ما صحة ادعاء نيل تايسون أن 500 شخص يموتون في الولايات المتحدة يوميًا بسبب الأخطاء الطبية ؟ – ﺑﻌﺪ ﻋﻤﻠﻴﺘﻲ ﺇﻃﻼﻕ ﻧﺎﺭ جماعي ﺧﻠﻔﺖ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ 30 ﻗﺘﻴﻠًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻧﺸﺮ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺀ ﺍﻟﻔﻠﻜﻴﺔ ومبسط العلوم ﻧﻴﻞ ديجرﺍس ﺗﺎﻳﺴﻮﻥ، ﺗﻐﺮﻳﺪﺓ ﺣﻮﻝ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﻗﺎﻡ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻮﻓﻴﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺒﻼﺩ.
ﻛﺘﺐ ﻧﻴﻞ ﺩﻱ ﺟﺮﺍس ﺗﺎﻳﺴﻮﻥ “في المتوسط … ﺧﻼﻝ 48 ﺳﺎﻋﺔ، ﻧﺤﻦ نفقد ﺃﻳﻀًﺎ 500 ﺷﺨﺺ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ، و300 ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻹﻧﻔﻠﻮﻧﺰﺍ، ﻭ 250 ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻻﻧﺘﺤﺎﺭ، ﻭ 200 ﺑﺴﺒﺐ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ، ﻭ 40 ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﺑﻤﺴﺪﺱ.” ﻭﺃﺿﺎﻑ “ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﺗﺴﺘﺠﻴﺐ ﻋﻮﺍﻃﻔﻨﺎ ﻟﻠﻤﺸﺎﻫﺪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ.”
على الرغم من أن الكثيرين سارعوا إلى وصف المقارنة بأنها بليدة وصماء، إلا أن المهنيين الصحيين ومبسطي العلوم لديهم مشكلة أخرى شرعية مع البيانات الفعلىة.
الإحصائيات الأولية عن الأخطاء الطبية ليست قديمة فحسب، بل مضللة أيضًا.
على حد تعبير هانك غرين مدير قناة SciShow على اليوتيوب: “إنه نوع من الإحصاء من المحتمل أن يصبح ضارًا ولا يمكن لعالم جاد أن يشاركه دون سياق.”
في حين أن العدد لم يأتِ من الفراغ، وله تاريخ طويل ومثير للجدل يمكن بسهولة البحث عنه.
في الأساس جاء من تقرير لمعهد الطبIOM في عام 1999، الذي وجد أن 98000 شخص يموتون في المستشفيات الأمريكية كل عام بس أخطاء طبية يمكن تجنبها.
في غضون عام، شكك مهنيون آخرون بالفكرة وبدؤوا مناقشة استمرت لعقدين.
في عام 2000، أشار الباحثون في جامعة إنديانا إلى أن العديد من هؤلاء ال98000 شخص كانوا مرضى للغاية ولا يمكن مقارنتهم بعامة الناس.
والأكثر من ذلك، لم يفسر تقرير IOM معدل الوفاة الأساسي دون أخطاء طبية، والتي تبين أنها متشابهة بشكل عام.
على الرغم من أن أنظمة الإبلاغ عن سلامة المرضى “انتشرت في مجال الرعاية الصحية”، إلا أن معدل الخطأ لم يظهر أي انخفاض: في عام 2016، حققت مراجعة صادرة عن جونز هوبكنز عددًا كبيرًا لا يمكن تخيله.
بالنظر للدراسات المنشورة منذ تقرير معهد الطب IOM والتي استند الكثير منها فقط إلى مطالبات التأمين، استنتج هؤلاء الباحثون إلى أن 251454 مريضًا في المستشفى توفوا بسبب أخطاء طبية كل عام.
إذا كان هذا صحيحًا، فذلك يعني أن الأخطاء الطبية تسبب ما يزيد عن نصف إجمالي وفيات المستشفيات في الولايات المتحدة سنويًا.
بعد فترة وجيزة، حظيت الإحصائيات المبهمة باهتمام وسائل الإعلام على نطاق واسع، مع العناوين المثيرة التي تدعي أن الأخطاء الطبية هي السبب الثالث الأكثر شيوعًا للوفاة في الولايات المتحدة الأمريكية.
في كل الاحتمالات، هذا ليس صحيحًا. العالم والطبيب ديف غورسكي عارض هذه الأسطورة لسنوات، والتي يقول أنها التقطت ونشرت من قبل الذين يدعون أنهم يعرفون أكثر من الأطباء والمختصين ويبيعون الأدوية البديلة، كاعتداء على العلاج التقليدي القائم على الأدلة.
وبصفته محررًا وإداريًا للطب القائم على العلوم، فقد كتب عدة تفنيدات تفصيلية لهذه الدراسة، ومع ذلك ما زالت الخرافة مستمرة.
