تقدم ممارسة الرياضة باعتدال وتوازن فوائد عدة لصحة القلب، لكن الإفراط في التمرين ربما يسبب حدوث ظاهرة القلب الرياضي، التي قد تجلب معها كثيرًا من المخاطر.

يؤكد الأطباء السريريين والعلماء ومسؤولو الصحة العامة فوائد التمرين وممارسة الرياضة، ودورهما الأساسي في تحسين جودة حياة كل إنسان. يساعد التمرين في تعزيز اللياقة البدنية، وبناء عضلات وعظام أقوى، وتقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، وتحسين المزاج، وإبطاء تراجع القوة الجسدية.

يقلل التمرين بدرجة كبيرة خطر الإصابة بعدد من اضطرابات الجهاز القلبي الوعائي الخطيرة، مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول والبدانة. مع ذلك، فإن ممارسة التمارين بإفراط على المدى الطويل قد تؤذي القلب أيضًا، ما يؤدي إلى الإصابة باضطراب القلب الرياضي.

يقول ويليام كورنيل، مدير قسم الأمراض القلبية الرياضية في كلية الطب البشري بجامعة كولورادو أنشوتز، إنه كثيرًا ما يُسأل عن نوع التمارين الرياضية التي ينبغي ممارستها للحصول على أفضل نتائج صحية وقدر تلك التمارين. يستفسر الناس أيضًا كثيرًا عن مخاطر الرياضة ونتائج التمرين المفرط.

توصي جمعية القلب الأمريكية بممارسة التمارين الرياضية معتدلة الكثافة مدة 150 دقيقة أسبوعيًا مثل المشي، أو 75 دقيقة من التمرينات الرياضية عالية الكثافة مثل الركض. توصي أيضًا بممارسة التمارين التي تقوي العضلات وتزيد كتلتها مرتين أسبوعيًا على الأقل.

يُجري القلب بعض التعديلات على نفسه بوصفها ردة فعل لتجاوز المرء التوصيات الآمنة، تتمثل هذه التعديلات بتغير شكله وحجمه. قد تتأثر وظيفة القلب وفعاليته أيضًا بذلك. تعرف التعديلات التي يجريها القلب على بنيته ووظيفته لدى من يمارسون التمرينات بإفراط بظاهرة القلب الرياضي.

ما القلب الرياضي؟

ينبغي معرفة نوعية التمارين الرياضية التي يمارسها المرء، في سبيل فهم كيفية تأثيرها في القلب. تقسم التمارين الرياضية إلى فئتين أساسيتين: التمارين الديناميكية والسكونية.

تتطلب التمارين الديناميكية، مثل الجري والتزلج وكرة القدم، أن يضخ القلب كمية أكبر من الدم مقارنةً بالكمية التي تصل إلى أنحاء الجسم في الحالة العادية، في سبيل مواصة النشاط. مثلًا عند الجري، تزيد كمية الدم التي يضخها القلب نحو ثلاثة إلى خمسة أضعاف مقارنةً بوقت الراحة.

بالمقابل، تتطلب التمارين السكونية، مثل رفع الأثقال والجمباز والتسلق، أن يستعين الجسم بقوة العضلات الهيكلية في سبيل سحب أو دفع أوزان ثقيلة. تعتمد هذه التمارين الرياضية على قوة العضلات الهيكلية وقدرتها على تحريك الأوزان الثقيلة، إذ يضخ القلب كميات أكبر من الدم إليها.

تمثل بعض التمارين، مثل التجديف وركوب الدراجة، مزيجًا من النوعين، إذ تتطلب أن يضخ القلب كميات كبيرة من الدم لتأمين احتياجات الجسم، وتأمين القوة العضلية اللازمة لذلك أيضًا.

تكمن ضرورة التفريق بين نوعي التمارين الرياضية الديناميكية والسكونية في فهم كيفية تأقلم القلب مع نمط التمرين الذي يمارسه المرء بمرور الوقت. تزيد التمارين الديناميكية من كمية الدم التي يضخها القلب في أنحاء الجسم، ما قد يؤدي إلى تضخمه أو توسعه مع الوقت. في حين تزيد التمارين السكونية الضغط المطبق على القلب، مسببةً بذلك تضخمه وازدياد سماكة جدرانه.

من الأشخاص المعرضون لخطر الإصابة بالقلب الرياضي؟

قد يؤدي الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية إلى حد تجاوز التوصيات إلى الإصابة بالقلب الرياضي، أي التمرن مدةً تتجاوز الساعة معظم أيام الأسبوع. يشيع اضطراب القلب الرياضي بين لاعبي رياضات التحمل، والذين يشاركون دوريًا في سباقات الماراثون وغيرها من النشاطات طويلة المدة. إذ يتمرن كثير منهم ساعات يوميًا، حتى 12 – 15 ساعة أسبوعيًا.

مثلًا، يعدل القلب لدى العدائين خصائصه نتيجة الحاجة الدائمة إلى ضخ كميات كبيرة من الدم إلى أنحاء الجسم. تتضخم حجرات القلب حتى تجمع وتضح كمية دم أكبر. يعدّل القلب نفسه بطريقة أخرى لدى حاملي الأثقال، بزيادة ثخانة جدرانه للتعامل مع الضغط الزائد المطبق عليه.

