«لا يريد أحد البقاء وحيدًا» عبارة من أغنية بوب مشهورة تنطبق على البشر في كل مكان. تعني «الوحدة المزمنة» الشعور بالوحدة الذي يرافق المرء فترة طويلة من الزمن، ومع أن الوحدة والوحدة المزمنة لا تعدان من اضطرابات الصحة النفسية، فهما تؤثران في صحة الفرد الجسدية والنفسية.
تمثل الوحدة المشاعر السلبية التي يشعر بها المرء عندما لا يشبع حاجته إلى التواصل الاجتماعي. وهذا يختلف بلا شك عن رغبتنا في قضاء بعض الوقت بمفردنا لأن ذلك يساعدنا على الاسترخاء ويشحن طاقتنا، لكن تتفاوت حاجة الناس إلى البقاء بمفردهم، فقد تحتاج إلى وقت أكثر من الآخرين لتشعر بالتحسن.
إذن فالاستمتاع بالبقاء وحيدًا يختلف عن الشعور بالوحدة، فعندما تستمتع بوحدتك لا تشعر بالعزلة ولا تبحث عن التواصل مع الآخرين. فالشعور بالوحدة والعزلة مرتبطان ببعضهما وكلاهما يؤثر سلبًا في الصحة النفسية والرفاه الذاتي.
لماذا يشعر الناس بالوحدة؟
يشعر الناس بالوحدة لأسباب عديدة منها:
- تغيير مكان الدراسة أو العمل.
- العمل من المنزل.
- الانتقال إلى مدينة جديدة.
- الانفصال أو الخروج من علاقة عاطفية.
- أن يسكن المرء وحيدًا للمرة الأولى.
تزول مشاعر الوحدة تدريجيًا مع تعودك الظروف الجديدة لكنها قد تطول أحيانًا، ولا يكون من السهل دومًا التحدث مع الآخرين عن شعورك بالوحدة، وقد يزيد هذا من وحدتك.
يزداد شعور المرء بالوحدة عند غياب علاقاته الحقيقية والعميقة مع الآخرين أو قلتها، فقد تصاب بالوحدة رغم نشاطاتك الاجتماعية التي تملأ وقتك ورغم امتلاكك لشبكة واسعة من العلاقات والصداقات السطحية، لأنك لا تشعر بالتقارب مع أحد من أصدقائك.
يزيد قضاء الوقت مع العائلات أو الأزواج أحيانًا من شعور المرء الوحدة إذا كان غير مرتبط، وقد يحدث هذا رغم تصالحه مع عزوبيته.
يزداد احتمال الإصابة بالوحدة بين الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية أو جسدية، إذ قد تجبرنا ظروفنا الصحية على عزل أنفسنا ويصعب أحيانًا شرح ما نشعر به للآخرين. وتصبح النشاطات الاجتماعية مرهقة بسبب ما تتطلبه من طاقة جسدية أو نفسية تدفعنا في بعض الأوقات إلى الاعتذار عن معظمها، ويسبب كل هذا نقصًا مستمرًا في التواصل الاجتماعي يفاقم شعورنا بالوحدة.
أعراض الإصابة بالوحدة:
عندما تكون مصابًا بالوحدة، فإنك تشعر بالحزن أو الخواء أو افتقاد أمر مهم، تشمل أعراض الوحدة المزمنة ما يأتي:
- انخفاض في الطاقة.
- الشعور بالتشويش أو بعدم القدرة على التركيز.
- الأرق أو النوم المتقطع أو اضطرابات النوم الأخرى.
- فقدان الشهية.
- التشكيك بالنفس، واليأس وتدني تقدير الذات.
- المرض المستمر، والآلام والأوجاع الجسدية.
- مشاعر من القلق والهلع والاضطراب.
- زيادة في التسوق والشراء.
- تعاطي الكحول أو المخدرات.
- ازدياد الرغبة في الانغماس في مشاهدة الأفلام والمسلسلات.
- التوق إلى الدفء الجسدي مثل تناول المشروبات الساخنة والاستحمام وارتداء الملابس الدافئة.
تشخيص الوحدة:
قد لا تكون الوحدة أو حتى الوحدة المزمنة من ضمن الحالات النفسية المُشَخَّصة، لكن تزداد ملاحظة الخبراء للطرق التي تؤثر فيها الوحدة في الصحة النفسية والجسدية. قد يساعدك التحدث إلى مختص في الصحة النفس إذا شعرت بالوحدة، أو عانيت أعراضًا غير مفسرة للوحدة كالأعراض المذكورة آنفًا، فيكشف لك المعالج السبب وراء هذه الأعراض. وحتى لو لم تكن الوحدة تشخيصًا مُعتَمدًا، فسيساعدك العلاج على الحصول على الدعم، وقد يعطيك المعالج بعض النصائح للتكيف مع تأثيرات الوحدة، ويرشدك إلى استكشاف طرق لإحداث تغييرات إيجابية.