وقال غورسكي ل ScienceAlert عبر البريد الإلكتروني «على ما أعتقد فإن جزءًا من السبب هو أن هذه الأرقام سهلة وتروي قصة رهيبة، بينما شرح السياق ولماذا من شبه المؤكد أن هذه الأرقام مبالغ فيها بشكل كبير هو أمر صعب.»
وقد ناقش هو والباحثون والأطباء الآخرون منذ فترة طويلة أن مراجعة هوبكنز تفتقر إلى منهجية رسمية وتعتمد على تعاريف متباينة للخطأ الطبي والتي غالبًا ما تخلط بين هذه الأخطاء والأحداث السلبية بشكل عام.
«الأحداث السلبية تحدث حتى في غياب الأخطاء الطبية»، أوضح غوركسي في مقال للطب القائم على العلوم.
«لا يمكن الوقاية من الأحداث السلبية فهي لا تنطوي على أخطاء طبية أو رعاية طبية دون المستوى المطلوب. وإضافة لذلك فإن تحديد إذا ما كان خطأ طبي معين تسبب مباشرة أو ساهم في وفاة معينة في المستشفى هو أمر غير واضح في معظم الحالات.»
بمعنى آخر، هذه التقديرات مرتفعة للغاية، جزئيًا على الأقل لأنها تعلق الكثير من الوفيات على الأخطاء الطبية وهو تشخيص يصعب حتى على الخبراء الاتفاق علىه.
إن معظم هذه الأخطاء التي تدعى “الفشل في الإنقاذ” أو عدم الاعتراف بوجود مشكلة ما، بدلًا من الخطأ النشط، إنها تأخر في التشخيص، أو العلاج”، يوضح جراح الرضوح مارك هوفناجل على التويتر. «القرارات التي أخرت الرعاية المناسبة ليست خطأ طبيًا بقدر ما هي فشل في الإنقاذ.»
إضافة لذلك، بالنظر إلى خارج الولايات المتحدة، هناك أدلة تشير إلى أن الرقم أقل بالفعل.
على سبيل المثال، وجد تقرير صادر عن المملكة المتحدة في عام 2013 يقول «أنه على الرغم من أن خمسة في المئة من الوفيات في المستشفيات يمكن تجنبها بنسبة تزيد عن 50 في المئة، فإن أكثر من نصفها قد حدث في المرضى الأكبر سنًا والمرضى الذين لم يكن من المرجح أن يعيشوا أطول من سنة.»
توصلت دراسة حديثة وأكثر صرامة إلى عدد أكثر تحفظًا من دراسة معهد الطب IOM أو بحث هوبكنز.
بدلا من مجرد النظر إلى الأخطاء الطبية، قام مؤلفو هذه الدراسة بفحص جميع الأحداث السلبية، وارتباطاتها بوفيات المرضى، سواء كان ذلك خطأ أم لا.
باستخدام بيانات من العبء العالمي للأمراض والإصابات وعوامل الخطر (GBD) بين عامي 1990 و2016 ،وبدلاً من استخدام مطالبات التأمين، تستقر الدراسة الجديدة على رقم 50 إلى حوالي 80 ملفًا مقارنة بمراجعة هوكنز.
خلال فترة الدراسة بالكامل، وجد المؤلفون 123,603 حالة وفاة تم فيها تحديد الأحداث السلبية كسبب رئيسي للوفاة. وبعد السيطرة على النمو السكاني والشيخوخة خلال 26 عامًا، وجدوا أن هذه المعدلات قد انخفضت بالفعل بأكثر من 20 بالمئة.
من بين جميع الوفيات المرتبطة بالأحداث السلبية، وجدت الدراسة أن 8.5 في المئة شارك فيها القدر، أو أخطاء طبية مثل تهتك عرضي أو جرعة غير صحيحة، و 14 في المئة يمكن أن تكون بسبب أحداث سلبية مرتبطة بالإدارة الطبية.
هذا لا يعني أننا نقول أن الأخطاء التي يرتكبها المهنيون الطبيون ليست مشكلة، أو لا يجب إصلاحها. إن مجرد المبالغة في العدد إلى حد الأزمة، حيث يمكن أن يموت عدد كبير من الأشخاص الذين يدخلون المستشفى بسسب خطأ طبي، هو أمر خاطئ وخطير بشكل واضح.
وقال غورسكي لScienceAlert: “إنهم يرون هذه الأرقام متضاربة، ولا يقبلون هذه القضية بعمق”.
«للعثور على أرقام واقعية يتطلب الأمر العمل والمعرفة بآداب الدراسات العلمية وطرقها الصحيحة، وهو أمر محدود لا يمتلكه كل الناس.»
اعتذر نيل دي جرايس تايسون وكتب في تغريدة على التويتر “حقيقة ولكن غير مفيدة”.
اقرأ أيضًا: أكثر الأخطاء الطبية شيوعًا
ترجمة: نور لمين – تدقيق: سلمى توفيق – مراجعة رزان حميدة