يمكن لأي شخص مهتم بأفكار العالم ألبرت أينشتاين، أن يعلم أنه من الممكن إنشاء جاذبية اصطناعية في البيئات التي تنعدم فيها الجاذبية الطبيعية، أو في البيئات منخفضة الجاذبية، كثيرًا ما نشاهد هذه الأفكار في أفلام الخيال العلمي، لكن هل يمكن تحقيقها فعلًا؟
أوضح أينشتاين في إحدى تجاربه الذهنية أحد المبادئ الأساسية، وهو مبدأ التكافؤ، الذي ينص على أن تأثيرات الجاذبية والتسارع لا يمكن التمييز بينها، فإذا كنت داخل سفينة فضاء تتسارع بمقدار 1G، وهي قوة الجاذبية ذاتها على الأرض، فلن تستطيع التمييز بين وجودك في الفضاء أو وقوفك على الأرض، لأنك ستختبر كلا التجربتين بالطريقة ذاتها.
بهذه الطريقة توصل أينشتاين إلى نظرية النسبية العامة. لهذه الفكرة تطبيقات في الخيال العلمي، إذ يمكن نظريًا إنشاء جاذبية اصطناعية، إما بالتسارع المستمر أو بتدوير المركبة الفضائية. يولد الدوران قوة طرد مركزية، ما يحاكي تأثير الجاذبية، وهو مفهوم شائع في الخيال العلمي.
تطبيق الجاذبية الاصطناعية في المركبات الفضائية أمر مفيد للغاية بالنسبة إلى رواد الفضاء، الذين اعتادوا العيش في مجال جاذبية الأرض، فالتعرض الطويل لبيئات منخفضة الجاذبية قد يسبب مشكلات صحية عديدة، تشمل انتفاخ الوجه والأقدام وأجزاء أخرى من الجسم، إذ يتكيف الجسم مع غياب الجاذبية. وتلك هي الآثار الأولية، إذ قد يؤدي البقاء فترةً طويلة في الفضاء من دون جاذبية إلى مضاعفات صحية أخطر.
أوضح رائد الفضاء كريس هادفيلد أن الإحساس بانعدام الوزن تجربة ممتعة، لكن لتلك المتعة عواقب، ففي ظل الغياب المستمر لقوة الجاذبية على الجسم، تبدأ العضلات بالضعف والانهيار، وتبدأ العظام بفقدان كثافتها إذ يُعاد امتصاصها في الجسم، ما يوضح الأضرار الجسدية التي قد تلحق برواد الفضاء عند التعرض طويل الأمد للجاذبية المنخفضة أو المعدومة.
يتبع رواد الفضاء برامج تمارين صارمة في أثناء وجودهم على متن محطة الفضاء الدولية، بهدف تقليل التأثيرات السلبية لانعدام الجاذبية.
إذن لماذا لا نخلق جاذبية اصطناعية باستعمال جهاز الطرد المركزي، للحفاظ على صحة رواد الفضاء؟
السبب الرئيسي أن هذا الاقتراح غير قابل للتنفيذ بعد، على الأقل ليس دون حدوث بعض الآثار السلبية، إذ إن إنشاء جاذبية اصطناعية باستخدام جهاز طرد مركزي أو بطريقة التسارع المستمر، سيقابله قيود تقنية وعملية كبيرة. مع أن الفكرة ممكنة نظريًا، لا تدعم التكنولوجيا الحالية إنشاء نظام جاذبية اصطناعي مستدام دون مشكلات مثل الغثيان أو الارتباك لرواد الفضاء بسبب الدوران.
أوضح أستاذ الهندسة الميكانيكية جون بيج، التحديات التي تواجه العلماء والفنيين في عملية تطبيق فكرة توليد جاذبية اصطناعية على أرض الواقع، فإذا كانت المركبة الفضائية صغيرة، يجب أن تدور بسرعة كبيرة لتوليد قوة طرد مركزي كافية لمحاكاة الجاذبية. قد تسبب السرعة الكبيرة حدوث دوار وعدم راحة لرواد الفضاء. لتجنب هذه المشكلات، يجب تطبيق هذه الشروط على مركبة فضائية أكبر، لأنه كلما زاد حجم المركبة الفضائية، قلت سرعة دورانها اللازمة لتوليد الجاذبية، ومن ثم الحد من الآثار السلبية المرافقة للدوران السريع اللازم لتوليد الجاذبية.
تكمن خطورة الدوران السريع لمركبة فضائية على متنها مجموعة من رواد الفضاء في الآثار الجانبية الجسدية التي ستظهر عليهم بعد فترة قصيرة من الدوران المستمر، فقد يؤدي الدوران السريع إلى فرق كبير في قوة الجاذبية بين الرأس والقدمين، ما يؤدي إلى تجمع الدم أسفل الجسم. ما قد يجعل رواد الفضاء يشعرون بالدوار وعدم الراحة، لذلك يفضل تطبيق ذلك على مركبات فضائية كبيرة لتحقيق شرط الدوران البطيء غير المؤذي.
أضاف بيج إنه لكي تكون عملية توليد الجاذبية ملائمة ومريحة لرواد الفضاء يجب أن تكون المركبة الفضائية كبيرة للغاية، أكبر بكثير من ملعب كرة قدم، في حين أن محطة الفضاء الدولية صغيرة جدًا، يعادل حجمها حجم شقة صغيرة تقرييًا، فلا يمكن تطبيق هذا النظام فيها.
لكن السبب الرئيسي لعدم محاولتنا تحقيق الجاذبية الاصطناعية على محطة الفضاء الدولية هو أن الغرض منها ليس فقط توفير تجربة انعدام الجاذبية لرواد الفضاء للمتعة. محطة الفضاء الدولية هي مختبر علمي مصمم لإجراء أبحاث وتجارب مهمة في ظروف جاذبية منخفضة. وخلق جاذبية اصطناعية سيعطل العديد من هذه التجارب.
تعد محطة الفضاء الدولية مختبرًا فريد يوفر بيئة جاذبية صغرى غير متاحة في أي مكان آخر، ما يسمح للباحثين من مجالات علمية متنوعة، مثل علوم المواد وعلم الأحياء الدقيقة، بإجراء تجارب، واكتشاف نتائج جديدة ومثيرة لا يمكن تحقيقها على الأرض.
يستخدم رواد الفضاء محطة الفضاء الدولية لدراسة تأثيرات الجاذبية الصغرى على ظواهر مختلفة، مثل نمو الكائنات الحية وسلوك النار في الفضاء، بهدف فهم كيفية عمل الأشياء خارج مجال الجاذبية الأرضية. إدخال الجاذبية الصناعية في محطة الفضاء الدولية سيعوق هدفها الأساسي، وهو أن تكون مختبرًا لأبحاث الجاذبية الصغرى. قد نفكر في الجاذبية الصناعية في بعثات الفضاء المستقبلية الطويلة، لكن ليس على محطة الفضاء الدولية.
اقرأ أيضًا:
لماذا لا تظهر النجوم خلف الأرض في الصور الملتقطة من محطة الفضاء الدولية؟
المادة المضادة المكتشفة على محطة الفضاء الدولية قد تقود نحو فيزياء جديدة
ترجمة: آية شميس
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: لبنى حمزة