مضاعفات الوحدة:
يرى عدد متزايد من الخبراء أن للوحدة والعزلة تأثيرات بعيدة المدى على الصحة سواء عانيت إحداهما أم عانيتهما معًا، إليك نظرة على نتائج بعض الأبحاث الحديثة:
* الأمراض المزمنة:
وجدت مراجعة بحثية شملت 40 دراسة عن العزلة الاجتماعية والوحدة سنة 2017، دليلًا يربط هاتين الحالتين مع ارتفاع خطر حدوث الموت المبكر، والاضطرابات القلبية الوعائية، وتدني الصحة النفسية. وبحثت دراسة أخرى أُجريت سنة 2017 في نتائج استفتاء الصحة السويسري لسنة 2012 ووجدت دليلًا يربط الوحدة بارتفاع خطر الإصابة بكل مما يأتي:
- الأمراض المزمنة.
- ارتفاع الكوليسترول والسكري.
- الاضطرابات العاطفية.
- داء السكري.
- الاكتئاب.
* نوعية النوم وجودته:
تناولت دراسة أُجريَت سنة 2017 أكثر من ألفي توأم، واقترحت أن جودة النوم تنخفض لدى الشباب الصغار المصابين بالوحدة، ووجدت دليلًا على أن التعرض للعنف قد يفاقم الشعور بالوحدة. أيَّدت ذلك دراسة أجريت سنة 2010 تناولت 215 بالغًا، إذ اكتشفت الرابط بين الوحدة وانخفاض جودة النوم، وتجاوزت ذلك لتقترح أن انخفاض جودة النوم قد يسبب صعوبة في الحياة والعمل في أثناء اليوم. ووفقًا لدراسة أجريت سنة 2018 تناولت 639 فإن كلًا من الوحدة والعزلة الاجتماعية قد يؤثر في نوعية النوم وجودته.
* الاكتئاب:
بحثت دراسة سنة 2016 في الرابط بين الوحدة والعزلة الاجتماعية عند 1116 توأمًا، فوجدت دليلًا على إصابة الأشخاص الوحيدين بالاكتئاب. وفي مراجعة بحثية سنة 2018 شملت 88 دراسة بحثت في الوحدة والاكتئاب، كان للوحدة تأثير بالغ لا يستهان به في خطر الإصابة بالاكتئاب.
* التوتر:
بحثت دراسة أجريت سنة 2017 في 8382 حالة من البالغين بعمر 65 سنة فما فوق، واقترحت أن الوحدة والاكتئاب يزيدان من خطر التدهور المعرفي.
العلاج:
مع أن الوحدة ليست حالة نفسية مُشَخصة فما زال بإمكانك الحصول على المساعدة لمواجهتها، يعتمد إيجاد الطريقة المُثلى لتعريف الوحدة غالبًا على المسبب، فعلى سبيل المثال:
- ربما تعاني مشكلة في التعرف على الناس سواء كانوا أصدقاء جدد أم شركاء عاطفيين محتملين.
- انتقلت حديثًا إلى مدينة جديدة وتشتاق إلى مزاراتك القديمة.
- تمتلك العديد من العلاقات العابرة، ولا تعد أيًا منها عميقًا أو ذا معنى.
- ينتابك الشك في نفسك وتعاني تدنيًا في تقدير الذات وقلقًا اجتماعيًا يعوقك من تكوين علاقات مع الآخرين.
نصائح حياتية:
قد تساعدك بعض التغييرات على أسلوب حياتك في التقليل من شعورك بالوحدة، ومن النصائح التي ستساعدك على زيادة التفاعل مع الآخرين:
- ابق على تواصل مع أحبائك: إذا انتقلت للتو، فحاول محادثة أصدقائك وعائلتك أسبوعيًا، تسمح لك تطبيقات مثل سكايب وسناب شات ومسنجر بإرسال المقاطع والتواصل بالفيديو، حتى لو لم يكن مثل التواصل وجهًا لوجه فهو يذكرك بوجود أحبائك في حياتك.
