في التاريخ الإنكليزي تشير حروب الوردتين (1455-1485) إلى سلسلة الحروب الأهلية العنيفة التي سبقت سيطرة أسرة تيودور، وكان الصراع فيها على العرش الإنكليزي بين عائلة لانكستر وشعارها الوردة الحمراء وعائلة يورك ورايتها الوردة البيضاء، وبهذا نالت الحروب اسمها.
بداية الحرب الأهلية:
ادّعت كل عائلة أحقيتها بالعرش بانتسابها إلى أبناء إدوارد الثالث، ومنذ استيلاء عائلة لانكستر على العرش في 1399 لم تطالب عائلة يورك به، ولوﻻ شيوع اللا سلطوية في منتصف القرن الخامس عشر ما كانت لتفعل ذلك. فبعد وفاة هنري الخامس في 1422، وحتى 1437 في حكم هنري السادس -الذي كان رضيعًا حينها- خضعت المملكة الإنكليزية لحكم مجلس الملك، وهو هيئة ذات أغلبية أرستقراطية، ولم يكن الحفاظ على هذا الترتيب -الذي لم يتفق مع رغبات هنري الخامس- سهلًا، فكما كان الحال عند ريتشارد الثاني سابقًا، كان أقارب هنري السادس أقوياء وحريصين على الإمساك بالسلطة وتنصيب أنفسهم على رأس الفصائل في الدولة، وسرعان ما أصبح المجلس ساحة معركتهم، فسيطرت الأقطاب بجيوشها الخاصة على الأرياف وشاعت الفوضى وارتفعت الضرائب، وأثبت هنري بعدها عجزه وعُرضته لنوبات الجنون وخضوعه لسيطرة الملكة الطموحة مارغريت آنجو، التي لعبت دورًا سلبيًا في فرنسا أدى لتدهور الموقف الإنكليزي فيها.
ومن 1450 إلى 1460 أصبح ريتشارد -دوق يورك الثالث- رئيس اتحاد نبلاء كبير وكان غالبيته من أقربائه (عائلات نيفيل وموبري وباورشر)، وكان ابن أخيه ريتشارد نيفيل من قادته الرئيسيين بوصفه إيرل وارويك ورجلًا ذا سلطة يتبعه المئات من طبقة النبلاء في أكثر من عشرين مقاطعة. وعندما أصيب هنري بالجنون، ثبتت مجموعة قوية من النبلاء يورك بوصفه حامي المملكة بدعم من وارويك.
لما استعاد هنري عافيته في 1455، أعاد تأسيس سلطة حزب مارغريت، ما أجبر أتباع يورك على حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم، فأسفرت معركة سانت ألبانز في 1455 -أولى هذه الحروب- عن نصر يورك وهدنة مدتها أربع سنوات.
وفي 1459 بدأت مرحلة جديدة من الحرب الأهلية عندما تمرد يورك بسبب تحضيرات الملكة العلنية لمهاجمته، ونجح أتباعه في بلور هيلث في 23 سبتمبر، لكنهم تشتتوا بعد مناوشة جسر لودفورد في 12 أكتوبر، فهربوا إلى إيرلندا، وفي نوفمبر حصل أتباع لانكاستر في برلمان حاشد في مدينة كوفنتري على إدانة قضائية لمعارضيهم، وأعدموا منهم كل من تمكنوا من القبض عليه.
ومنذ ذلك الحين كان القتال مريرًا، ووضع كلا الطرفين أخلاقهما جانبًا، وضربا الخصم بلا رحمة، وتدين هذه الوحشية المتعمدة التي دخلت الحياة السياسية الإنكليزية بشيء ما للأفكار السياسية لعصر النهضة الإيطالي، ولكن يمكن القول أنها أيضًا جزء من إرث العادات الفوضوية التي اكتسبها النبلاء في حرب المئة عام.
