كل المادة في الكون -صغيرة كانت أم كبيرة وبغض النظر عن عمرها- تتكون من ذرات. جميع هذه الوحدات البنائية تتكون من أنوية موجبة الشحنة وإلكترونات سالبة الشحنة تدور حولها في مدارات.
أعداد النيوترونات والإلكترونات والبروتونات في ذرة ما يحدد لأي عنصر تنتمي هذه الذرة في الجدول الدوري للعناصر وتؤثر هذه الأعداد في طرق تفاعل هذه الذرة مع الذرات الأخرى من حولها. فكل ما تراه حولك ما هو إلا ترتيبات مختلفة من ذرات تتفاعل مع بعضها البعض بطرق فريدة.
السؤال هنا، إن كان كل شيء مصنوعًا من الذرات، فما عدد هذه الذرات في الكون؟
كبداية متواضعة، يحتوي جسم الإنسان المتوسط على سبعة أوكتيليون (سبعة متبوعة بسبعة وعشرين صفرًا) ذرة، وبالنظر لهذه المحصلة الضخمة من الذرات في جسم إنسان واحد قد يخطر على بالك أنه من المستحيل إيجاد إجابة لسؤالنا المطروح، وقد تكون على حق؛ لأننا لا نعلم تحديدًا ما حجم كوننا الضخم وهذا يجعلنا لا نعلم تحديدًا عدد الذرات فيه، ولكن من الممكن أن نحسب تقريبًا عدد الذرات في كوننا المرصود باستخدام فرضيات مبنية على علم الكونيات والقليل من الرياضيات.
الكون المرصود:
خُلِق الكون قبل 13.8 مليار عام خلال الانفجار العظيم الذي انبثقت منه الحياة من نقطة واحدة لانهائية الكتلة والحرارة، وما زال الكون يتسع في الفراغ اللانهائي إلى يومنا هذا.
لأن الكون عمره 13.8 مليار عام والكون المرصود يتمدد إلى أبعد ما يمكن للضوء الوصول إليه في الزمن المبتدئ بولادة الكون قد يجعلك هذا تفترض أن الكون يتوسع بسرعة 13.8 مليار سنة ضوئية في كل الاتجاهات، ولكن تمدد الكون ليس سبب صعوبة حساب عدد الذرات.
عند رصدنا مجرةً أو نجمًا بعيدين، ما نراه فعليًا هو مكانهما عندما بعثتا ضوءهما وليس حينما وصلتا إلى الأرض. باستخدام إشعاع الخلفية الكونية الميكروي يمكننا حساب السرعة التي يتمدد فيها الكون، فكون هذه السرعة ثابتة -وهو تخمين العلماء الأفضل حتى الآن، رغم أن بعض العلماء يعتقدون أن الكون بدأ بالتباطؤ- فهذا يعني أن الكون المرصود فعليًا يتمدد بسرعة 46 مليار سنة ضوئية في كل الاتجاهات وفقاً لموقع space.com.
ولكن معرفة حجم الكون المرصود لا يخبرنا بالضرورة كل شيء نعرفه عن عدد الذرات فيه، نريد أيضًا أن نعرف كمية المادة أو أي شيء موجود فيه.
فرضيات كونية:
المادة ليست الشيء الوحيد في الكون؛ تشكل المادة حوالي 5% فقط مما في الكون بحسب وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، الـ 95% المتبقية هي المادة المظلمة والطاقة المظلمة، ولكن لأنهما مصنوعتان أيضًا من ذرات لن يكون الأمر معيقًا في إيجاد إجابتنا المبتغاة.
وفقًا لمعادلة آينشتاين الشهيرة E=mc2 فإن الطاقة والكتلة (أو المادة) متبادلتان، بمعنى أنه من الممكن أن تنتج المادة من الطاقة والعكس صحيح، ولكن على المستوى الكوني فإننا نفترض أن كمية المادة الناتجة من الطاقة والمتحولة إليها متكافئتان والفارق بينهما صفر، ما يعني أن المادة محدودة وعدد الذرات في الكون المرصود هو نفسه ولا يتغير منذ الانفجار العظيم وفقاً لساينتيفيك أميريكان Scientific American، وهذا مهم لأن تصورنا عن الكون المرصود ليس لقطة ثابتة لا تتغير بتغير الزمن.