- تطوع أو شارك في الفعاليات المجتمعية: جد بعض النشطات في المجالات التي تثير اهتمامك وانخرط فيها، مثل المساعدة على بيع الكتب في المكتبة المحلية، أو تخصيص عطلة نهاية الأسبوع شهريًا للتطوع في ملجأ الحيوانات المحلي، أو المساعدة على تنظيف الفضلات.
- جرب هواية جديدة: إذا كنت تشعر بالوحدة وتملك الكثير من وقت الفراغ ففكر في الأمور التي لطالما أردت تجربتها، مثل الرقص أو أعمال النجارة أو الرسم أو العزف على الجيتار. تساعدك تطبيقات مثل فيسبوك وMeetApp على العثور على فعاليات اجتماعية في مجتمعك ولقاء أشخاص تتشارك معهم اهتماماتك.
- اخرج من المنزل: للتكنولوجيا فوائد عديدة، فقد تستمتع برفاهية طلب الطعام الجاهز الذي يصل إلى باب منزلك، أو بمشاهدة الأفلام على الإنترنت، لكنَّ ذلك قد يضيع عليك الكثير من النشاطات التي تحدث حولك. جرب قضاء أمسية في المسرح، أو التنزه مساء إلى السوبر ماركت لتشتري ما يلزمك لتحضير وجبة العشاء، جرب إلقاء التحية والتعرف على ناس جدد في كل مرة تخرج فيها.
- تبنَّ حيوانًا أليفًا: قد يساعدك وجود كائن حي ترجع إليه في البيت كل مساء على إضفاء حس من الامتلاء على حياتك، وهذا يزيد من شعورك بالارتباط مع العالم من حولك. تشير كثير من الأبحاث إلى الفوائد العديدة للحيوانات الأليفة على الصحة النفسية، ومن ضمنها تخفيف الشعور بالوحدة. بالإضافة إلى أن المشي في الشارع مع كلب أو قطة يزيد من فرصك بالتعرف إلى أشخاص جدد.
الوقاية من الوحدة:
قد تقيك النصائح التالية من الشعور بالوحدة:
- تصالح مع فكرة البقاء وحيدًا: لا يعني هذا أن تبقى وحيدًا طوال الوقت، فمن المهم أن تحافظ على حد أدنى من التواصل مع الآخرين، ولكن إن كنت تستمتع بالوقت الذي تقضيه مع نفسك فستنظر له على الأرجح نظرة إيجابية حتى لو لم تكن الوحدة خيارك الأول.
- مارس نشاطات مُرضية ومجزية: قد ترتاح بالاسترخاء على الأريكة ومشاهدة مسلسلك المفضل، فللمحتوى الفكاهي خاصة تأثير إيجابي، لكن احرص على ممارسة مجموعة واسعة من النشاطات في النواحي الجسدية والفكرية، فقد يحمل الاستماع إلى الموسيقى أو قراءة كتاب تأثيرًا إيجابيًا في وحدتك.
- خصص وقتًا للتمارين الرياضية: للرياضة تأثير إيجابي في الصحة النفسية، حتى لو لم تؤثر مباشرة في شعورك بالوحدة فإنها تحسن مزاجك عامة وتزيد من شعورك بأنك على ما يرام، وهذا ما يحميك من الوحدة.
- استمتع بالخروج في نزهة: قد يساعد ضوء الشمس على زيادة السيروتونين في جسمك، الذي يحسن مزاجك. تقترح الأبحاث أن قضاء الوقت في الطبيعة يخفف مشاعر الاكتئاب والقلق والتوتر.
متى يجب عليك استشارة الطبيب؟
قد تكون استشارة مختص بالصحة النفسية فكرة جيدة إذا طال شعورك بالوحدة، ضع فكرة الحصول على المساعدة بعين الاعتبار في حال:
- أثرت مشاعر الوحدة سلبًا في حياتك اليومية، أو صعَّبت عليك أداء الأمور التي تود إنجازها.
- عانيت مزاجًا منخفضًا أو اكتئابًا.
- عدم تراجع الأعراض الجسدية أو تفاقمها أو تأثيرها في حياتك اليومية.
- راودتك أفكار انتحارية.
يمكنك الاتصال بالمختصين، أو التواصل مع أحد أفراد أسرتك، أو الاتصال بغرفة الطوارئ المحلية.
اقرأ أيضًا:
الوحدة قاتل صامت، إليك ما يمكن فعله للهرب منها
على النساء الحذر من ارتفاع ضغط الدم الناجم عن العزلة الاجتماعية
ترجمة: سوار قوجه
تدقيق: راما الهريسي
مراجعة: وئام سليمان