تعد الحرب الباردة ، التي دامت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 حتى عام 1990، واحدةً من أهم أحداث القرن العشرين، فقد شهدت هذه الحرب منافسةً شديدةً بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي سابقًا.
حدَّدَ المؤرخون عدة أسباب لاندلاع أسباب الحرب الباردة ، ومن بينها: التوترات بين الدولتين في نهاية الحرب العالمية الثانية، والصراع الايدولوجي بين الدولتين، وظهور الأسلحة النووية والخوف من الشيوعية في الولايات المتحدة الأميركية.
التوترات بين القوتين العظميين
من أهم أسباب اندلاع الحرب الباردة زيادة التوترات بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي سابقًا. خلال فترة الحرب العالمية الثانية شارك الاتحاد السوفييتي بقيادة جوزيف ستالين، إلى جانب بريطانيا، وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، في محاربة ألمانيا النازية، وإيطاليا واليابان.
في ذلك الوقت، استهدف الحلفاء القضاء على النظام الفاشي في أوروبا، ومنع توسعات اليابان في المحيط الهادئ. مع بداية عام 1945 كانت الحرب قد أوشكت على الانتهاء لصالح الحلفاء، فسقط أدولف هتلر في 30 أبريل 1945، وهزمت اليابان في العام ذاته بعد تلقيها قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي.
في أثناء هذه الأحداث، بدأت علاقة الاتحاد السوفييتي مع الحلفاء بالانهيار، إذ عقد الحلفاء عدة مؤتمرات مهمة، في يالطا وبوتسدام. مؤتمر يالطا حدث ما بين 4 إلى 11 فبراير عام 1945 في مدينة يالطا الواقعة حاليًا في كريميا في أوكرانيا. الهدف من هذا المؤتمر هو كيفية إعادة تنظيم أوروبا بواسطة الحلفاء الثلاثة بعد هزيمة ألمانيا النازية وهتلر.
يعتبر مؤتمر يالطا من أهم الأحداث في الحرب الباردة، إذ ظهر الانقسام السياسي بين جوزيف ستالين والقائدين الآخرين فلم يثق أحد الطرفين بالآخر، خاصةً ستالين الذي كان غاضبًا من باقي الحلفاء لتأخرهم في إنزال النورماندي واجتياح إيطاليا إذ بقي الاتحاد السوفييتي وحيدًا في مواجهة النازيين، وأصبح هذا الانقسام أوضح مع مؤتمر بوتسدام.
حدث مؤتمر بوتسدام بين 17 يوليو و 2 أغسطس عام 1945 في مدينة بوتسدام الألمانية التي كانت تحت سيطرة الحلفاء. كان الهدف من المؤتمر مناقشة كيفية إدارة المانيا التي كانت قد هُزمت بشكل كامل، ولم يتبقَ سوى اليابان التي كانت على وشك السقوط.
أمِل القادة الثلاثة هاري ترومان، وونستون تشرشل وجوزيف ستالين إيجاد أسلوب ملائم لإدارة العالم بعد الحرب، وحل مشكلة معاهدة السلام، والتخلص من عواقب الحرب.
لم يجر المؤتمر كما أمِلَ القادة، ويعتبر مؤتمر بوتسدام من الأحداث الكبرى في اندلاع الحرب الباردة فقد كشف فيه الرئيس الأميركي ترومان للرئيس السوفييتي ستالين عن برنامج الأسلحة النووية (مشروع مانهاتن) وأن الولايات المتحدة الأميركية قد صنعت أول قنبلة نووية.
شهد هذا المؤتمر الانقسام الحقيقي بين الرئيسين الأميركي والسوفييتي وهنا زُرعت جذور الحرب الباردة في مؤتمر بوتسدام. ألقت الولايات المتحدة الأميركية قنبلة على هيروشيما بعد المؤتمر بعدة أيام وأنهت الحرب العالمية الثانية، في حين أن الحرب الباردة كانت على وشك أن تبدأ.