وفي يونيو 1460 أعاد وارويك تجميع قوى أنصار يورك في فرنسا وعاد بهم إلى إنكلترا، ليهزم قوات لانكستر هزيمة حاسمة في نورثهامتون في 10 يوليو، وحاول يورك المطالبة بالعرش لكن استقر على حقه في الخلافة عند وفاة هنري، ما حرم ابن هنري الأمير إدوارد حقه في الميراث وتسبب في استمرار الملكة مارغريت في معارضتها.
وفي ديسمبر حُشدت قوات لانكستر في شمال إنكلترا وفاجأت يورك وقتلته في ويكفيلد، ثم سارت جنوبا باتجاه لندن وهزموا قوات وارويك في طريقهم في معركة سانت ألبانز الثانية في 17 فبراير 1461، وفي غضون ذلك، هزم إدوارد -وريث يورك وابنه الأكبر- قوات لانكستر في مورتايم كروس في 2 فبراير، ثم سار لإنقاذ لندن ووصل إليها قبل مارغريت في 26 فبراير، فأُعلن الدوق يورك الشاب ملكًا باسم إدوارد الرابع في وستمنستر في 4 مارس، وبعدها ﻻحق إدوارد مع بقية قوات وارويك مارغريت شمالًا إلى توتن، وهناك انتصر أتباع يورك نصرًا كاملًا في أكثر المعارك دموية في الحرب، فهرب هنري ومارغريت وابنهما إلى اسكتلندا، وبهذا انتهت المرحلة الأولى من القتال، باستثناء تصفية جيوب المقاومة المتبقية من أنصار لانكستر.
انتصار إدوارد الرابع:
كانت سلطة وارويك مضطربة، والعديد من أتباع يورك وجدوا التغيير أصعب من أن يحتملوه، ومع ذلك صَعُب على أتباع لانكستر الوثوق بمن كان بلاءً لهم. ولهذا السبب، كانت معارضة إداورد الحقيقية قليلة، الذي حصل على مساعدات مضمونة من أتباع بورجوندي، ورسا في رافينسبور في مارس 1471 بطريقة تذكر بهنري الرابع، ثم واجهت قواته قوات وارويك في 14 أبريل في معركة بارنيت حيث فاق إدورد وارويك دهاءً، واستعاد ولاء دوق كلارنس، وهزم وارويك هزيمة حاسمة إذ وقع قتيلًا في المعركة.
وفي ذات اليوم عادت مارجريت وابنها من فرنسا ونزلت ويماوث، وعند سماعها لأخبار بارنت، توجهت غربًا محاولةً الوصول إلى أمان مدينة ويلز، لكن إدوارد سبقها إلى نهر سيفيرن، وفي معركة توكيسبيري في 4 مايو، ألقي القبض على مارغريت ودمرت قُواتها وقُتل ابنها. وبعد ذلك بوقت قصير قُتل هنري السادس في برج لندن.
وظل عرش إدوارد آمنًا حتى وفاته في 1483،عندها دحض شقيقه ريتشارد الثالث ادعاءات ابن أخيه الشاب إدوارد الخامس، وأدى ذلك إلى نفور العديد من أتباع يورك، فلجأوا إلى هنري تيودور، آخر أمل لأتباع لانكستر، فهزم هنري ريتشارد وقتله في حقل بوسورث في 22 أغسطس 1485 بمساعدة الفرنسيين والمنشقين من أتباع يورك، ما أدى إلى إنهاء الحروب، وبزواج هنري السابع من ابنة إدوارد الرابع إليزابيث من يورك عام 1486، وحد هنري مطالب أتباع يورك وأتباع لانكستر. وفي 16 يونيو 1487 هزم هنري لامبرت سيمينيل الذي دعم ثورة لأتباع يورك بالمطالبة بالعرش، وهذا هو التاريخ الذي يفضله بعض المؤرخين لإنهاء الحروب على التاريخ التقليدي 1485.
اقرأ أيضًا:
مولودٌ جديد وأسرةٌ حاكمة، فمن يرث العرش البريطانيّ؟
ترجمة: وراد الحماده
تدقيق: محمد حسان عجك