لماذا تفضل النساء الأصوات الرجالية العميقة ولماذا يفضل الرجال الأصوات النسائية الحادة؟
الانجذاب لشخص ما جسديًا كان يبدو وكأنه أمر طائش وعشوائي لا يخضع لأي قواعد، إلا أنه في السنوات الأخيرة قام العلم بإخبارنا أن أذواقنا التي تكون التعسفية في ظاهرها هي غالباً ما تعكس خيارات اللاوعي لدينا المعتمدة على صفات بيولوجية مرتبطة.
بشكل عام نجد الوجوه المتناظرة أكثر جاذبية، وذلك من المحتمل لأنها تعكس لنا مورثات صحية كامنة، المرأة –بشكل نموذجي- تفضّل الرجال ذوي بنية الوجه العضلية المتميزة لأن هذه الوجوه تشير إلى مستويات مرتفعة من التستوستيرون والقوة البدنية، بينما يفضّل الرجال النساء ذات الملامح الطفولية الشديدة وذلك من الممكن أن يكون بسبب الامتيازات التطورية التي يحصل عليها الرجل عندما يتقابل مع أنثى أصغر منه.
قام العلماء بالبحث قليلًا عن تفضيلاتنا السمعية حينما يتعلق الأمر بالانجذاب الجنسي بصرف النظر عن المظاهر البصرية، لماذا نجد أصوات بعض الناس جذابة ولماذا نجد بعض الأصوات الأخرى غير جذابة؟ أو بشكل خاص: لماذا تفضّل النساء الرجال ذوي الأصوات العميقة ولماذا يفضّل الرجال النساء ذوات الأصوات العالية؟
التفسير بسيط جدًا: كل ذلك متعلق بحجم الجسم، باحثون من جامعة لندن وجدوا أنه على الأقل من خلال عينة مؤلفة من 32 مشاركًا، فالأصوات النسائية العالية كانت جذابة لأنها تشير إلى أن المتحدث لديه جسد صغير، والأصوات الرجالية العميقة حكم عليها بأنها أكثر جاذبية لأنها أشارت إلى أن المتكلم لديه جسد أكبر، ولكن وجدوا أن هذه الأصوات تصبح أكثر جاذبية عندما تم تخفيفها بقليل من الهمس؛ الأمر الذي يشير إلى أن المتحدث لديه مستويات منخفضة من العدائية على الرغم من حجمه الكبير.
مجموعة الباحثين التي يقودها (Yi-Xu) اكتشفت ذلك عن طريق تشغيل تسجيلات لأصوات تم التلاعب بها رقميًا وإسماعها للمشاركين، استمع الرجال في الدراسة إلى صوت نسائي حاسوبي يقول عبارات مثل “I owe you a yo-yo”، هذه الأصوات التي تم التلاعب بها عن طريق عدد من التعديلات الرقمية على مستوى درجة الصوت وتواتره “قمم ووديان معينة في طيف التواتر الصوتي” وغير ذلك من الصفات الصوتية.
التعديلات المحددة على الأصوات سواء إذا أشارت إلى حجم أصغر أو أكبر للجسم فهي مبنية على بحث سابق يجمع بين صفات مختلفة للصوت مع أحجام الجسم المختلفة عند الإنسان، وعندما طلب من المشاركين أن يقوموا بتقييم جاذبية الأصوات على مقياس من 1 إلى 5 فضّل الرجال الأصوات التي تشير إلى إناث أصغر، على الرغم أنه بعد نقطة معينة فالأصوات النسائية العالية تمّ اعتبارها بأنها ليست أكثر جاذبية من الأصوات الأعمق منها.
التفضيلات الصوتية للنساء كانت مشابهة ولكنها كانت أكثر تفصيلًا بقليل، فهن بشكل عام يفضلن الأصوات العميقة التي تشير إلى حجم جسم كبير، إلا أن هنالك صفة صوتية أخرى كانت ذات تأثير: الهمس، حيث افترض الباحثون أن هذا الهمس يأخذ حافة خروج الصوت بشكل فعّال، جاعلًا من الرجال ذوي البنية الضخمة أقل عدائية وعصبية. سأل الباحثون المشاركين أيضًا فيما إذا كانوا قد وجدوا أن الأصوات المستخدمة كانت سعيدة أم حزينة، الأصوات العميقة الهامسة الذكورية كانت بشكل عام ينظر لها على أنها أكثر سعادة وأقل عصبية مقارنة بالأصوات الأقل عمقًا وهمسًا.
يقول الباحثون أن هذه النتائج تتوافق مع معظم ما نعرفه عن تفضيلات الصوت في بقية المملكة الحيوانية، فكما تبيّن أن الطيور والثدييات الأخرى كانت معروفة منذ فترة بأنها تعلن عن صفاتها الجسدية عن طريق صفات أصواتها التي تستخدمها في نداءات التزاوج.
وهنا لدينا سؤال واضح يطرح نفسه: لماذا يفضل الرجال النساء الأصغر، بينما تقوم النساء بتفضيل الرجال الأضخم في المقام الأول؟ ولا يحاول الباحثون معالجة هذا السؤال، لكن هذه الازدواجية تعكس الازدواج الشكلي الجنسي الموجود في معظم الأنواع الحيوانية، هذه الاختلافات بشكل عام تنتج من اختيار الجنسية الذي يعطي حافزًا لاستراتيجيات التزاوج المختلفة، وفي هذه الحالة فإن تفضيلاتنا الصوتية تشير إلى أن النساء تستفيد من التزاوج مع رجال أكبر وأقل عدوانية، بينما يستفيد الذكور من التزاوج مع إناث أصغر حجمًا.
وفي نفس الوقت، فالشيء الذي نعتبره جذابًا يختلف بشكل كبير مع مرور الوقت، فعلى سبيل المثال العشرات من تماثيل فينوس العائدة لعصور ما قبل التاريخ التي اكتشفت في جميع أنحاء العالم تعكس تصويرًا حسيًا للغاية للشخصية النسائية.
لذلك إذا ما قمنا بفحص ما يفضله كل البشر خلال التاريخ، فقد نجد اتجاهًا أقل وضوحًا، فهذا التفضيل للصوت الأنثوي الدال على صغر الحجم وللصوت الذكوري الدال على كبر الحجم؛ قد يكون مجرد قطعة أثرية من مفاهيمنا الثقافية المعاصرة حول الجاذبية، بدلًا من أن يكون اختيارًا تطوريًا عميق الجذور.
- إعداد: أنس حاج حسن
- تدقيق: دانه أبو فرحة
- المصدر