يعتبر الكثير من المؤرخين مؤتمري يالطا وبوتسدام بداية الحرب الباردة فقد أظهرا عدم الثقة بين القطبين.
سباق الأسلحة النووية
ثاني أهم أسباب الحرب الباردة هو ظهور الأسلحة النووية في نهاية الحرب العالمية الثانية. كما ذُكرَ سابقًا انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 بهزيمة ألمانيا النازية على يد الحلفاء، لكن حرب المحيط الهادئ لمّا تنته حتى ألقت الولايات المتحدة الأميركية قنبلتين نوويتين على اليابان في أغسطس عام 1945.
طورت الولايات المتحدة هذه القنبلة النووية في السنة الأخيرة من الحرب في مشروع سري أطلقت عليه اسم “مشروع مانهاتن”. وهكذا كانت قد بدأت حقبةٌ جديدة قائمة على سباق الأسلحة النووية.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت الولايات المتحدة الأميركية الدولة الوحيدة الحائزة على قنبلة نووية مما يعني أن الاتحاد السوفييتي لم يعد منافسًا عسكريًا للولايات المتحدة، ما دفعه لصناعة سلاح نووي ليعود إلى السباق. وفي 29 أغسطس عام 1945 جرَّبَ الاتحاد السوفييتي أول قنبلة نووية له الملقبة “الصاعقة الأولى”.
كانت هذه السنوات الأولى من الحرب الباردة عاملًا أساسيًا في ازدياد التوترات بين الجانبين الأمريكي والسوفييتي، لأن سباق الأسلحة النووية أدى إلى عدم الثقة بينهما ثم إلى سنوات من الحرب الباردة، فقد طوّر كلا البلدين كمًا هائلًا من الأسلحة النووية، وبحلول الخمسينيات كانت الدولتان صنعتا ما يكفي لتدمير الآخر كليًا ما أدى إلى خوف كل منهما من إعلان الحرب على الآخر، لأن النتيجة ستكون تدمير كلا الطرفين.
الصراع الأيديولوجي: الشيوعية ضد الرأسمالية
ثالث أهم أسباب الحرب الباردة هو الاختلاف الأيديولوجي بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية.
في ذلك الوقت كان الاتحاد السوفييتي شيوعيًا قائمًا على أساسي الجماعية والاشتراكية، بينما الولايات المتحدة الأميركية كانت ديموقراطية قائمة على الفردية. ما يعني أن الاتحاد السوفييتي كان في أقصى اليسار من الطيف السياسي بينما الولايات المتحدة الأميركية كانت في اليمين. كان اختلاف الأيديولوجيا مصدرًا أساسيًا للصراع، فقد حاول الاتحاد السوفييتي نشر الشيوعية في المنطقة، ولكن الولايات المتحدة منعته من فعل ذلك.
لفهم الصراع الأيديولوجي في الحرب الباردة يجب علينا أولاً فهم مبادئ الرأسمالية، والشيوعية، والديمقراطية والدكتاتورية. في أثناء الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة قائمة على الرأسمالية والديموقراطية أما الاتحاد السوفييتي فكان قائمًا على الشيوعية والدكتاتورية.
الرأسمالية في صميمها هي نظام اقتصادي قائم على مبادئ الفردية، حيث تضع حرية الفرد قبل قوانين الدولة وأحكامها، على سبيل المثال (Laissez-faire capitalisme) هي نمط من الأيديولوجيا بمعنى “دعه يعمل، دعه يمر” بما يعني أنه يجب على الدولة أن تبقى خارج الاقتصاد وأن تسمح للأفراد والمؤسسات أن يقوموا بعملهم بحرية.
مع تطور الرأسمالية كنظام اقتصادي، كان تدخل الحكومة محدوًدا للغاية في الاقتصاد، فالرأسمالية في الاقتصاد مبنية على الملكية الخاصة، والمنافسة، وحرية التجارة، والاعتماد على الذات، والمصلحة الشخصية ومبادئ العرض والطلب. في معظم المجتمعات الرأسمالية، الاقتصاد مبني على حرية التداول والأسواق المفتوحة. بينما في الأنظمة الشيوعية تتحكم الدولة بالسوق وتفرض قوانينها الصارمة وتتخذ كل القرارات المهمة.
