بينما يمكننا الإمتناع عن حاجاتنا البيولوجية الأساسية -مثل الأكل- لعدّة أيّام، لا يمكننا أن نفعل نفس الشيء مع النوم، في نقطةٍ ما، لا يهم مقدار القهوة التي تحتسيها، نحن فقط نتحطم أمام النوم.
لكن لماذا نحن – وبقية الحيوانات – ننام في المقام الأول؟
أدركنا في مرحلةٍ ما حقيقة أن النوم يجعلنا في أفضل حالة ومن غيره نكون أسوأ، وهذه الحقيقة تدفعنا إلى سؤال لماذا النوم ضروري؟
القول بأننا ننام لأننا فقط نشعر بالنعاس، لا يبدو بأنه تفسيرًا كافيًا.
وربما تظن بأننا نتعافى من النشاط اليومي وأن وظيفة النوم الأساسية هي إعطاء للجسد راحة، لكن في الحقيقة ما يوفره النوم من طاقة لنا هو 50 سعرة حرارية، وهي نفس مقدار الطاقة في قطعة خبز وعضلات الجسم في العموم تحتاج إلى راحة، لكن النوم لا يساهم بأي شيء في هذه العملية، الجسد فقط يعلم إنك في وضع مريح، لا يهتم بإن كنت نائمًا أم كنت جالسًا، لكن هذا لا يعني أن عقلك لا يحتاج إلى راحة كذلك.
إذًا لماذا ننام؟
سؤال حير العلماء لقرون، ممّا اضطّرّهم للبحث فيه من زوايا مختلفة.
قام العلماء بالعديد من التجارب، كمثال: ماذا يحدث عندما يُحرَم البشر والحيوانات من النوم. في دراسات أخرى بدأوا بدراسة أنماط النوم في مجموعة متنوعة من الكائنات لمعرفة إذا ما كان الإختلاف أو التشابه بين الأنواع قد يكشف شيئًا عن وظائف النوم.
حتى الآن، على الرغم من عقود من الأبحاث والعديد من الاكتشافات حول جوانب أخرى من النوم، مازال السؤال:
لماذا ننام؟
صعب الإجابة.
عدم وجود إجابة واضحة على سؤال صعب لا يعني أن الأبحاث العلمية كانت مضيعة للوقت.
في الحقيقة، بفضل العلماء نحن الآن نعلم المزيد عن وظائف النوم، وطور العلماء العديد من النظريات الواعدة لتفسير حاجتنا للنوم.
وفي ضوء ما جمعوه من أدلة، يبدو أنه من المرجح أنه لن توجد نظرية واحدة مثبتة بشكل كامل، عوضًا عن ذلك سنجد أربعة نظريات تحاول شرح حاجتنا للنوم.
نظرية الخمول
واحدة من أقدم النظريات عن النوم، تسمى بنظرية التكيف أو النظرية التطورية، تقترح بأن عدم النشاط في الليل هي ميزة حافظت على الكائنات الحية للبقاء على قيد الحياة بعيدًا عن الأذى الممكن التعرض له.
النظرية تقترح بأن الحيوانات التي استطاعت الحفاظ على هدوئها وسكونها خلال هذه الفترات من اليوم كان لها ميزة عن غيرها من الحيوانات التي ظلت نشطة.
لم يكن لهؤلاء الحيوانات حوادث خلال خمولهم في الليل، ومرت هذه الصفة من خلال آلية الانتقاء الطبيعي ونجحت في البقاء عن دونها، وتطورت هذه الاستراتيجية السلوكية لتصبح ما يفترض بما نعرفه الآن بإسم النوم.
نظرية الحفاظ على الطاقة Energy Conservation theory
على الرغم من أنها قد تكون أقل وضوحا للناس الذين يعيشون في المجتمعات التي بها مصادر الغذاء وفيرة، واحدة من أقوى العوامل في الانتقاء الطبيعي هو المنافسة والاستخدام الفعال لموارد الطاقة.
