كابد معظمنا صداع الرأس يومًا ما، ولكن هل يستطيع المرء التعرف على أنواع الصداع التي يعاني منها؟ سواءً أكان يشعر بمثقبٍ يخترق جانب جبهته أم ضغط حاد فوق العين مباشرةً. يسهل تشخيص الصداع عالميًا أيًا كان سببه، ثمة أنواع عديدة للصداع -جميعها مؤلمة- لكن يرتبط كل منها بمحرضات وسمات مختلفة، ويعرض هذا المقال أنواع الصداع المختلفة وأسبابها وعلاجاتها الشائعة.
يقسم الإصدار الثالث من التصنيف العالمي لاضطرابات الصداع «ICHD3» -الذي نُشر عام 2018 في صحيفة سيفالاغيا- الصداع إلى ثلاثة أصناف رئيسية، وتشمل الصداع البدئي، والصداع الثانوي، واعتلال الأعصاب القحفي المؤلم، وآلام الوجه والرأس الأخرى، وتشمل قائمة التشخيصات أيضًا ملحقًا لاضطرابات الصداع الإضافية التي قد تضاف إلى دليل الأصناف الثلاثة الرئيسية مع زيادة البحث العلمي الداعم.
تقول الدكتورة نينا ريغنز، مديرة مركز إصابات الدماغ الرضية والصداع في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، لموقع (Live science) في رسالة إلكترونية: «ثمة بعض الأمثلة الرائعة عن أنواع الصداع التي يعترف بها بعض الأطباء، ولا يميزها أطباء آخرون في ملحق اضطرابات الصداع، يمكن إيجاد تصنيف فائق الدقة عن طريق هذا الملحق، مثل الصداع المتعلق بالسفر في الفضاء».
1- الصداعات البدئية:
سُميت بالصداعات البدئية لأن الصداع نفسه هو المشكلة الرئيسية، ما يعني أن آلام الرأس هذه لا تظهر بصفتها عرضًا لحالة طبية خفية كالعدوى أو الرض الفيزيائي، بحسب مركز ستانفورد للعناية الصحية (Stanford Health Care). بدلاً من ذلك، يحدث الصداع البدئي بسبب التهاب الأعصاب أو الأوعية الدموية أو العضلات في الرأس والعنق ما يسبب ألمًا. ووفقًا لتصنيف «ICHD3»، تشمل أنواع الصداع البدئي الثلاثة؛ الشقيقة، وأنواع الصداع التوتري، وصداع مثلث التوائم التلقائي، الذي يشمل الصداع العنقودي.
صداع الشقيقة:
تقول ريغنز: «في حالة الشقيقة من الضروري ملاحظة أن الشقيقة ليست مجرد صداع، إنها مرض عصبي وراثي، وبما أنها تصيب شبكات الدماغ المتعددة، فالأعراض عادة لا تقتصر على ألم الرأس فقط، مثلًا قد يعاني مرضى الشقيقة غثيانًا وإقياءً أو دوارًا وتعبًا عامًا ورهابًا للضوء أو الصوت مع بداية الصداع».
يفرّق تصنيف «ICHD3» أيضًا بين الشقيقة مع أنواع النسمة المختلفة أو دونها، إذ تعبر النسمة عن أعراض عصبية عابرة تحدث قبل نوبة الشقيقة وأحيانًا خلالها، قد تشمل النسمة هلوسات بصرية إذ يرى المريض أشكالًا هندسية براقة أو بقع أو ومضات وفقًا لعيادة مايو (Mayo Clinic)، وقد ترافق النسمة أيضًا أعراض فيزيائية كالتنميل والخدر أو الضعف، وقد تؤثر النسمة قليلًا على قدرة المريض على فهم الكلام أو قوله.
يعاني بعض مرضى الشقيقة حالة بادرية تحدث قبل ساعات أو أيام من نوبة الشقيقة أو في حالة بعد المرض تحدث بعد التعافي من الصداع وفقاً لتصنيف «ICHD3». ترتبط هذه الحالات غالبًا بزيادة أو نقصان المستويات الطبيعية للنشاط والاكتئاب والشهية للطعام والتثاؤب المتكرر والتعب وصلابة النقرة أو الألم. تدوم الشقيقة عادة من ساعتين حتى 72 ساعة وتسبب غالبًا ألمًا نابضًا في جانب واحد فقط من الرأس -ليس دائمًا- وفقًا لمركز ستانفورد للرعاية الصحية (Stanford Health Care).
