لا شكّ أنك سمعت بالهيموغلوبين، أو عن عمله بمساعدة خلايا الدم الحمراء على نقل الأكسجين إلى باقي أنحاء الجسم عبر مسارات شريانية. ماذا عن البروتين الآخر الذي يزود عضلاتك بالأكسجين؟ أقصد الميوغلوبين. وهل تعرف أيَّ أصناف المعادن يستخدمُ جسدك بغية تركيب هذين البروتينين؟ إنه الحديد.
الحديد عنصر مهم في تركيب الهرمونات، ويدخل أيضًا في تركيب كلٍ من الأوتار والأربطة، والأنسجة الضامة عامةً.
هل نتناول كفايتنا من الحديد؟
قد لا يُلاحظ النقص في البداية، إذ إن الجسم سيستخدم الحديد المُخزَن في العضلات والعظام والكبد، أو في أي مكانٍ يخزن فيه الحديد. لكن الحديد سينفد حتمًا مع مرور الوقت، حينها ستصبح خلايا الدم الحمراء أصغر؛ وستحمل كمياتٍ أقل من الهيموغلوبين، ما يعني أيضًا نقصان كميات الأكسجين المحمولة إلى باقي أنحاء الجسم. بعبارةٍ أخرى، الإصابة بأحد أنماط فقر الدم.
ما أعراض فقر الدم؟
ربما تحس بالتعب، أو بالوهن والغثيان. قد ترى جلدك شاحبًا، أو قلبك ينبض بوتيرة أسرع، أو ترتجف يداك بعد أن تسللت إليهما البرودة. ربما تعاني صداعًا، أو مشكلات في الهضم أيضًا. سيغدو جهاز المناعة لديك أضعف، ما يعني أنك الآن عُرضة للأمراض أكثر من السابق، وسيمنحك مقياس الحرارة أرقامًا متفاوتة أكثر ممًا اعتدت أن ترى. يمكن أن يؤثر فقر الدم هذا حتى في قدرتك على التفكير جيدًا أو تذكر الأحداث. ويمكن أن تتطور لدى الأطفال المصابين بفقر الدم (النمط الناجم عن نقص الحديد) اضطرابات في القدرة على التعلم.
ما الذي يسبب نقص الحديد؟
يقرِّبك اتباع حمية غذائية ليست مناسبة أكثر من أرجحية انخفاض مستوياته، كذا يفعل عدم تناولك ما يكفي من اللحوم أو الأسماك أو الدواجن.
يمكن أن ينقص أيضًا لدى خسارة كميات من الدم إثر جرح بليغ أو أمراض معينة كالقَرْحات أو سرطان القولون، أو لدى إصابتك بحالة ترافقها صعوبةٌ في عملية الهضم. تُصاب النساء بنقص الحديد أكثر من الرجال، خصوصًا في فترات الحمل، وعند بدء الدورة الشهرية. وتزداد إمكانية انخفاض مستويات الحديد كلما كبرت سنًا وقل معه تناولك الطعام.
ما مقدار الحديد الذي تحتاج إليه؟
إن كنت رجلًا فإنك ستحتاج إلى 8 ميليجرام من الحديد يوميًا، أما النساء التي تتراوح أعمارهن بين 19 و50 عامًا فيحتجن قرابة 18 ميليجرام، أي ضعف ما يحتاجه الرجال تقريبًا. ويرتفع ذلك الرقم حتى يبلغ 27 ميليغرام عند الحوامل، وينخفض إلى 10 ميليغرام عند المُرضعات. بعد أن تُتِم المرأة الخمسين ربيعًا، تماثل حاجتُها اليومية إلى الحديد حاجةَ الرجل (8 ميليغرام).
ماذا لو كنت نباتيًا لا يتناول اللحوم، أو نباتيًا صِرفًا لا تتناول أيَّ منتج مصدره الحيوان؟
لا يمتص الجسم الحديد من الخضروات بنفس سهولة امتصاصه إياه من البروتين الحيواني الموجود في السمك واللحوم والدواجن، ما يفسر حاجة جميع النباتيين إلى كمية مضاعفة من الحديد مقارنةً بمن يتناولون اللحوم، لتصبح 14 ميليغرام للرجل و32 ميليغرام للمرأة في سنٍ بين 19 و50. ويستطيع النباتيون الحصول على كفايتهم عبر اتباع حمية متنوعة وتناول وفرةٍ من فيتامين c، وذلك عبر أغذية مختلفة مثل: البرتقال والفراولة والقرنبيط والفلفل الأحمر. إذ تساعد صنوف الطعام هذه على امتصاص الحديد.