وتقترح نظرية حفظ الطاقة أن الوظيفة الأساسية من النوم هو تقليل الطلب على الطاقة للفرد والنفقات خلال جزء من النهار أو الليل، وخاصة في أوقات تكون فيها فرصة العثور فيها على طعام أقلّ.
وقد أظهرت الأبحاث أن هنالك انخفاض ملحوظ في استقلاب الطاقة أثناء النوم (بنسبة تصل إلى 10 في المئة في البشر وحتى أكثر في الأنواع الأخرى).
على سبيل المثال، نسبة كل من درجة الحرارة والطلب على السعرات الحرارية تكون منخفضة أثناء النوم، بالمقارنة مع اليقظة.
هذه الأدلة تدعم الافتراض القائل بأن واحدة من المهام الرئيسية للنوم هي مساعدة الكائنات الحية الحفاظ على موارد الطاقة.
ويرى كثير من العلماء أنّ هذه النظرية يجب أن تكون متصلة بـجزء من نظرية الخمول.
نظريات الإصلاح Restorative Theories
ويستند تفسير آخر لماذا ننام على إعتقاد منذ فترة طويلة أن النوم في بعض الطرق يعمل على “استعادة” ما ضاع من الجسم بينما نحن مستيقظين.
يوفر النوم فرصة للجسم لإصلاح وتجديد نفسه.
في السنوات الأخيرة، اكتسبت هذه الأفكار الدعم من الأدلة التجريبية التي جمعت في دراسات على الإنسان والحيوان.
والأكثر دهشةً في هذا إن هذه الحيوانات بعد أن تحرم تماًما من النوم تفقد كل وظيفتها المناعية، وتموت في غضون بضعة أسابيع.
ويدعم هذا أيضا نتائج أن العديد من الوظائف التصالحية الرئيسية في الجسم مثل نمو العضلات، وإصلاح الأنسجة، تخليق البروتين، إفراز هرمون النمو يحدث في الغالب، أو في بعض الحالات فقط، أثناء النوم.
نظرية مرونة الدماغ Brain Plasticity Theory
ويستند أحد التفسيرات الأكثر حداثة وإقناعًا عن لماذا ننام، على نتائج أن النوم يرتبط مع التغيرات في هيكل وتنظيم الدماغ.
هذه الظاهرة، والمعروفة باسم مرونة الدماغ، ليست مفهومة تماما، ولكن ارتباطها بالنوم يحمل العديد من الآثار الهامة.
بات من الواضح، على سبيل المثال، أن النوم يلعب دورا حاسما في نمو الدماغ عند الرضع والأطفال الصغار.
الرضع ينفقون حوالي 13-14 ساعة في النوم يوميًا، وحوالي نصف هذا الوقت في النوم يكونوا في مرحلة REM -حركة العين السريعة-، المرحلة التي تحدث بها معظم الأحلام.
الوصلة بين النوم ومرونة الدماغ أصبحت واضحة في البالغين كذلك.
ويظهر هذا في تأثير الحرمان من النوم، وتأثير النوم على قدرة الناس على التعلم وأداء مجموعة متنوعة من المهام.
على الرغم من أن هذه النظريات لا تزال غير مؤكدة، إلا إنها جعلت العلم يقفز قفزات هائلة في إكتشاف ما يحدث أثناء النوم وما هي آليات التحكم في دورات النوم واليقظة التي تؤثّر على حياتنا.
في حين أن هذا البحث لا يجيب مباشرة على السؤال “لماذا ننام؟” فإنه يمهد الطريق لوضع هذا السؤال في سياق جديد وتوليد معرفة جديدة حول هذا الجزء الأساسي من الحياة.
- ترجمة وإعداد: طارق المصري
- المصدر الاول
- المصدر الثاني
- المصدر الثالث
- المصدر الرابع