وفقاً لمعرفتنا للكون المرصود فإن القوانين الفيزيائية التي تحكم ما رصدناه من الكون هي نفسها في كل مكان آخر فيه، هذه الحقيقة والفرضيات الداعمة لأن الكون في تمدد دائم تدلنا على أن المادة موزعة بشكل موحد في كل أنحاء الكون وهو ما يعرف بـ المبدأ الكوني. بعبارة أخرى، ليس هنالك مناطق في الكون تحتوي مادة أكثر من أخرى.
هذه الفكرة تعطي العلماء فرصة تحديد عدد النجوم والمجرات في الكون المرصود بدقة وهذا أمر مفيد لأن أغلب الذرات تتواجد في النجوم.
تبسيط المعادلة:
معرفة حجم الكون المرصود وأن المادة موزعة بشكل متساوي ومحدود حول الكون تجعل حساب عدد الذرات أكثر سهولة ولكن علينا صياغة بعض الفرضيات.
أولاها: افتراضنا أن الذرات متواجدة في النجوم حصرًا وهو أمر لسوء الحظ غير دقيق، لدينا فكرة أقل دقة عن عدد الكواكب والأقمار والصخور الفضائية في الكون المرصود مقارنة بعدد النجوم فيه ما يجعل إضافتهم للمعادلة أمرًا عسيرًا، ولكن لأن الأغلبية الساحقة من عدد الذرات موجود في النجوم يمكننا من خلال حساب عدد الذرات في النجوم وإهمال كل شيء آخر إيجاد تقريب ممتاز لعدد الذرات في الكون.
ثاني الفرضيات هي أن كل الذرات في الكون هي ذرات هيدروجين وهذا أيضًا ليس صحيحًا. تبلغ نسبة الهيدروجين في الكون حوالي 90% بحسب مختبر لوس ألاموس الوطني، ونسبته أكثر في النجوم وهي اهتمامنا الأول، وسترى بعد قليل أن هذا الافتراض يجعل الحسابات أكثر سهولة.
إجراء الحسابات:
وبعد طول الانتظار حان وقت إجراء الحسابات وإيجاد الإجابات المطلوبة.
لإيجاد عدد الذرات في الكون المرصود علينا معرفة كتلته، أي إيجاد عدد النجوم فيه. يوجد ما يقارب مئة مليار إلى تريليون مجرة في كوننا المرصود وكل مجرة فيها عدد مشابه من النجوم وفقًا لوكالة الفضاء الأوروبية، هذا يعطينا مئة سيكتيليون إلى عشرة سيبتيليون نجمة، ومن أجل إجراء التجربة لنقل أن عددها سيبتيليون (1024، واحد متبوع بأربعة وعشرين صفرًا). بالطبع هذا تخميننا الأفضل، فالمجرات تتفاوت في الأحجام وأعداد النجوم، ولكن لأننا لن نستطيع عدها كل على حدة فإن افتراضنا سيؤدي الغرض.
يبلغ متوسط وزن النجمة حوالي ديسيليون كيلوغرام (1033، واحد متبوع بثلاثة وثلاثين صفرًا) وفقاً لـ Science ABC، ما يعني أن كتلة الكون تبلغ حوالي مئة ألف سبتينديليون (1056، واحد متبوع بستة وخمسين صفرًا).
بما أننا الآن نعرف كتلة الكون المرصود وكمية المادة فيه نريد أن نعرف عدد الذرات الذي يحتويه. كل جرام من المادة يحتوي في المتوسط على عشرة سيبتيليون بروتون وفقًا للمختبر الوطني لفيزياء الجزيئات فيرميلاب في ولاية إلينوي الأمريكية، هذا الرقم يساوي رقم ذرات الهيدروجين -التي افترضناها مسبقًا من أجل المعادلة- لأن ذرة الهيدروجين الواحدة تحتوي على بروتون واحد فقط.
كل هذه المعطيات تعطينا الجواب:
مئة ساكسفيغانتيليون ذرة، وهو واحد متبوع بثلاثة وثمانين صفرًا ويمكن صياغته هكذا: 1083 أو:
100,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000
الرقم السابق ما هو إلا اجتهاد مدروس مبني على عدة افتراضات وتقريبات، ولكن لن يكون الرقم الفعلي بعيدًا عنه.
اقرأ أيضًا:
ما مدى ثقل الكون؟ إجابات متناقضة تلمح إلى فيزياء جديدة
ترجمة :أحمد أبو شمالة
تدقيق: محمد الأسطى