الركلة الأولى للجنين في بطن أمه هي بمثابة التذكير المفاجئ بأن هذا المخلوق الصغير الذي ينمو بداخلها قد أصبح لديه عقله الخاص.
ولكن لماذا يركل الجنين في بطن أمه؟
أشار أحد الخبراء لمجلة live science أنه وعلى الرغم من ضيق مساحة الرحم للحركة، إلا أنَّ هذه الركلات تعبتر أمرًا حيويًا لعظامٍ صحية، ولنمو المفاصل.
وتبعًا لورقة مراجعة نُشِرَت في مجلة مُخْتَصَّة بالموجات فوق الصوتية لعلم النساء والتوليد، تبدأ الأجنة بالحركة في الرحم قُرابة الأسبوع السابع عن طريق انحناء الرقبة، وكلما تقدم نمو الجنين كلما زاد تنوع حركاته مثل حركات اليد والرجل، الحازوقة، التمطط، التثاؤب، ومص الإبهام.
ولكن لا تشعر الأم بتحركات الجنين حتى الأسبوع السادس عشر إلى الثامن عشر، فحينها يكون الجنين أقوى قليلًا.
تحتاج الأجنة للحركة
قالت نيام نولان، مهندسة بيولوجية في جامعة لندن الإمبراطورية، لمجلة Live Science: «مجال البحث بأكمله مُكَرَّس فقط لاكتشاف ما إذا كانت الأجنة تتحكم في حركاتها أم أنها حركات انعكاسية (لا إرادية)، إلا أنَّ الحركات المبكرة تكون حتمًا لا إرادية».
وتابعت: «ولكن بما أن الحركات أصبحت منظمةً أكثر، فهذا يعني أن العقل قد أمسك بزمام الأمور متحكمًا متى وكيف يتحرك الجنين».
وعلى النقيض فإن الحركات اللا إرادية تَنْبُع من الحبل الشوكي، ولا تتطلب إشارات من العقل.
ولا يعلم العلماء حق المعرفة ما إذا كانت هذه الحركات إرادية أم لا، ولكن نولان أوضحت أن الحركات، وبغض النظر عن نوعها، ذات أهمية. فقالت في مراجعة نُشرت في مجلة European cells and materials : «يحتاج الجنين للحركة لكي يكون بأتم صحته بعد الولادة، تحديدًا عظامه ومفاصله».
ووصفت نولان كيف أن قلة حركة الجنين من الممكن أن تؤدي إلى اضطرابات خَلْقِيَّة مثل قِصَر المفاصل، ونحافة العظام ما يجعلها عُرْضَةً للكسر .
كما أوضحت نولان للمرأة الحامل التي تتساءل ما إذا كان طفلها كثير الركل أم قليله، أنه لا يوجد عدد محدد للحركات الطبيعية للجنين أثناء الحمل.
وقالت: «يُطلب من النساء الحوامل أن يبحثن عن تغيُّرات هامة في حركات الجنين، وعلى الرغم من أنها نصيحة غامضة، إلا أنها أفضل ما يمكن تقديمه في الوقت الحالي».
وهذا لأن العلماء يجدون صعوبةً في دراسة حركات الجنين؛ لأن الطريقة الوحيدة لقياس هذه الحركات تكون في المستشفى، والتي لا يمكن أن تُنَفَّذ إلا لفترة قصيرة في كل مرة، ولحل هذه المعضلة تعمل نولان وزملاؤها على تطوير جهاز لمراقبة حركات الجنين، والذي ترتديه الأم أثناء أنشطتها اليومية الاعتيادية.
قام الباحثون باختباره على 44 امرأةً في الأسابيع من 24 إلى 34 من فترة الحمل، واستطاعوا بدقة تحديد التنفس، والحركات المفاجئة، وحركات الجسم الأخرى. نُشرت نتائج هذه الدراسة في جريدة PLOS One.
وفي إحدى الدراسات التي نُشرت عام 2001 في جريدة human fetal and neonatal movement patterns، وُجد أن الذكور يتحركون في الرحم أكثر من الإناث، متوسط عدد حركات الرِجل للذكور أعلى بكثير من الإناث، وذلك في الأسابيع 20، 34، 37 من الحمل، ولكن عدد الأطفال الذين أُجريت عليهم التجربة كانوا قلائل (فقط 37 طفلًا)، لذلك فإن نولان وزملاءها مترددون في الإدعاء بوجود علاقة بين الجنس وحركة الجنين.
يمكن لركلات الجنين أن تُحْدِث لكمة
ليس من الطبيعي أن تشعر كل النساء بنفس الشعور عندما تبدأ الأجنة بالركل.
قالت نولان: «تختلف تجربة كل امرأة من ناحية الإحساس، حتى أن الحمل مرتين لنفس المرأة يختلف فيهما الشعور».
وأوضحت أن المرأة تصبح حسَّاسةً أكثر لحركات الجنين في الحمل الثاني مقارنةً بحملها الأول، فهي تفترض أن هذا بسبب تمدد عضلات الرحمل أكثر بعد حملها الأول، وأكثر الحركات وضوحًا للأم هي ركلات الجنين.
في دراسة حديثة قامت بها نولان وزملاؤها، ونُشرت في Journal of royal society interface، وُجِدَ أن تأثير ركلات الجنين يزداد من 6 أرطال من القوة في الأسبوع 20 إلى 10 أرطال في الأسبوع 30 من الحمل، وبعد ذلك تتناقص قوة الركلات لتصل إلى 4 أرطال، ويتوقع العلماء أن قلة الحركات تحدث بسبب قلة مساحة الحركة للجنين (بسبب كِبَر حجمه).
والجنين في الرحم لا يركل فقط، فبحلول الأسبوع 15 يبدأ في اللَكم، فتح وغلق فمه، ومَص الإبهام، وبعدها بأسابيع قليلة يقوم بفتح وغلق عينيه، إلا أن الأم لا تشعر إلا بالحركات الأساسية كالركل، اللكم، وأحيانًا التثاؤب.
وقالت نولان: «يقوم الجنين بحركات التنفس أيضًا، وعلى الرغم من أنه فعليًا لا يتنفس (لأن الرئة لا تعمل أثناء الحمل)، إلا أنه يؤدي نفس حركات التنفس التي نقوم بها داخل السائل الامنيوني، السائل الذي يحيط بالجنين».
وأوضحت نولان أن الأجنة التي لا تؤدي هذه الحركات عادةً ما يكون لديها صعوبة في التنفس بمجرد ولادتها؛ لأنها لم تُعزز عضلات الصدر، وهي من أهم العضلات المساعدة في التنفس.
الشعور بطفلِك يتحرك ويركل في الرحم هو حقًا إحساس غريب، ولكنه أيضًا علامة على نموه بشكل سليم.
- ترجمة: محمود مرزوق
- تدقيق: أحلام مرشد
- تحرير: زيد أبو الرب