قد نصادف بعض ذوي الميول النرجسية الذين يكسرون قاعدة حبهم لذواتهم ولا يرتاحون للتحديق بأنفسهم في المرآة. أظهرت دراسة جديدة أُجرِيت مؤخرًا أن الأشخاص الراضين عن أنفسهم جدًا يستصعبون الالتفات إلى أخطائهم والاعتراف بها.
بدأت الدراسة المذكورة بمحاولة تفسير الملحوظة التالية: لماذا عند حدوث أمر سيئ غير متوقع، لا يميل النرجسيون إلى مؤاخذة أنفسهم بسؤال »ماذا كان يجب أن أفعل لأتجنب أمرًا كهذا؟« بل يميلون إلى الانتحاب قائلين: «لم يستطع أحد توقع هذا الأمر؟»
للوهلة الأولى قد يبدو هذا السلوك تواضعًا، خصوصًا إذا بدر عن شخص نرجسي، إذ يقل الادعاء بأن أحدًا ليس قادرًا على توقع نتيجة كهذه بنزعته الفوقية عن قول أنا مُلِم بالأمور كلها وإنني كنت أرى ما هو قادم (الحالة التي تُعرف بـِ »انحياز الإدراك المتأخر«).
في الدراسة التي نتناولها في مقالنا هذا، ثبت أنه عندما تفشل توقعات النرجسيين، فهم يدخلون في حالة الدفاع عن النفس ويرمون بالأمر كله على عشوائية الكون وصعوبة توقعه.
وبحسب تحليل الباحثين، فإنه بسبب النزعات الدفاعية عند النرجسيين والنظرة الفوقية لذواتهم، هم أكثر عرضة للوقوع في »انحياز الإدراك المتأخر« عندما تكون توقعاتهم صحيحة، ليقابل ذلك وقوعهم في العكس تمامًا عندما تفشل توقعاتهم. من المهم الالتفات هنا إلى أن كلا الأمرين يؤثران سلبًا في عمليتي التعلم واتخاذ القرارات.
أجرى الباحثون أربع تجارب لدراسة مستويات النرجسية المختلفة عند التلاميذ والموظفين والمدراء محاولين فهم كيف تُترجم سلوكيًا في بيئة العمل. في تلك الدراسة، قدَّم الباحثون استمارة إلكترونية تضمنت جملًا مثل: »أنا أعتقد أنني شخص مميز« و»أنا لست أفضل ولا أسوأ من معظم الناس« وطُلِب من المشتركين تحديد مدى انطباق كل من تلك الجمل عليهم.
بعد تلك الاستمارة، طلب الباحثون من المشتركين الانخراط في دراسة ثانية. ولتجنُّب إثارة التوقعات عند المشتركين حول تلك الدراسة، عمل الباحثون على ضمان عدم معرفة المشتركين بعلاقة الدراسة اللاحقة بالاستمارة السابقة. طُلِب من المشتركين قراءة مجموعة من المؤهلات لمتقدمين إلى وظيفة افتراضية ومن ثم اختيار توظيف أحدهم. بعد هذا، عُرِض على المشتركين تقييم أداء خياراتهم وسُئلوا عن رأيهم حول صحة اختيارهم.
تمكن الباحثون في تلك التجارب الأربعة التي أُجريَت من تحليل أثر النرجسية في انحياز الإدراك المتأخر وفي قدراتنا على التفكير مليًا حول قرارتنا وما كان يجب أن نفعله، وتوصلوا إلى ذلك عبر دراستهم الفروقات التي ظهرت في أداء المشتركين في التجارب الأربعة المذكورة.
في النهاية وجد الباحثون أن أولئك الذين سجلوا مستويات مرتفعة من النرجسية كانوا أقل ميلًا إلى الاعتراف لأنفسهم بأنه كان عليهم فعل أمر مختلف وذلك حتى حين فشلت توقعاتهم.
لا يعرف الباحثون سبب هذا الأمر، ولكنهم يصرحون أن دراستهم تقترح أن النرجسيين معرضون أكثر لإحساس أعمى بالفوز بعد نجاحهم في أمر ما، بالمقابل عند الفشل فهم يستصعبون الاعتراف بخطئهم.
يُطلِق كُثُر صفة النرجسية على دونالد ترامب. وبحسب الباحثين، سبب ذلك هو وجود كلتا الصفتين المذكورتين أعلاه عنده، وهما صفتان تجّلتا بوضوح عند قوله إنه توقع نتائج الحرب العراقية بنجاح لا مثيل له، وعندما ألقى باللوم على نظام الرعاية الصحية واصفًا إياه بالمعقد جدًا بعد فشله في إتمام صفقة في هذا المجال.
تُسمى هذه الحالة أحيانًا »متلازمة الفشل في سؤال لماذا« وهي تحصل عندما نرفض تحمل المسؤولية عندما يكون الأمر خطأً منّا، ما قد يؤثر في قدرتنا على التعلم من أخطائنا.
أحد الأمثلة الواضحة التي طرحها الباحثون حول هذه المتلازمة هو الأزمة الاقتصادية الأميركية عام 2007. وبالرغم من تصريح العديد من البنوك في وال ستريت بأن تلك الأزمة الاقتصادية كانت مستحيلة التوقع، صرّحت لجنة التحقيق في الأزمة المالية أن تلك الأزمة كانت متوقعة وكان يمكن تجنبها.
فإن الاعتقاد بأنه من المستحيل تجنب التوقعات الفاشلة يقوِّض عملية التطور والتعلم من الأخطاء إذ يصعُب علينا أن نتطور إذا لم نعترف بوجود خلل أو مشكلة من الاساس.
حقيقةً، يُفسر هذا التحليل نتائج الدراسات الأخرى حول كون النرجسيين أكثر سعادةً وأقل إحساسًا بالتوتر مقارنةً بِأقرانهم… بمعنى: لمَ عليَّ أن أقلق إذا لم تقع عليّ مسؤولية الفشل؟
اقرأ أيضًا:
هل تروج المجتمعات الغربية النرجسية ؟
هل تحيرك اضطرابات الشخصية؟ إليك طريقة سهلة للتمييز بينها
ترجمة: زهراء حدرج
تدقيق: عون حدّاد
مراجعة: آية فحماوي