الصداع التوتري (TTHs):
قد تحدث الشقيقة أحيانًا بالتزامن مع الصداع التوتري، الذي يعد نوعًا آخر من أنواع الصداعات البدئية، وقد يحرض أحد هذه الصداعات نوعًا آخر من الصداع، والعكس صحيح. تُسمى الصداعات التوترية أحيانًا صداع رباط البرنيطة لأنها تسبب ضغطًا مؤلمًا شادًا حول الصدغين والجبهة والجزء الخلفي من الرأس، وفقًا لمركز ستانفورد للعناية الصحية. يقسم تصنيف «ICHD3» الصداعات التوترية إلى صداع نوبي غير متكرر، وصداع نوبي متكرر، وصداع مزمن، بحسب مدتها وتكرارها.
صداع مثلث التوائم الذاتي TACs :
يشمل الصداعات العنقودية، التي تسبب ألمًا في جانب واحد من الرأس حول الصدغ والعين أو فوق العين مباشرة، وفقًا لتصنيف «ICHD3». وقد يدوم بين 15 دقيقة و3 ساعات، وقد تحدث في أي مكان من مرة حتى ثمان مرات يوميًا، وقد تظهر أعراض أخرى في أثناء نوبة الألم في الجهة نفسها من الوجه، إذ قد يعاني المريض انسداد الأنف أو تعرق الجبهة أو عين دامعة في الجانب المصاب بالصداع.
وفقًا لملاحظات الدليل، تحدث الهجمات بشكل هجمات تدوم أسابيع أو أشهر، «لذا تسمى نوبات أو وعكات عنقودية»، تفصل بينها فترات راحة تدوم عادة مدة أشهر أو سنوات.
يشمل صداع مثلث التوائم الذاتي أيضًا اضطرابات الصداع الأخرى كالصداع الشقي النوبي والصداع الشقي المستمر، التي تترافق أيضًا مع أعراض إضافية كالعين الدامعة والاحتقان الأنفي.
يصيب الصداع الشقي النوبي عادةً البالغين ويسبب ألمًا عميقًا ناخرًا ونابضًا في جانب واحد من الوجه، وفقاً للمؤسسة الوطنية للاضطرابات العصبية والنشبات (National Institute of Neurological Disorders and Stroke). قد تتكرر النوبة من 5 إلى 40 مرة يوميًا، وتدوم كل منها من دقيقتين حتى 30 دقيقة، وقد يعاني المرضى هذه النوبات يوميًا أو يختبرون أيضًا فترات من الراحة بين الهجمات تستمر أشهرًا أو سنوات.
في المقابل، يتظاهر الصداع الشقي المستمر بألمٍ مستمرٍ يترافق بنوباتٍ ألم أكثر شدةً بين حينٍ وآخرٍ، وفقًا للمؤسسة الوطنية للاضطرابات العصبية والنشبات (NINDS)، ويعاني معظم مرضى الصداع الشقي المستمر ألمًا في جانب واحد فقط من الرأس، ونادرًا ما يظهر في الجانبين. ويُعد ألم الرأس صداعًا شقيًا مستمرًا إذا كان المريض يعاني ألمًا متوسط الشدة في جانب واحد من الرأس يوميًا أو باستمرار مع ألم نفاذ عابر في الرأس لأكثر من ثلاثة أشهر دون تبديل الجانب المؤلم أو فترات راحة من الألم، وفقًا لحالات الموقع الإلكتروني (NINDS).
أضاف تصنيف «ICHD3» بعض الصداعات المتفرقة إلى أنواع الصداع البدئي الثلاثة، وتشمل الصداع المحرض بالسعال والتمارين الرياضية والنشاط الجنسي، التي سميت بأسماء محرضاتها المختلفة، في حين تُسمى بعض الصداعات الأخرى بطبيعة الألم الذي تسببه، مثل صداع قصف الرعد والصداع الطاعن الواخز.
2- الصداع الثانوي
يكون الصداع الثانوي -بعكس الصداع البدئي- عرضًا لأمراض أو حالات طبية أخرى (لا اضطرابًا قائمًا بحد ذاته)، وفقًا لتصنيف «ICHD3»، وقد يحدث الصداع الثانوي بسبب:
- رضوض أو إصابات الرأس والعنق أو أحدهما.
- أمراض الأوعية، التي تصيب الرأس والعنق أو أحدهما.
- الاضطرابات اللاوعائية داخل الرأس.
- اضطرابات سوء استخدام المواد أو انسحابها.