ما الأطعمة الّتي تمدنا بالحديد؟
يعد كلٌ من المحار وكبد البقر والعدس، رفقة السبانخ والفاصوليا البيضاء بعضًا من أفضل مصادر الحديد الطبيعية. أما الدواجن والمأكولات البحرية، إضافةً إلى اللحوم الخالية من الدهون فهي مصادر حيوانية ممتازة للحديد، هذا ولم نتحدث عن دورها في مساعدة الجسم على امتصاص الحديد من أغذية أخرى كالبقول والبذور والمكسرات والحبوب الكاملة وكذلك الفواكه المجَفَّفة والخضراوات المورِقة. ويمكننا الحصول على الحديد أيضًا عبر كثيرٍ من منتجات الحبوب «المدعَّمة» مثل كسرات الخبز وحبوب الإفطار. تفقّد الملصق لمعرفة مقدار الحديد الموجود في كل وجبة.
هل نحتاج إلى مكملات الحديد؟
لا تحتاج النساء ممن بلغن سن انقطاع الطمث إلى مكملات الحديد، ولا يحتاج إليها الرجال عامةً أيضًا، بل إن معظم الناس تتناول كفايتها من الحديد عبر الغذاء فقط.
لكن لنتحدث عن زيادة مخزون الحديد في الجسم:
يمكن أن يسبب ارتفاعه تشنجاتٍ في المعدة، والإسهال والغثيان والإمساك والدوار، وقد يخلق أيضًا صعوبات في امتصاص الزنك. تناول الأطفال دون السادسة جرعةً زائدة من أحد مكملات الحديد -تختلف كميات الحديد في المكملات باختلاف المكمل قد يؤدي إلى مشكلاتٍ خطيرة تجعل حياتهم على المحك، ولا ينبغي كذلك أن تزيد الجرعة اليومية من الحديد لدى البالغين عن 45 ميليغرام، لذا يُستحسن أن تستشير طبيبك قبل أن تتناول أي من هذه المكملات.
ماذا عن النساء الحوامل؟
ستكون بحاجة إلى تناول مزيدٍ من الحديد، وذلك لضمان توفر كميات الدم اللازمة لها وللجنين طوال فترة الحمل. يعرّضك التهاون لاحتمالية الولادة المبكرة، أو ربما يولد الطفل دون الوزن الطبيعي، ما قد يُعرضه لاحقًا لمشكلات في تطور أجزاء من الدماغ. سيراقب طبيبك على الأرجح مستويات الحديد لديك في أثناء الحمل، وقد يصف مكمِّلًا إذا ما رأى حاجةً إليه، أو لضمان بقاء مستويات الحديد في الدم آمنة.
الحديد والأطفال
لا يتناول قرابة 10% من الرضع والأطفال الصغار (حديثي المشي) كفايتهم من الحديد. إن ولد الطفل باكِرًا أو دون الوزن الطبيعي فليس لديه في الغالب مخزونٌ كافٍ من الحديد. لكن حتى الأطفال المولدون سليمين تمامًا لديهم بضعة شهورٍ فقط قبل أن ينفد مخزونهم. إذا لم يُعوَّض هذا النقص المبكر فقد يؤدي لاحقًا إلى حدوث اضطرابات في السلوك والانتباه. تنبغي استشارة الطبيب بشأن متابعة مستويات الحديد لدى الطفل، ومتى ما ظهرت الحاجة إلى الحديد فاحرص على دعمه بما يلزم منه.
اقرأ أيضًا:
تأثير باباي، هل تجعلك السبانخ أقوى؟
لماذا يعتبر الحديد قاتلًا للكواكب؟
ترجمة: باسل الجردي
تدقيق: محمد أبو دف