من مقاطعة الحافلات إلى مظاهرات الحرية والمسيرات من أجل السكن العادل، إليكم سبعة أحداث أدت إلى التغيير.
في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، نشأت حركة الحقوق المدنية الحديثة نتيجة لرغبة الأميركيين من أصل أفريقي في تحقيق المساواة والحرية من التمييز، الأمر الذي ظل بعيد المنال بالنسبة إليهم بعد ما يقرب من قرن من إلغاء العبودية في الولايات المتحدة.
لمواجهة الفصل العنصري واسع النطاق والحرمان من الحقوق والعنف الذي يواجهه السود يوميًا، استخدم النشطاء أنواعًا مختلفة من الاحتجاج السلمي والعصيان المدني لكسب تعاطف الرأي العام مع قضيتهم وإحداث تغيير تشريعي مهم.
1. وصول تسعة طلاب سود إلى المدرسة الثانوية المركزية في ليتل روك:
مع أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة حظرت الفصل العنصري في المدارس في قضية براون ضد مجلس التعليم (1954)، فإن المسؤولين على مستوى الولايات والمحليات في عدد من الولايات الجنوبية واصلوا منع دمج المدارس في مناطقهم.
عام 1957، قررت الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين تحدي هذه السياسات، فجندت تسعة طلاب سود وافقوا على التسجيل في مدرسة سنترال الثانوية في ليتل روك، أركنساس.
عندما حضر الطلاب في اليوم الأول، واجهوا حشدًا غاضبًا من الطلاب البيض وغيرهم، إضافةً إلى 250 ضابطًا من الحرس الوطني أرسلهم الحاكم فاوبس لمنعهم من الدخول.
بعد مواجهة استمرت عدة أسابيع، أصدر الرئيس أيزنهاور أمرًا تنفيذيًا بوضع الحرس الوطني للولاية تحت السلطة الفيدرالية وأرسل قوات أمريكية لتطبيق أمر إلغاء الفصل العنصري الفيدرالي .
بصحبة أعضاء من الفرقة 101 المحمولة جوًا، تمكن «التسعة في ليتل روك» أخيرًا من دخول مدرسة سنترال الثانوية، رغم تعرضهم لاعتداءات جسدية ولفظية مستمرة في أثناء وجودهم هناك.
2. روزا باركس ترفض التنازل عن مقعدها:
كان الناشطون السود في مونتغمري بولاية ألاباما قد تحدوا الفصل العنصري في الحافلات في المدينة من قبل، لكن حدث شيء مختلف في الأول من ديسمبر 1955، عندما رفضت الخياطة وسكرتيرة فرع (NAACP) المحلي روزا باركس التنازل عن مقعدها في الحافلة لراكب أبيض، وردًا على اعتقال باركس، قادت جمعية تحسين مونتغمري ورئيسها الشاب مارتن لوثر كينج مع نحو 90٪ من سكان المدينة السود حملة لمقاطعة حافلات المدينة.
رغم محاولات مسؤولي المدينة والمواطنين البيض إحباطهم، ظل المقاطعون ثابتين على موقفهم، فنظموا رحلات مشتركة بالسيارات، وساروا أميالًا إلى العمل كل يوم لمواصلة احتجاجهم.
في يونيو 1956، قضت محكمة جزئية اتحادية بأن الفصل العنصري في حافلات ولاية ألاباما غير دستوري. وأيدت المحكمة العليا الأمريكية القرار في نوفمبر.
في ديسمبر، دعا كينج إلى إنهاء مقاطعة الحافلات بعد 382 يومًا. وقال: «لقد توصلنا إلى إدراك أن المشي بكرامة أكثر شرفًا على المدى البعيد من الركوب في ذل».
