المعضلة ثلاثية الحلول هي مصطلح يُستخدم في نظريات اتخاذ القرار الاقتصادية، تقدم هذه المعضلة ثلاثة حلول متساوية لمشكلة اقتصادية معقدة بخلاف المعضلة ثنائية الحلول، وتنشأ عندما تتخذ البلدان قرارات أساسيةً بشأن إدارة اتفاقيات السياسة النقدية الدولية، فتلجأ إلى اختيار واحد من ثلاثة خيارات متضاربة التنفيذ غالبًا، فلا يمكن تطبيقها في الوقت نفسه، وبذلك لا يتحقق إلا خيار واحد فقط في وقت معين.
ترادف المعضلة ثلاثية الحلول غالبًا «الثالوث المستحيل»، الذي يكشف عن عدم الاستقرار في استخدام أحد الخيارات الأساسية الثلاثة المتاحة لبلد ما عند إنشاء اتفاقيات السياسة النقدية الدولية ومراقبتها.
يصور النموذج الاقتصادي الذي طرحه روبرت ماندل وماركوس فليمنج العلاقة قصيرة الأمد بين سعر الصرف الاسمي ومعدّل الفائدة والناتج. يشير نموذج «ماندل-فليمنج» إلى عجز الاقتصاد عن الحفاظ على سعر صرف ثابت وحرية حركة رأس المال وسياسة نقدية مستقلة في الوقت ذاته.
يشير نموذج ماندل-فليمنج إلى ثلاثة خيارات ممكنة، تختار البلدان أحدها عندما تتخذ قرارات أساسيةً بشأن إدارة السياسة النقدية الدولية. تشمل هذه الخيارات وفقًا للنموذج:
- تحديد سعر صرف ثابت للعملة.
- السماح لرؤوس الأموال بالتدفق بحرية من دون اتفاقية سعر صرف ثابت للعملة.
- السياسة النقدية المستقلة.
تتعارض الجوانب الفنية لكل خيار بسبب تضارب تنفيذ كل الاختيارات في آن واحد، وعلى ذلك فإن جانبًا واحدًا فقط من تلك الثلاثية يمكن تنفيذه في وقت معين.
الجانب أ: يستطيع أي بلد اختيار تثبيت أسعار الصرف مع دولة واحدة أو أكثر، والحصول على تدفق حر لرأس المال مع الآخرين. باختيار هذا السيناريو، لا يمكن تحقيق السياسة النقدية المستقلة لأن تقلبات أسعار الفائدة تخلق ضغطًا على العملة وقد تسبب انهيارها.
الجانب ب: يستطيع البلد اختيار امتلاك تدفق حر لرأس المال بين جميع الدول الأجنبية إضافةً إلى امتلاكه سياسةً نقديةً مستقلة. ولكن أسعار الصرف الثابتة في جميع الدول والتدفق الحر لرأس المال أمران متنافيان. نتيجةً لذلك يجب اختيار أحدهما فقط في كل مرة. ففي حال التدفق الحر لرأس المال في جميع الدول، يتعذر ثبات أسعار الصرف.
الجانب ج: إذا اختار بلد ما أسعار صرف ثابتة وسياسةً نقديةً مستقلة، فلن يمتلك تدفقًا حرًا لرأس المال، لأن أسعار الصرف الثابتة والتدفق الحر لرأس المال أمران متنافيان.
الاعتبارات الحكومية لدى أغلب الدول
يكمن التحدي الذي يواجه السياسة النقدية الدولية لحكومة ما عند اختيار أحد هذه الخيارات في كيفية إدارتها جيدًا، إذ تفضل معظم الدول عمومًا الجانب ب من المثلث الذي يتيح التمتع بحرية السياسة النقدية المستقلة ويسمح للسياسة بأن تساعد على توجيه تدفق رأس المال.
الإسهامات الأكاديمية
غالبًا ما تُنسب نظرية ثلاثية السياسة إلى الاقتصاديين روبرت ماندل وماركوس فليمنج، اللذين وصفا العلاقات بين أسعار الصرف وتدفقات رأس المال والسياسة النقدية في الستينيات وصفًا مستقلًا كما أشرنا سابقًا. وقد قدم موريس أوبستفيلد -الذي أصبح كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي عام 2015- النموذج المطوَّر بوصفه «ثلاثيةً» في ورقة بحثية عام 1997.
لا ترى الخبيرة الاقتصادية الفرنسية هيلين راي أن المعضلة الثلاثية بسيطة كما تبدو، بل تعتقد أن غالبية البلدان تواجه خيارين فقط، إذ لا يعد ربط العملات بسعر صرف ثابت فعالًا في العادة، ما يؤدي إلى التركيز على العلاقة بين السياسة النقدية المستقلة والتدفق الحر لرأس المال.
أمثلة واقعية
يوجد مثال واقعي لحل هذه المعضلات في منطقة اليورو، حيث البلدان مترابطة ترابطًا وثيقًا نتيجةً لتشكيل منطقة اليورو واستخدام عملة واحدة، إذ نجد هنا أن البلاد الأوروبية اختارت في النهاية الجانب أ من المثلث، الذي يمثل الحفاظ على عملة واحدة مقترنةً بتدفق حر لرأس المال.
بعد الحرب العالمية الثانية، اختار الأثرياء الجانب ج بموجب اتفاقية «بريتون وودز» التي ربطت العملات بالدولار الأمريكي، لكنها سمحت للدول بتحديد أسعار الفائدة الخاصة بها. وهكذا كانت تدفقات رأس المال عبر الحدود صغيرةً جدًا، واستمر هذا النظام مدة عقدين باستثناء كندا، موطن ماندل الأصلي، فقد اكتسب نظرةً خاصةً للضغوط المتأصلة في نظام بريتون وودز.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: عمرو سيف
تدقيق: راما الهريسي