نظن جميعنا أن الغيوم هي نفسها في جميع أنحاء الكرة الأرضية، وفي الواقع هذا خاطئ. تختلف الغيوم في نصف الكرة الأرضية الجنوبي عن الغيوم في نصفها الشمالي؛ في النصف الجنوبي تكون الغيوم أكثر غزارةً وأكثر عكسًا للضوء. هذه الحقيقة ليست جديدة بالنسبة للعلماء، ولكن شرحها بنحو وافٍ لم يكن ممكنًا.
حديثًا، وجّه باحثون جدد اهتمامًا أكثر نحو سبب اختلاف الغيوم بين نصفي الكرة الأرضية، وخاصةً إلى الدور الذي تلعبه التيارات الصاعدة (تصاعد الهواء الدافئ في السماء)، التي تعد سبب عمليّة التكاثف وتشكل الغيوم.
استخدمت الدراسة بيانات -مخزنة في أجهزة الرادار والليدر- رُصدت مدّة ثلاث سنوات في مدن عديدة: لايبزيغ في ألمانيا، وليماسول في قبرص، وبونتا أريناس في تشيلي.
أطول مجموعة بيانات رُصدت كانت في المنطقة الأخيرة، وذلك جزء من DACAPO-PESO (السحب والهطولات المطرية والضباب والحركات الجوية في البيئة الصافية للمحيط في نصف الكرة الجنوبي).
ما يجعل المنطقة نقيّة جدًا -وهذا يشمل نصف الكرة الجنوبي كاملًا- أن نسبة ماء المحيط أكبر من نسبة اليابسة في نصف الكرة الجنوبي، وهذا يفسر نقاء الهواء، وانخفاض عدد جزيئات الضباب التي تتجمّد حولها قطرات المطر، وتألق الغيوم أكثر.
يقول عالم الأرصاد باتريك سيفرت التابع لمعهد لايبنيز لأبحاث التروبوسفير (TROPOS) في ألمانيا: «تتجمد الغيوم عند درجة حرارة أقل في خطوط العرض الوسطى من نصف الكرة الجنوبي، وتحتوي على مياه أكثر عند درجات الحرارة نفسها».
وأضاف: «هذا يعني أنها تؤثر في أشعة الشمس الساقطة على الأرض، كما أن الانبعاثات الحرارية التي تصدر عن سطح الأرض في النصف الجنوبي ستكون مختلفة عن تلك التي تصدر عن سطح الأرض في نصف الكرة الشمالي».
تُبيّن الدّراسة أن الفرق يكون أكثر وضوحًا في طبقة التروبوسفير الحرة؛ يتجمّع الهواء في المناطق المرتفعة حيث نسبة التلوث تكون منخفضة، والحرارة بين -2٤ درجة مئوية و -8 درجات مئوية (-11.2 درجة فهرنهايت و 17.6 درجة فهرنهايت)، تجمّدت السحب فوق منطقة بونتا أريناس بمعدل من 10٪ إلى 40٪ أقل من تجمد السحب فوق منطقة لايبزيغ.
هذه المعلومات تتطابق مع البحث السابق، ولكن الفريق أتى باكتشاف جديد، أُطلق عليه أمواج الجاذبية (تيارات صاعدة من الهواء تتشكّل نتيجة اصطدام الرّياح الغربيّة القادمة من المحيط الهادئ مع جبال الأنديز)، ويُعد هذا عاملًا مهمًا، إضافةً إلى تلوث الغلاف الجوي، وخصوصًا عندما يكون الهواء باردًا.
ويقول عالم الأرصاد مارتن رادينز التابع لمعهد الأرصاد TROPOS: «استنادًا إلى قياس الرياح الصاعدة والهابطة داخل السحب، سنكون قادرين على تحديد السحب التي تأثرت بهذه الأمواج واستبعادها من الإحصائيات الشاملة».
وأضاف: «وبناءً عليه نستطيع القول إن ما يُسبب زيادة قطرات السحب عند حرارة أقل من -25 درجة مئوية، أي -13 درجة فهرنهايت، هو أمواج الجاذبيّة وليس النقص في جزيئات الثلج».
والسؤال هنا: هل أمواج الجاذبيّة تحدث حصرًا في اليابسة في تشيلي، أم أن لها تأثيرًا في نطاق المحيط المفتوح كله؟ سيُطلب إجراء قياسات أبعد لتحديد كميّة الماء السائل في الغيوم، الذي سيخرج على شكل تيارات صاعدة، وكميّة الماء السائل الذي سيخرج على شكل بلورات ثلجيّة.
يقول الباحثون: «هذه الاختلافات مثيرة للاهتمام بحد ذاتها، ولكن المشكلة هنا تكمن في أن نماذج المناخ العالمي غير دقيقة عندما يتعلّق الموضوع بتمثيل التوازن الإشعاعي في نصف الكرة الجنوبي».
لتحقيق فائدة أكبر، يجب أن تشمل النماذج المناخية المعقّدة الاختلافات الإقليمية، سواءً في مناطق حديثة مثل لايبزيغ، أو مناطق هواؤها نقي جدًا مثل بونتا أريناس، أو مناطق يكون التّلوث فيها بعضه من صنع البشر وبعضه الآخر غبار صحراوي طبيعي مثل ليماسول.
صرّح الباحثون إن جزءًا من الاكتشاف يرجع إلى الصدفة، وإن أنظمة المراقبة الخاصة بهم بقيت لعامين في مكانها بسبب قيود السفر التي فُرضت بسبب الوباء، ما مكنهم من دراسة تأثير عوامل أخرى، مثل: دخان حرائق الغابات القادم من أستراليا خلال عامي 2019 و2020.
يقول عالم الغلاف الجوي بوريس بارغا من جامعة ماجالانيس في تشيلي (UMAG): «من قبل DACAPO-PESO استطعنا ملء فجوة في القياسات كانت موجودة في نصف الكرة الجنوبي»، وأضاف: «تستطيع هذه البيانات المتوفرة مجانًا المساعدة على تطوير نماذج المناخ الحالية».
اقرأ أيضًا:
إذا زرع كل شخص شجرة كل عام، ما سيكون تأثير ذلك على المناخ بعد 20 سنة؟
ترجمة: رهف إبراهيم
تدقيق: عبد المنعم الحسين
مراجعة: حسين جرود