3. أربعة من جرينسبورو يجلسون في مطعم وولورث لتناول الغداء:
بدأت لحظة رئيسية أخرى في حركة الحقوق المدنية في الأول من فبراير عام 1960، عندما جلس أربعة طلاب سود في الكلية الزراعية والتقنية في ولاية كارولينا الشمالية، في مطعم «للبيض فقط» داخل متجر وولوورث في جرينسبورو بولاية كارولينا الشمالية، ورفضوا المغادرة عندما رُفضت خدمتهم.
ظلوا جالسين حتى وقت الإغلاق، وفي اليوم التالي عادوا مع 20 آخرين من الطلبة السود، وانضم إليهم مئات بحلول نهاية الأسبوع.
بفضل التغطية الإعلامية، انتشرت الكلمة بسرعة حول الأحداث التي أثارتها مجموعة «جرينسبورو الأربعة»، ما أشعل حركة اعتصامات أوسع في المدن في مختلف أنحاء البلاد نظمتها لجنة تنسيق الطلاب السلمية.
نتيجة لهذه المقاومة المنسقة، اضطرت مؤسسات الطعام في جميع أنحاء الجنوب للاندماج.
4. فرسان الحرية يسافرون جنوبًا:
بعد أن حظرت المحكمة العليا الأمريكية الفصل العنصري في السفر بالحافلات بين الولايات في عام 1946، اختبر نشطاء من مؤتمر المساواة العرقية وزمالة المصالحة الحكم برحلة حافلة مختلطة الأعراق عبر الجنوب أطلقوا عليها رحلة المصالحة.
عام 1960، عندما وسعت المحكمة الحظر ليشمل محطات الحافلات والمراحيض والمرافق الأخرى، قررت الحركة إحياء فكرة «رحلات الحرية»، لضمان قيام الولايات بتنفيذ الأحكام.
في 4 مايو 1961، ركب سبعة من النشطاء السود والبيض حافلتين متجهتين من واشنطن العاصمة إلى نيو أورليانز.
مع تعمقهم في الجنوب، واجه الركاب عنفًا متزايدًا، بلغ ذروته يوم 14 مايو، عندما التقى حشد من نحو مئة شخص بالحافلات لدى وصولها إلى أنيستون بولاية ألاباما. وأُلقيت قنابل حارقة على إحدى الحافلات، وتعرض الركاب للضرب على أيدي الحشد المتجمع، الذي ضم أعضاء من جماعة «كلان» الذين سمحت لهم السلطات المحلية بمهاجمة الركاب دون خوف من الاعتقال.
سرعان ما تولت مجموعة جديدة من فرسان الحرية هذه المهمة. ورغم اعتقال المئات من فرسان الحرية في مختلف أنحاء الجنوب، فإن التغطية الإعلامية لمعاملتهم من قِبَل السلطات المحلية والمواطنين حفزت الرأي العام لدعم قضيتهم.
5. مسيرة واشنطن تسلط الضوء على دعم الحقوق المدنية:
كان أ. فيليب راندولف، مؤسس جماعة حمالي عربات النوم، أول من دعا إلى مسيرة إلى واشنطن عام 1941 للمطالبة بتوفير فرص عمل للأمريكيين من أصل أفريقي في ظل اقتصاد الحرب المزدهر، وقد ألغيت الخطط بعد أن وافق الرئيس فرانكلين د. روزفلت على إصدار أمر تنفيذي يحظر التمييز من جانب الصناعات الدفاعية.
بعد مرور عقدين من الزمن، ومع تعثر مشروع قانون الحقوق المدنية الذي اقترحه الرئيس كينيدي في الكونجرس، انضم راندولف إلى مجموعة من الزعماء الذين دعوا إلى مسيرة لتسريع التقدم نحو المساواة العرقية والاقتصادية.
في 28 أغسطس 1963، خرج نحو 250 ألف شخص في مسيرة من نصب واشنطن التذكاري إلى نصب لينكولن التذكاري في واشنطن العاصمة، لإظهار الوحدة والدعم لمشروع قانون الحقوق المدنية.
