تعرض دراسة بريطانية حديثة أجرتها جامعة كينجز في لندن (King’s College) أدلةً تبين سبب استمرار الشعور بالألم المزمن لدينا، حتى ولو زالت الإصابة المسببة لهذا الألم.
ورغم أن البحث لا يزال في المراحل الأولى، إلا أنه قد يفسر كيف تترك إصابات صغيرة وغير خطرة آثارًا على المستوى الجزيئي تضاف إلى الضرر القائم، مسببًا الألم المزمن في نهاية المطاف.
تسبب الإصابات التي تنجم عن ممارسة الأنشطة الرياضية والشيخوخة والأمراض المختلفة ألمًا مستمرًا لدى الشخص، ومع محدودية الخيارات، يعجز الأطباء في أغلب الأحيان عن القيام بما هو أكثر من التخفيف الجزئي الألم باستخدام المسكنات، تاركين مرضاهم يعانون.
وبينما تتعدد أسباب الألم، فإن النتيجة واحدة، وهي حدوث فرط في تحسس النظام العصبي الذي تزداد استجابته بشكلٍ أكبر من المعتاد عادةً.
والسؤال المطروح في هذا الصدد: لماذا يجب أن يظل النظام العصبي في حالة تحسس شديدة لفتراتٍ طويلةٍ من الوقت، خاصةً عندما يزول المسبب؟
وفي سبيل الإجابة على هذا السؤال، يتفحص الباحثون الخلايا المناعية في الجهاز العصبي للفئران، نظرًا للدور الهام الذي يلعبه في توليد الألم المستمر.
وطبقًا للدراسة المنشورة في دورية “الخلية Cell” توصل الباحثون إلى أن تلف العصب يغير من العلامات فوق الجينية في الخلايا المناعية، ويترتب على بعض هذه الإشارات فوق الجينية نتائج وظيفية مباشرة، بينما تشير الإشارت الأخرى إلى إمكانية صدور هذه الإشارات أو قابليتها للتعديل.
ولا زالت الخلايا التي تفحصها الباحثون تعمل بالشكل المعتاد، ولكن وجود هذه العلامات فوق الجينية الحديثة قد يعني إنها تحمل الذاكرة الأولية للألم.
ويصرح مُعدّ الدراسة، قائلاً: «يتمثل هدفنا في نهاية المطاف بمحاولة الكشف عن سبب تحول الألم إلى حالةٍ مزمنة.
ونعلم سلفًا أن المرضى ممن يعانون من الألم المزمن تكون الأعصاب لديهم أكثر نشاطًا، كما نعتقد أن هذا الأمر مردّه إلى وجود العديد من البروتينات والقنوات ذات خصائص مختلفة في هذه الأعصاب.
وعلى أي حال، فمن غير الواضح سبب وجوب بقاء هذه الأعصاب مفرطة النشاط، وذات تحسس عالٍ، حتى وإن زالت الإصابة أو المرض: كألم الظهر الذي بدأ قبل سنتين ولم يختفِ بشكلٍ تام، أو استمرار ألم المفاصل رغم سكون الالتهاب فيها.
لذلك، يسعى الأطباء لمعرفة سبب وجوب حصول تلك القنوات والبروتينات على وظيفتها المتبدّلة عبر فترة طويلة من الزمن.
تمتلك الخلايا أنظمة إدارة داخلية، وفيها يتم استبدال أو تجديد معظم المادة الخلوية كل بضعة أسابيع أو شهور، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الشأن هو: لماذا تستمر البروتينات الضرورية في التبدّل عن طريق نسخ غير فاعلة من هذه البروتينات نفسها؟ السؤال الذي يذهب معدّو الدراسة إلى أن دراستهم تعد الخطوة الأولى في طريق الإجابة عنه، وذلك عن طريق استكشاف إمكانية استمرار الألم المزمن بسبب العوامل فوق الجينية.