات حول هذا الموضوع أكثر من أي وقت مضى، فإن التحليل الحالي يبحث عن كيفية تأثير خطر ارتفاع الحرارة في الحامل، التي تؤدي إلى ثلاث نتائج تشمل كلًا من: الموت الجنيني والولادة المبكرة وانخفاض وزن المواليد.
جاء البحث من 24 دولة، معظمها في أمريكا الشمالية والاتحاد الأوروبي وأستراليا ونيوزيلندا، من بينها سبع دول ذات دخل منخفض أو متوسط .
وجد الباحثون أنه: «مع كل زيادة في درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة يزداد خطر الولادة المبكرة والموت الجنيني بنسبة 5% تقريبًا في المتوسط ، وفي حال ارتفاع درجات الحرارة لمدة طويلة سوف يرتفع خطر الولادة المبكرة بنسبة 16%».
بوضع ذلك في الاعتبار، يبلغ المتوسط العالمي للولادة المبكرة حوالي 10%، وبالتالي يعدّ تأثير الحرارة الشديدة -إن وجدت- ضئيلًا نسبيًا مقارنةً بجميع العوامل الأخرى التي قد تؤثر على نتائج الحمل.
أظهر التحليل انخفاض وزن الولادة، على سبيل المثال: انخفض وزن 3% فقط من المواليد الذين ولدوا خلال موجة حر، وعادة ما تكون هذه النسبة أقل بكثير.
بينما وجدت 18 دراسة فقط من أصل 28 وجودَ صلة بين وزن المواليد والتعرض للحرارة، وجدت 40 دراسة من أصل 47 وجود علاقة بين خطر الولادة المبكرة والتعرض للحرارة.
ورد في الدراسة: «إن الأدلة كانت أقوى وأكثر اتساقا بما يتعلق بموجات الحر»، يضيف المؤلفون: «على الرغم من أن مقاييس الجرعة التراكمية للحرارة على مدى فترة الحمل بأكملها كانت العامل ذا التأثير الأكبر».
هذا يعني أن التعرض للحرارة قد يزيد من إلحاق الضرر خلال فترة الحمل، رغم كون النتائج تبدو متقلبة بين مجموعات اجتماعية واقتصادية معينة.
على سبيل المثال، وحيث تشير بعض الدراسات إلى أن حالات الحمل ذات الدخل المنخفض والمتوسط هي الأكثر تأثرًا بخطر التعرض للحرارة طوال أشهر الحمل التسعة، تشير دراسات أخرى في البلدان مرتفعة الدخل إلى أن الأسابيع الأخيرة من الحمل يكون فيها التأثير أكثر خطورة.
تزيد المنهجيات المختلفة المستخدمة ومختلف الشرائح السكانية التي أُجريت عليها الدراسة الأمر صعوبة لإصدار تقييم عام.
علاوة على ذلك، ارتُئي أن ما يقارب ثلث هذه الدراسات ذات جودة منخفضة، ما يعني محدودية الاستنتاجات التي يمكننا استخلاصها منها.
على سبيل المثال، وجدت العديد من الدراسات أن معدلات الولادة المبكرة لم تتزايد إلا عند تجاوز درجات الحرارة 25 درجة مئوية، وهو ما قد يفسر سبب عدم ظهور نتائج مماثلة لأبحاث أخرى لم تشمل سوى درجات حرارة دون هذا الحد.
هناك العديد من العوامل التي يمكن النظر فيها والسيطرة عليها عندما يتعلق الأمر بنتائج الحمل، بما في ذلك التعليم والحصول على الرعاية الصحية والأمن الغذائي وتوافر مكيف الهواء، حتى أن جنس الجنين قد يكون له دور.
على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت في اليابان أن حالات الإجهاض التلقائي كانت أعلى بين الأجنة الذكور بعد فترة من التعرض للحرارة، وبالنظر في كل الدراسات الـ 70، وجد التقييم الجديد النمط ذاته.
ما الذي يدفع هذه النتائج لتكون غير واضحة؟
وجدت بعض الدراسات الحيوانية أن التعرض للحرارة خلال الحمل قد يتداخل مع تركيب بروتينات الصدمة الحرارية، ما يؤدي إلى تلف خلايا الجنين أو الإجهاد التأكسدي أو الالتهاب، ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا يحدث في البشر.
يتعين علينا إيلاء أولوية لإجراء المزيد من الأبحاث، خاصة وأن مخاطر الحمل الناجمة عن موجات الحر تكون أعلى بكثير في المناطق التي يوجد فيها قدر أقل بكثير من وسائل الحماية.
أبدى الباحثون قلقهم قائلين: «إن التعرض لدرجات حرارة مرتفعة في الأعمال الزراعية وغيرها من الأعمال الخارجية قد تحدث قبل معرفة حدوث حمل وحتى في وقت متأخر من الحمل، قد تعمل النساء الفقيرات بما يتجاوز حدود تحملهن للحرارة لتجنب فقدان الأُجرة».
ما نعرفه حتى الآن، أن هذا الأمر يدعو للقلق، وحتى الآن العديد من خطط مواجهة الاحتباس الحراري في جميع أنحاء العالم -بما في ذلك تلك الموجودة في الولايات المتحدة وأوروبا- لم تعتبر الحوامل فئةً معرضةً للخطر.
قالت سكاي ويلر، باحثة في حالات الطوارئ من أجل حقوق المرأة في منظمة رصد حقوق الإنسان، لصحيفة بازفيد نيوز في وقت سابق من هذا العام: «يتم تجاهل النساء الحوامل كفئة معرضة لخطر تغير المناخ إلى حد كبير»، ومن الواضح أن هذا يحتاج إلى تغيير.
اقرأ أيضًا:
خريطة توضح المناطق المعرضة لخطر الملاريا بسبب الاحترار العالمي
كيف نحمي الأماكن التراثية العالمية من تغير المناخ؟
ترجمة: لارا الطراونة
تدقيق: مدين سعدالله عسليه