إضافةً إلى الخطب التي ألقاها راندولف وغيره من الزعماء، استمتع الحضور بعروض قدمها أساطير الموسيقى ماهاليا جاكسون، وبوب ديلان، وجوان بايز.
كان كينج هو آخر المتكلمين، إذ ألقى خطابًا مدته 16 دقيقة أصبح أحد أشهر الخطب في التاريخ.
بعد المسيرة، التقى كينج ومنظمو المسيرة الآخرون مع كينيدي ونائب الرئيس جونسون في البيت الأبيض لمناقشة الحاجة إلى الدعم الحزبي لتشريعات الحقوق المدنية.
6. اعتداء الشرطة بالضرب على المتظاهرين في مدينة سيلما في «الأحد الدامي»:
مع أن قانون الحقوق المدنية لعام 1964 يحمي حقوق التصويت للأميركيين من أصل أفريقي، فإن الجهود المبذولة لتسجيل الناخبين السود في الولايات الجنوبية استمرت في مواجهة مقاومة شرسة بعد إقراره.
في أوائل عام 1965، قرر كينج وزعماء آخرون في مجال الحقوق المدنية شن حملة لحقوق التصويت تركزت في مدينة سيلما في ولاية ألاباما، حيث لم يتمكن سوى 2% من السكان السود من الحصول على حق التصويت.
وبعد أن أطلق أحد ضباط ولاية ألاباما النار على متظاهر شاب يدعى جيمي لي جاكسون، ما أدى إلى وفاته، خطط زعماء الحقوق المدنية لتنظيم مسيرة احتجاجية من سيلما إلى عاصمة الولاية مونتغمري، على بعد 54 ميلًا.
في 7 مارس، هاجمت قوات ولاية ألاباما، التي كانت تحمل الهراوات والغاز المسيل للدموع وأسلحة أخرى، مجموعة من نحو 600 متظاهر في أثناء عبورهم جسر إدموند بيتيس، ما أدى إلى صدهم والعودة إلى سيلما.
مع بث صور «الأحد الدامي» في جميع أنحاء العالم، اكتسب المتظاهرون تعاطفًا شعبيًا واسع النطاق، ودعم الرئيس جونسون، الذي أمر بإنشاء الحرس الوطني في ألاباما لحماية المتظاهرين.
7. مارتن لوثر كينغ ينضم إلى مسيرات من أجل الإسكان العادل في شيكاغو:
بحلول منتصف ستينيات القرن العشرين، ورغم قرارات المحكمة العليا التي تحظر استبعاد الأمريكيين من أصل أفريقي من مناطق معينة من المدن، ظل التمييز العنصري في تأجير وبيع المساكن منتشرًا على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد.
وبإدراكه أن الافتقار إلى السكن العادل كان عنصرًا حاسمًا في الظلم العنصري في الولايات المتحدة، تولى كينج دورًا قياديًا في حركة الحرية في شيكاغو، وهي حملة من المسيرات والمظاهرات التي دعت إلى الإسكان غير المقيد في المدينة بدأت عام 1965.
في أغسطس 1966، حققت الحركة انتصارين مهمين، عندما وافقت هيئة الإسكان في شيكاغو على بناء مساكن عامة في المناطق ذات الأغلبية البيضاء، وتعهدت جمعية المصرفيين العقاريين بإنهاء ممارسات الإقراض التمييزية.
في الرابع من إبريل عام 1968، ومع تعثر مشروع قانون الإسكان العادل الفيدرالي المقترح في الكونجرس، اغتيل كينج في ممفيس.
وبعد أسبوع واحد فقط، أقر الكونجرس قانون الإسكان العادل تكريمًا لكينج، الذي أصبح الإنجاز التشريعي الرئيسي الأخير لحركة الحقوق المدنية.
اقرأ أيضًا:
زعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ الابن
العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية، لمحة تاريخية
ترجمة: علي صبح
تدقيق: جلال المصري