إن الماء لا يحترق، أما الطريقة الوحيدة لتحرير الطاقة من الماء فهي بفصله إلى مكونيه الرئيسين، الهيدروجين والأكسجين، لكن فصل الماء يحتاج إلى طاقة أكثر مما نحصل عليه عند اندماج العنصرين مرة أخرى داخل خلية الوقود، وهي خلية كهروكيميائية تنتج الكهرباء عبر تفاعل الهيدروجين مع الأكسجين. وداعبت فكرة امتلاك سيارة تعمل على الماء أحلام الكثيرين، وما زالت حلمًا للكثيرين، خاصةً المهتمين بالبيئة. ومع ارتفاع أسعار النفط، تتسابق الصحف والمجلات لنشر قصص عن تطوير شركة أو عالم لسيارة المستقبل التي تعمل بالماء! وهي مزاعم تبيع الأوهام لا الحقيقة تحت عنوان عريض: الوقود المائي سيُحدث ثورة في عالم صناعة السيارات!
هنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال مهم: هل يمكن صنع سيارة تعمل على الماء علميًا؟ ولماذا لم تصل إلى الأسواق أي من السيارات التي طالما تحدثت عنها الصحف؟ سنحاول في هذا المقال أن نجيب عن هذه الأسئلة.
التركيبة الكيميائية للماء
يتكون جزيء الماء من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين، ترتبط برابطة تساهمية قوية، تحتجز داخلها الطاقة.
الماء لا يحترق، وعلى هذا فإن تحرير الطاقة يتطلب فصل جزيئاته إلى عناصره الرئيسية، الهيدروجين والأكسجين، يُعد الهيدروجين مصدرًا للطاقة، وهو قابل للاشتعال، فيمكن الاعتماد عليه بوصفه وقودًا، وليس على الماء مباشرةً.
التحليل الكهربي
الكهرلة، أو التحليل الكهربي، عملية يُمَرر فيها تيار كهربي كافٍ لإحداث تفاعل كيميائي. في جزيء الماء، يُمرر التيار في الوسط المائي ليؤدي إلى فصله إلى مكوناته، الهيدروجين والأكسجين، وهي طريقة درسها أكثرنا في المدرسة.
تكمن مشكلة هذه الطريقة في الماء نفسه، فهو ناقل سيئ للكهرباء، ومن ثم نحتاج إلى إضافة كهارل -إلكتروليتات- الليثيوم أو الصوديوم إلى الوسط المائي لإحداث التحليل، إذ تسهل نقل الطاقة الكهربية عبر الوسط.
المشكلة الأخرى -حتى مع إضافة الكهارل- أن الماء مستقر جدًا، لذا فالطاقة التي يتطلبها فصله إلى مكوناته أكبر من الطاقة التي نحصل عليها من احتراق الهيدروجين بعد الفصل. إضافةً إلى هدر الطاقة الحرارية في عملية الفصل.
وفقًا لقوانين الديناميكا الحرارية، فإن تحرير الطاقة من الماء مستحيل دون إنفاق المزيد منها في مكان آخر، ومن ثم لا يمكن اتباع طريقة التحليل الكهربي للماء للحصول على طاقة إضافية.
إذن كيف ستعمل السيارات بالماء؟!
كما أسلفنا، لا يمكن الحصول على سيارات تستمد طاقتها الحركية من الماء دون استهلاك طاقة أكبر، ودون انتهاك قوانين الديناميكا الحرارية، يزعم بعض الأشخاص توصلهم إلى تطوير سيارات تعمل بالماء، لكن لم تتأكد هذه المزاعم.
كان تشارلز جاريت أول من زعم تطوير سيارة تعمل بالطاقة المائية عام 1935، لكن بفحص براءة الاختراع الخاصة بتصميمه تبين عدم اكتشافه أي مصدر جديد للطاقة، بل اعتمد التحليل الكهربي لتزويد السيارة بالوقود اللازم عبر جزيئات الهيدروجين الناتجة.
في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وفي ذروة أزمة النفط العالمية، مثّل شخص يدعى ستانلي ميير أحد أشهر ادعاءات صنع سيارة تعمل بالوقود المائي، إذ قال إنه اضطر إلى صنع سيارة باغي صغيرة تعمل على الماء. وعند سؤاله عن كيفية عملها كانت إجاباته متناقضة وغير متزنة، فتارة يقول إنه استبدل جهاز تحليل الماء بشمعات الإشعال، وتارة يقول إنه استعمل خلايا الوقود لفصل الماء، وهي طريقة أخرى من طرق التحليل الكهربي لكنها غير فعالة. في النهاية حوكِم ستانلي بتهمة الاحتيال بعد أن باع بعض المستثمرين «تقنية خلايا الوقود المائية».
شركة Genesis World Energy
في مطلع الألفية الجديدة، ادّعت شركة «جينيسيس وورلد إنيرجي» تطوير جهاز جديد يولد الطاقة من الماء بتحليله إلى مكوناته الأساسية ثم دمجها معًا. سنة 2003 أعلنت الشركة أن الجهاز الجديد أصبح جاهزًا للاستخدام، ويمكن إضافته إلى السيارات، وتمكنت من جمع 2.5 مليون دولار من المستثمرين لتمويل العملية، لكن لم تحصل أي سيارة على الجهاز الجديد. في النهاية أُدين صاحب الشركة باتريك كيلي بالاحتيال وحكم عليه بالسجن خمس سنوات.
شركة Genepax
أعلنت الشركة اليابانية «جينباكس» تطوير سيارة تعمل بالهواء والماء فقط! ولم تُفصح عن آلية عمل هذه السيارة، واكتفت بالإشارة إلى أنها تعتمد على مولد طاقة يُسمى «تجميع قطب الغشاء»، يستخرج الطاقة من الهيدروجين بفصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين، لكن دحضت ادعاءاتها مجلة «ببيولار ميكانيكس» ووصفتها بالهراء. أغلقت الشركة موقعها على الإنترنت بعد تقرير المجلة العلمية.
ينص أحد أهم القوانين العلمية أن الطاقة لا تُفنى ولا تُخلق من عدم، بل تتحول من شكل إلى آخر. الماء لا يحترق، والطريقة الوحيدة لتحرير الطاقة من الماء هي بفصله إلى هيدروجين وأكسجين. ومع أن التوصل إلى آلية لتشغيل السيارات بالوقود المائي يبقى هدفًا وحلمًا مغريًا للكثيرين، يبقى للعلم الكلمة الأخيرة.
اقرأ أيضًا:
الحصول على وقود المستقبل من مخلفات الصرف الصحي بات اقرب مما نتخيل !
باحثون من ستانفورد يصنعون رئة اصطناعية بمقدورها تحويل الماء إلى وقود نظيف
ترجمة: بيان علي عيزوقي
تدقيق: جورج حلبي
مراجعة: أكرم محيي الدين