لماذا يترشح بعض العلماء كثيرًا لنوبل ولا يفوزون بها؟
تكشف السجلات عن باحثين كانوا الأكثر ترشيحًا للفوز بجائزة نوبل، لكنهم لم يحصلوا عليها.
تمّ الإعلان الأسبوع الماضي عن فوز سبعة باحثين بجوائز نوبل للعلوم لعام 2016. لكن يجب عدم نسيان العلماء الذين ترشحوا عدة مرات للفوز بهذه الجائزة، لكنهم لم يتلقوا أبدًا المكالمة المنتظرة من ستوكهولم.
تحافظ مؤسسة نوبل على سرية تفاصيل المرشحين لمدة لا تقل عن 50 عامًا، لكنها تنشر أقدم السجلات التي تحتفظ بها على قاعدة بيانات على الإنترنت. وقد حللت مجلة “نيتشر” هذا السجل العام بهدف البحث عن أكثر المرشحين الذين لم يحصلوا على الجائزة. وجاء على رأس القائمة جاستون رامون الذي رُشِح على نحو مثير للدهشة 155 مرة منفصلة لجائزة نوبل في الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) أو الطب في الفترة ما بين عامي 1930 و1953 (وهو آخر عام نشرت فيه مؤسسة نوبل معلومات عن المرشحين لهذه الجائزة). لكن لم ينصفه أبدًا حُكام لجنة نوبل.
كان رامون طبيبًا بيطريًّا وعالم أحياء فرنسي طوّر في عشرينيات القرن العشرين لقاحًا ضد الخُناق (الدفتيريا)، الذي كان سببًا رئيسيًّا للوفاة في ذلك الوقت. فعطّل عمل السُمّ المسؤول عن هذا المرض باستخدام الفورمالين، مُنشِئًا مكوّنًا ضعيفًا يمكن حقن الناس به لاستثارة استجابة مناعية. وقد سمحت طريقة رامون، التي أنتجت جرعة قياسية موثوقة، بإجراء تلقيح شامل ضد الخُناق (الدفتيريا).
ثمة باحث آخر متخصص في الخُناق (الدفتيريا) لم يفز بالجائزة يُدعَى إميل رو، وهو طبيب وباحث فرنسيّ ترشح 115 مرة في الفترة ما بين عامي 1901 و1932. اكتشف رو سمّ الدفتيريا البكتيريّ في أواخر القرن التاسع عشر (مع ألكسندر يرسن الذي يرتبط اسمه باكتشاف بكتيريا يرسينيا التي تتسبب في طاعون دبلي).
علماء كادوا يفوزون بنوبل
تنشر مؤسسة نوبل بيانات جديدة عن الترشيحات السابقة كل عام. ويستند الجدول الموضح أعلاه إلى الترشيحات التي نُشِرت بحلول عام 2016؛ وهي البيانات التي تغطي الفترة حتى عام 1965 لكل جوائز نوبل، فيما عدا جائزة نوبل في الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) أو الطب التي تغطي الفترة حتى عام 1953.
ربما يرجع السبب وراء عدم فوز رو (الذي اشترك أيضًا في تطوير لقاح السُعار مع لويس باستور) ورامون بالجائزة إلى منح العديد من جوائز نوبل بالفعل لاكتشافات في علم المناعة والأمراض المُعدية. هذا ما يذهب إليه إرلينغ نوربي، عالم الفيروسات الذي يبحث في سجلات نوبل وشغل منصب سكرتير دائم للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم في الفترة من عام 1997 حتى 2003. في عام 1901، على سبيل المثال، فاز إميل فون بهرنج بالجائزة لاكتشافه إمكانية استخدام المصل، الذي يحتوي على أجسام مضادة لسمّ الدفتيريا، لمعالجة المرض.
ضد التيار
لكن في حالات أخرى، يمكن إلقاء اللوم، كما يقول مؤرّخ العلوم بجامعة أوسلو، مارك فريدمان، على الانحيازات أو الممارسات الداخلية للسلطة في لجان الاختيار الصغيرة التي تقرر لمَن تذهب جوائز نوبل.
فوفقًا لإجراءات جوائز نوبل، تدعو لجان الاختيار مجموعة من المُرشِحين لتسجيل أسمائهم للنظر فيها، بالإضافة إلى حُجج تدعم ترشحهم. ويقول فريدمان إن لجنة الاختيار في السنوات المبكرة من عمر المسابقة كان يهيمن عليها التجريبيون السويديون الذين لم يكن لديهم الكثير من الوقت للتنظير. وربما ساهم ذلك في عدم فوز بعض علماء الفيزياء بالجائزة، مثل عالم الرياضيات الفرنسيّ هنري بوانكاريه (51 ترشيحًا في الفترة ما بين 1904 و1912)، على الرغم من الدعم الواضح لهؤلاء العلماء من طرف المجتمع العلميّ. أما أكثر الكيميائيين ترشيحًا لنوبل في الكيمياء ولم يفز بها، فهو الباحث البريطانيّ، سير كريستوفر كيلك ينجولد، الذي ترشح 68 مرة في الفترة ما بين عامي 1940 و1965، فيقول فريدمان إن سبب عدم فوزه على الأرجح هو أن أبحاثه عن آليات التفاعل لاقت نفورًا من لجنة نوبل في زمن كان التفضيل فيه للعمل النظريّ.
ويشير نيلس هانسون، المؤرخ في جامعة هاينرش هاينه في دوسلدروف بألمانيا، إلى أن اللجان فضّلت في أغلب الأحيان المرشحين الذين يتمتعون بدعم دوليّ متنوع. ولعل كان ذلك سبب ضياع فرص رينيه ليريش، الجراح الفرنسيّ الذي حصل على 79 ترشيحًا للجائزة بين عامي 1930 و1953، أغلبها من نظراء فرنسيين، وفرديناند ساوربورخ، الجراح الألمانيّ الذي حصل على 56 ترشيحًا، أغلبها أيضًا من علماء ألمان، في الفترة ما بين عامي 1914 و1951.
يقول هانسون إنه لا شكّ أن الكثير من العلماء لم يفوزوا بنوبل لسبب بسيط، وهو أن عدد الباحثين المستحقين للجائزة يفوق عدد الجوائز. لكن سجلات نوبل، وهي رُزم من خطابات الترشيح ووثائق المداولات صفراء اللون، توضح بعض التفاصيل المدهشة. من الأمثلة على ذلك عالم الفيزياء الأمريكي، هارفي كوشينج، الذي يُعَد أبو الجراحة العصبية وأكثر المرشحين لجائزة نوبل في الطب. فقد ترشح 38 مرة في الفترة بين عامي 1917 و1939. وهانسون مقتنع بأن كوشينج فشل في الفوز لمجرد أن خطابات ترشيحه لم تفي عمله الفذّ حقّه. ويضيف قائلًا: “مع مُرشِحين كهؤلاء، مَن بحاجة لأعداء؟”.
يقول فريدمان: “يتدخل العامل البشريّ بلا شكّ في منح جائزة نوبل، كما هو الحال مع أية جائزة أخرى. لذا، لا يوجد ما يجعلنا نفترض أن الفائزين بنوبل يمثّلون فئة فريدة من أفضل العلماء على الإطلاق”.
ترجمة: أميرة علي عبد الصادق
تدقيق: بدر الفراك
المصدر