- اضطرابات التوازن أو الاستقرار، مثل توقف التنفس في أثناء النوم ونقص الأكسجة أو قصور وظيقة الدرق.
- الألم المنسوب إلى اضطرابات القحف والعنق والعينين والأذنين والأنف والجيوب والأسنان أو أخماج الفم.
- الاضطرابات النفسية.
قد يكون الصداع الثانوي علامة منذرة بحالات طبية خطيرة؛ كأورام الدماغ، وأمهات الدم، والتهاب السحايا (عدوى تسبب التهابًا في الدماغ، وفقًا لمركز ستانفورد للعناية الصحية).
في المقابل، في سياق الاضطرابات النفسية «ما تزال الأدلة الداعمة لوجود أسباب نفسية وراء الصداع نادرة» وفقًا لحالات تصنيف «ICHD3»، نتيجة لذلك تصنف معظم معايير الصداع المرتبط بالاضطرابات النفسية في ملحق الدليل مع استثناء الصداع المرتبط بالاضطرابات النفسية أو الاضطراب العرضي الجسمي (SSD)، إذ يعاني المريض عرضًا جسديًا خطيرًا أو أكثر »كالصداع»، الذي يحمل هواجس كثيرة أو مخاوف صحية حول هذه الأعراض، وفقًا لحالات «ICHD3»، وقد يشبه الصداع الثانوي أنواع الصداع البدئية. بمعنى آخر، قد يوصف أنه يشبه الصداع التوتري أو الشقيقة. ولتحديد تشخيص الصداع الثانوي على أي حال يجب أن يحدث الصداع أول مرة بعد فترة قصيرة من بدء اضطراب آخر. وفقًا لحالات الدليل، في حالة ازدياد صداع بدئي سابق بسبب حالة طبية جديدة كالورم الدماغي، يجب تشخيص كلا الصداعين البدئي والثانوي.
3- اضطرابات الصداع الأخرى
يشمل النوع الثالث للصداع في تصنيف «ICHD3» اعتلالات الأعصاب المؤلمة وآلام الوجه الأخرى، يشير اعتلال الأعصاب إلى مرض أو سوء وظيفة الأعصاب المحيطية أو الأعصاب خارج الدماغ والنخاع الشوكي، مثلًا: تنتمي الأعصاب القحفية المتنوعة إلى جهاز الأعصاب المحيطية وتحمل الإشارات الألمية إلى الدماغ، وقد تتخرب هذه الأعصاب بسبب الأمراض كالحلأ النطاقي والتصلب المتعدد، وفقاً لحالات تصنيف «ICHD3».
عوضًا عن ذلك، قد تُضغط الأعصاب أحيانًا البنى التشريحية المحيطة وتسبب ألمًا وجهيًا بتلك الطريقة أيضًا، ويعتمد نوع الألم وموقعه الدقيق على العصب المصاب، مثلًا: تسبب أذية العصب اللساني البلعومي ألمًا مستمرًا في الأذن وتحت الفك السفلي و/أو خلف الحلق أو اللسان، يشيع وصف هذا الألم بالحارق أو العاصر أو يشبه وخز المسامير أو الإبر.
محرضات الصداع وعلاجاته الشائعة
تشمل محرضات الصداع البدئي الشائعة الجفاف والأدوية وتغير مستويات الهرمونات، وفقاً لمركز ستانفورد للعناية الصحية. قد يبدأ الصداع أحيانًا بسبب الأضواء القوية أو الوامضة، أو بسبب التوتر، أو تغير عادات النوم، أو بعض الأطعمة كالنبيذ الأحمر والشوكولاتة والأجبان والمواد التي تحوي كافيين.
ولاحظت ريغنز أن استهلاك الكحول عمومًا يُعد محرضًا قويًا لهؤلاء الذين يعانون صداعًا عنقوديًا خلال النوبة، وتقول إنها أوصت أي شخص يعاني صداعًا بضرورة مناقشة حالته مع طبيب العناية الأولية الخاص به. يتخصص بعض الأطباء بطب الصداع -مثل ريغنز- لكنه مجال صغير نوعًا ما، ومعظم هؤلاء المتخصصين هم أطباء متخصصين بعلم الأعصاب، ويشارك بعض أطباء الأسرة بهذه الممارسة.