تُعرف التمارين الرياضية بفوائدها الصحية، وينتج اضطراب القلب الرياضي من التزام المرء بممارسة نمط مفيد من الرياضة على مدى حياته. قد يسبب القلب الرياضي مع ذلك بعض المشكلات الصحية.

الرياضيون الذين يعانون تضخم عضلة القلب أكثر عرضة لخطر الإصابة بالرجفان الأذيني، وهو اضطراب في ضربات القلب يشيع بين كبار السن، ومرضى ارتفاع ضغط الدم الشرياني، ومرضى الفشل القلبي. تكمن خطورة اضطرابات النظم في احتمالية تطورها إلى نوبة قلبية.

قد تسبب عدة حالات إصابة الرياضيين بالرجفان الأذيني. مثلًا، قد يصاب الأذين المتوسع بالالتهاب أو بالتندب، ما يزيد خطر إصابته بالرجفان الأذيني. قد يعرض كل من التوتر والعوامل البيئية أيضًا المرء لخطر أكبر للإصابة باضطراب النظم.

أيضًا يثير تكلس الشريان التاجي القلق نتيجة انتشاره بين الرياضيين. يزيد تكلس الشريان التاجي، الذي يشيع بين كبار السن ومن يواجهون خطر الإصابة بمرض الشريان التاجي، خطر الإصابة بالجلطات أو النوبات القلبية. استعان الأطباء في السنوات الأخيرة باختبارات التصوير لمراقبة تراكم الكلس في شرايين مرضاهم، لمحاولة تقدير خطر إصابتهم بالنوبات القلبية أو الجلطات بمرور الوقت.

ما زال السبب وراء إصابة الرياضيين بتكلّس الشريان التاجي غير معروف. لحسن الحظ، لا يزداد خطر إصابة الرياضيين بالنوبات القلبية، رغم ارتفاع مستويات تكلس الشريان التاجي لديهم. بينت دراسة كبيرة أن الرياضيين الذين يمارسون التمارين الرياضية بإفراط وهم مصابون بتكلس الشريان التاجي الشديد، لا يواجهون خطرًا متزايدًا للوفاة نتيجة الإصابة بأمراض الجهاز القلبي الوعائي، على مدى عشر سنين من المتابعة.

يراود القلق بعض الرياضيين بشأن تراكم الكالسيوم في شرايين القلب لديهم، وهل تناول بعض الأدوية مثل الستاتينات أو الأسبرين مفيد؟ يُنصح هؤلاء باستشارة الطبيب المختص، إذ يختلف خطر تطور التكلس إلى نوبة قلبية بين شخص وآخر.

ممارسة التمارين الرياضية ممارسة صحيحة:

الرياضيون أكثر عرضة لخطر الإصابة بالقلب الرياضي، لا يمكن رغم ذلك إنكار حقيقة أن التمارين الرياضية واحدة من أفضل الأساليب لتحقيق الأهداف الصحية، إن لم تكن الأفضل.

يصاب القلب بالتيبس ويفقد قدرته على ضخ الدم بالكفاءة ذاتها التي اعتادها سابقًا، إذا توقف المرء عن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام لفترة طويلة. يفيد التمرن بانتظام، خصوصًا الرياضات الديناميكية مثل الجري، في الحفاظ على فعالية القلب وكفاءته وحمايته من الجمود. يتوسع القلب المرن أكثر من الحد الطبيعي عند تعبئة حجراته بالدم، ويضخ كمية أكبر منه إلى أنحاء الجسم في كل نبضة. يواجه القلب المتيبس من ناحية أخرى صعوبة في ملء حجراته بالدم وضخ الكمية الكافية إلى الجسم.

تعزز ممارسة التمارين الرياضية عمومًا قدرة القلب في الحفاظ على قوته ومرونته حتى مع التقدم في العمر. قد يتمكن المرء من عكس بعض تأثيرات الشيخوخة، حتى وإن بدأ ممارسة التمارين الرياضية بانتظام في العقد الرابع أو الخامس من عمره.

أشارت دراسة أجريت عام 2018 وتضمنت 53 مشاركًا قليلي الحركة في بدايات العقد السادس من عمرهم إلى أن المشاركين الذين التزموا ببرنامج تمرين رياضي لمدة سنتين، يمارسون فيه مزيجًا من رياضات الجري وركوب الدراجة والآلات الرياضية، تعززت لديهم كفاءة القلب ومرونته مقارنةً بغيرهم الذين لم يلتزموا بالتمرين.

لا يفوت الأوان أبدًا على بدء ممارسة الرياضة. يساعد اتباع توصيات التمرن بانتظام على تعزيز الصحة الجسدية والنفسية، إضافةً إلى الحفاظ على مرونة القلب وفعاليته طوال الحياة.

اقرأ أيضًا:

أيهما أفضل التمدد قبل التمرين أم بعده؟

الشعور بالإنهاك بعد التمرين، إليك ما يجب تناوله للتقليل من الالتهاب

ترجمة: رهف وقاف

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: باسل حميدي

المصدر