الديمقراطية هي نظام سياسي مبني على فكرة توزيع السلطة في المجتمع بين الناس، يمارس الناس سلطتهم بالتصويت ليختاروا شخصًا أو أشخاصًا يعبرون عن احتياجاتهم ورغباتهم، فيحكم الشعب نفسه بنفسه. بينما في الأنظمة الدكتاتورية يقرر الحاكم أو الجهة الحاكمة كل القرارات.
الشيوعية هي نظام اقتصادي مبني على مبادئ الاشتراكية خاصةً مبادئ كارل ماركس كما عبر عنها في كتابه “بيان الحزب الشيوعي” إذ ركز على فكرة بناء مجتمع على أساس الملكية العامة وإلغاء الطبقية الاجتماعية.
الديكتاتورية هي نظام سياسي نجد فيه معظم السلطة أو كلها مقتصرة على شخص واحد وهو القائد الأعلى. لقد استُخدم مصطلح الديكتاتورية عبر التاريخ مرات عديدة، ولكن استخدامه الأكثر شيوعًا كان في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين، على سبيل المثال، من بين أشهر الديكتاتوريين: أدولف هتلر في ألمانيا، وجوزيف ستالين في الاتحاد السوفييتي ، وبينيتو موسوليني في إيطاليا، وكيم جونغ يون في كوريا الشمالية، وفيديل كاسترو في كوبا.
عمومًا، الديكتاتورية نقيض الديمقراطية.
لقد تسبب الصراع الأيديولوجي بالحرب الباردة، لأنه أظهر الاختلاف في وجهات النظر لكلٍّ من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي. كان الخوف من انتشار الفكر الشيوعي في أوروبا عاملًا أساسيًا لقرار الرئيس الأمريكي هاري ترومان ببدء الحرب الباردة.
انتشار الشيوعية
السبب النهائي في الحرب الباردة كان الخوف الأمريكي من انتشار الشيوعية حول العالم. إضافةً إلى التأثير الكبير للصراع الأيديولوجي والعوامل الأخرى.
بعد الحرب العالمية الثانية عانت الدولتان التركية واليونانية من أزمة اقتصادية، وبسبب قربهم الجغرافي من الاتحاد السوفييتي كان ممكنًا أن يقعا تحت السيطرة الشيوعية ما أدى إلى قول الرئيس الأمريكي هاري ترومان في خطاب له يخص الدولتين: «أنا أعتقد أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية ستدعم الشعوب الحرة التي تقاوم محاولات الإخضاع من الأقليات المسلحة أو الضغط الخارجي. وأعتقد أنه يجب علينا أن نساعد الشعوب الحرة على تقرير مصيرهم بأسلوبهم الخاص. وأعتقد أن مساعدتنا يجب أن تبدأ من خلال المعونة الاقتصادية والمالية لأنها أساسية للاستقرار السياسي والعمليات السياسية المنظمة».
أظهر الرئيس ترومان خلال خطابه نيته مساعدة الدولتين التركية واليونانية للحد من خطر وقوعهم تحت رحمة الاتحاد السوفييتي. وقد استمرت سياسة الولايات المتحدة الخارجية بهذا الشكل خلال الحرب الباردة مع جميع الدول الأخرى وأطلق على هذه السياسة اسم “مبدأ ترومان”.
بشكل أساسي مبدأ ترومان كان مبنيًا على فكرة أنه يجب على الولايات المتحدة الأميركية الحد من التأثير السوفييتي الشيوعي على الدول الأخرى. لقد أدت هذه السياسة الخارجية لتدخل الولايات المتحدة الأميركية في صراعات ضد الاتحاد السوفييتي مثل حصار برلين وحرب كوريا وحرب فيتنام، وغيرها.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: مرهف جمعة
تدقيق: باسل حميدي