للأطباء العناية الأولية الراغبين بالتعلم أكثر عن العناية بالصداع، شكلت رينغر وآخرون في جمعية العناية الصحية الأمريكية مصادر الكترونية متنوعة مساعدة، تقول ريغنر: «نحن نطور المحتوى باستمرار لضمان الإجابة عن أسئلة أي طبيب حول الصداع»، وتضيف: «قد يساعدنا تسجيل المرضى تاريخ الصداعات التي عانوا منها، وكذلك تحضير قائمة بالأدوية السابقة والحالية».
إضافة إلى تقييم محرضات الصداع والتاريخ الدوائي، قد يطلب الطبيب إجراء اختبارات متنوعة لتصنيف الصداع بدقة أكبر، قد يحتاج مثلًا إجراء رنين مغناطيسي أو تصوير طبقي محوري واختبارات أخرى لقياس الالتهاب وتشكيل صورة للأوعية الدموية في الرأس والتحري عن وجود نزف في الدماغ أو دليل عن وجود عدوى فعالة، تساعد هذه الإجراءات الطبيب على معرفة نوع الصداع (بدئي أو ثانوي).
قالت ريغنز:»تشمل علاجات الصداع أدوية الصداع الحاد، التي تؤخذ عند الحاجة والأدوية الوقائية لتقليل تكرار وشدة الصداعات، ويمكن استخدام بعض الأدوية للغاية نفسها».
تشمل بعض استراتيجيات الوقاية تعديل نمط الحياة لمساعدة المريض على تجنب محرضات الصداع المحتملة، قد يصف الأطباء مضادات الاكتئاب ومضادات الصرع وحاصرات بيتا أو حقن البوتوكس أو أدوية تنقص ضغط الدم للوقاية من الشقيقة، ويستفيد بعض المرضى من التحريض المغناطيسي عبر القحف الذي يحرض الخلايا العصبية في الدماغ، وفقاً لمركز ستانفورد للعناية الصحية. تقول ريغنز: »تشمل أدوية صداع الشقيقة الحاد أدوية متنوعة، كالتريبتان والديتان وغيبانت، التي تعمل على إنقاص إشارات الألم التي ترسلها الأعصاب الحسية في الجسم، ويعمل كل صنف من الأدوية من طريق آليات مختلفة قليلًا.
تشمل أدوية الصداع الحاد الأخرى مسكنات الألم التي تباع دون وصفة طبية كالنابروكسن وأدوية الأنتي هيستامين كالهيدروكسيزين ومضادات الإقياء (التي تعالج الغثيان والإقياء)».
بعيدًا عن الأدوية، قد تساعد الراحة في جو هادئ وغرفة مظلمة واستخدام كمادات باردة أو ساخنة وإجراء مساج أحيانًا على تسكين آلام صداع الشقيقة، وفقًا لمركز ستانفورد للعناية الصحية.
يساعد العلاج الفيزيائي ومرخيات العضلات ومسكنات الألم -التي تباع دون وصفة طبية غالبًا- مرضى الصداع العنقودي، وقد يساعد العلاج الفيزيائي أيضًا المصابين بالصداع رقبي المنشأ، الذي ينشأ من اضطرابات العظام والأقراص والنسج الضامة في الجزء العلوي من العمود الفقري وفقًا للمؤسسة الأمريكية للشقيقة.
تشمل علاجات الصداع العنقودي الحقن والبخاخات الأنفية والعلاج بالأوكسجين، إذ تتنفس الأوكسجين من خلال قناع. قد يُعالج صداع النوم (صداع نادر يوقظ الناس من نومهم) بالليثيوم وحاصرات قنوات الكالسيوم التي تزيد الإمداد القلبي بالدم والأوكسجين. وقد يفيد الميلاتونين ومضادات الالتهاب الأخرى كالإندوميثاسين بعض المصابين بصداع النوم، وفقًا للمؤسسة الأمريكية للشقيقة. تقول ريغنز إنها تأمل مستقبلًا زيادة قدرة الأطباء على تحديد ما إذا كان المريض سيتحسن بسبب الدواء الموصوف قبل الوقت المحدد.
منذ هذه اللحظة، ثمة بعض «التجربة والخطأ» في وصف العلاجات الصحيحة لكل مريض وفقًا لمركز ستانفورد للعناية الصحية، بحسب ريغنر، وتضيف: «سيسعدنا ملاحظة علامات حيوية قد تخبرنا أن هذا المريض لا يعاني أعراضًا جانبية ويستفيد من الدواء الموصوف».
اقرأ أيضًا:
الصداع العنقودي: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
ترجمة: نغم سمعان
تدقيق: أسعد الأسعد
مراجعة: حسين جرود