قد يشعر بعض الأشخاص بتحسن غامض في حالتهم الصحية بعد تناولهم دواءً مزيفًا لا يحتوي على مادة فعالة مثل أقراص السكر، ولكن ما الذي يسبب تأثير الدواء الوهمي بالتحديد؟
قد تعزى هذه الظاهرة إلى عوامل سايكولوجية وتغيرات فيزيولوجية تحدث في الدماغ والجهاز العصبي عندما يتناول شخص ما دواءً وهميًا؛ بيد أن هناك عوامل أخرى تساهم في هذا التأثير إلى جانب الدماغ، إذ قد يلاحظ بعض الأشخاص تحسنًا في أعراضهم بصرف النظر عن تناولهم علاجًا حقيقيًا أو دواءً وهميًا، ثم يفترضون ببساطة أن هذا التحسن ناجم عن العلاج.
لكن ينبغي علينا أولًا تعريف الدواء الوهمي تعريفًا صحيحًا كي نفهم تأثيره. يقول الطبيب كريستوفر لابوس من مركز مكغيل للعلوم والمجتمع: «في معظم الأحيان يسيء بعض الناس فهم مصطلح الدّواء الوهمي ويظنون أنه دواء مزيف يصفه الطبيب لمريضه عن عمد بهدف خداعه بالشعور أن صحته في تحسن، لكن لا يمكن أن يتعمد الأطباء وصف دواء يعلمون أنه لا يعمل».
ما يقصده الباحثون عند استخدامهم مصطلح الدواء الوهمي هو في الواقع علاج غير فعال يُستخدَم في التجارب السريرية البشرية بصفته نقطةً للمقارنة في بعض الدراسات مثل دراسات الحالات والشواهد.
يقول لابوس: «يعلم الأشخاص المشاركون في تلك التجارب أن احتمالية حصولهم على الدواء الوهمي تبلغ 50%، أي أن الباحثين لا يخدعونهم في التجربة، والأدوية الوهمية مهمة، إذ لن يكون في مقدور العلماء التفريق بين فوائد الدواء الخاضع للتجربة والتغيرات الطبيعية التي تحدث في حدة المرض لولا الدواء الوهمي».
«نستخدم مصطلح تأثير الدواء الوهمي لوصف مجموعة متنوعة من الظواهر، ومن ضمنها ظاهرة سايكولوجية تسمى تأثير هاثورن، الذي يصف بدوره ظاهرةً يشعر فيها الأشخاص بتحسن بعد حصولهم على مساعدة طبية أو مشاركتهم في تجربة سريرية بصرف النظر عن العلاج الذي يتلقونه».
«تبين الدراسات أيضًا أن تأثير الدّواء الوهمي يعتمد على مدى لطف وكفاءة الأطباء في نظر المشاركين، إذ قد يتغير سلوك الأشخاص بعد تناولهم دواءً وهميًا إذا توقعوا حدوث تحسن في أعراضهم».
«فضلًا عن ذلك، يعتمد تأثير الدواء الوهمي في الأشخاص على تجاربهم السابقة والإشارات الاجتماعية، فمثلًا، إذا علم أحد المشاركين في تجربة ما أنه سيتلقى علاجًا فعليًا وليس دواءً وهميًا، فقد يتحمل الألم بدرجة أكبر؛ إذ قد يتعلم من تجاربه السابقة أن العلاج جدير بأن يحسن حالته، ما يؤثر في إدراكه الحالي للدواء».
تقول باحثة الأدوية الوهمية كاثرين هال من جامعة هارفرد: «تغير الإشارات الاجتماعية إدراكنا للألم، لكن لا بد من وجود عملية فيزيولوجية معينة وراء هذا التغير. أظن أن تناول الدواء الوهمي يسبب تحولًا ما في الجهاز العصبي، وبذلك يؤدي إلى تغيرات في استجابة الخلايا العصبية والدماغية إلى المحفزات».
شددت هال على الأدلة التي تظهر أن الدماغ يغير إدراك الألم لدى الأشخاص إما بأن يجعلها أكثر حدة أو يخففها، وفقًا للسياق الذي يثار فيه الألم. على سبيل المثال، قد يصبح الشعور بالألم لدى بعض الأشخاص أقل حدة عند استخدامهم مرهمًا يظنون أنه يحتوي على المخدر الموضعي ليدوكائين مقارنةً باستخدامهم الفازلين بمعرفة مسبقة.
اكتشف الباحثون أن قشرة الفص الجبهي التي تعد مركز معالجة المعلومات في الدماغ، تتخذ نهجًا تنازليًا لتعديل الشعور بالألم لدى الأشخاص عندما يخضعون لتأثير الدواء الوهمي. قد ترفع قشرة الفص الجبهي عتبة الشعور بالألم في الجسم، ومن ثم تساهم في تخفيف الألم الذي يتوقعه بعض المشاركين بعد تلقيهم الدواء.
درست هال دور الجينات في إمكانية حدوث تأثير الدواء الوهمي لدى الناس، واهتمت تحديدًا بدراسة الجينات المتعلقة بالتحكم في نشاط المسارات العصبية.
في هذا الصدد، حدد فريقها البحثي إنزيمًا يعزز تأثير الدّواء الوهمي عندما يحمل طفرة، وهو يسمى ناقلة ميثيل-O الكاتيكول (COMT). يؤدي هذا الأنزيم دورًا في إزالة الناقل الكيميائي دوبامين من الفجوات بين الخلايا العصبية، لكن قد تقل كفاءته في إزالة الدوبامين لدى بعض الأشخاص، وفي هذه الحالة تزيد استجابتهم للدواء الوهمي مقارنةً بنظرائهم؛ ما يشير بدوره إلى أن إشارات الدوبامين قد تعزز تأثير الدواء الوهمي.
قد تساهم عوامل أخرى أيضًا في تأثير الدواء الوهمي. مثلًا، تتراجع بعض الأمراض طبيعيًا مع مرور الزمن، وقد يُعزى هذا التحسن بالخطأ إلى تأثير الدواء الوهمي أو الفعلي في الجسم.
قالت هال: «إضافةً إلى ذلك، قد يؤدي الانحياز للمقبول اجتماعيًا إلى تحريف نتائج التجارب السريرية، إذ عندما نعطي المرضى استبيانات، يميلون إلى اختيار الإجابات التي يظنون أنها المفضلة في نظرنا؛ لذا قد يقلل المشاركون الذين يتناولون دواءً وهميًا من حدة أعراضهم دون إدراكهم كي يتجنبوا إحباط فريق البحث».
ما زالت الأدلة على وجود تغيرات فيزيولوجية مسؤولة عن تأثير الدّواء الوهمي في زيادة، وتخطط هال دراسة عوامل وراثية إضافية متعلقة بهذا التأثير. قد تساعد هذه الجينات العلماء على معرفة الآلية الكامنة وراء تأثير الدّواء الوهمي الغامض في الجسم.
اقرأ أيضًا:
ما حقيقة تأثير الدواء الوهمي على الجسم والعقل وفقًا للأبحاث؟
دراسة توضح: للدواء الوهمي تأثيرات مخدرة على البعض!
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: جعفر الجزيري