كم عدد النساء غير المغايرات تمامًا؟
تشكل النساء اللاتي حددن توجههن الجنسي بأنهن مغايرات (ينجذبن للجنس الآخر) ثاني أكبر مجموعة في البلدان التي تتوفر فيها بيانات حول التوجهات الجنسية لسكانها، ويقل عددهن عن الرجال المغايرين قليلًا فحسب في أكثر الدراسات الاستقصائية الوطنية، ووفقًا لدراسة استقصائية أُجريت في 28 بلدًا فإنهن يشكلن نحو 90% من تعداد الإناث في هذه البلدان، وتكون النسبة عادةً أعلى في البلدان ذات المفاهيم التقليدية عن الأنوثة التي تمنع الانخراط في سلوكيات مثلية، ولكن كان هذا صحيحًا فقط في الدراسات التي أعطت النساء خيارين آخرين فقط بديلًا للهوية الجنسية المغايرة، وهما ازدواج التوجه الجنسي أو المثلية، ولم يُسألن عمن ينجذبن إليه جنسيًّا أو مع من كن يمارسن الجنس.
إذن هل هذه النسبة حقيقية أم مبالغ في تقديرها؟ نعم، وكما هو الوضع عند الرجال، يوجد مبالغة في أعداد الأشخاص المغايرين عمومًا، ولكن المبالغة أكبر عند النساء، فعندما يُتاح للنساء اختيار الهوية الجنسية من اختيارات أكثر تتجاوز الخيارات التقليدية الثلاثة (مغايرة، أو مزدوجة التوجه الجنسي، أو مثلية)، فإن أكثرهن يخترن المغايرة رغم علمهن بأن ذلك غير دقيق، ولكن إذا مُنِحنَ خيارات إضافية، مثل: مغايرة مرنة أو جامعية الجنس أو حرة الجنس أو انسيابية الجنس أو متسائلة بشأن الهوية الجنسية أو لا جنسية، فإنهن يخترن عادةً أحد هذه الخيارات التي تعكس على نحو أكثر ملاءمة توجههن الجنسي ورغباتهن الرومانسية وتفضيلاتهن حول الجنس.
وإضافةً إلى ذلك، عندما يُقيَّم التوجه الجنسي على أساس الانجذاب الجنسي أو السلوك الجنسي وليس على أساس الهوية الجنسية، تتناقص كثيرًا نسبة النساء اللاتي يعرّفن أنفسهن بأنهن مغايرات، مثلًا في دراسة سابقة شملت عدة بلدان، عبّر 66% فقط من النساء أنهن «غالبًا لا ينجذبن إلى الجنس نفسه»، ما يعني أن هذه المجموعة -النساء المغايرات- تضم 24% ممن لديهن درجة طفيفة من الانجذاب لنفس جنسهن، وفي الوقت نفسه لا يصفن أنفسهن بمزدوجات التوجه الجنسي، باعتباره توجهًا مثليًّا زائدًا عما يمثلهن، وإذا أُعطين خيارات أخرى فمن المرجح أنهن قد يخترن اختيارًا آخر. وتتوفر بيانات مؤيدة لذلك في دراستين من عام 2012 لشابات بالغات، إذ ذكرت 16% من المشاركات في الولايات المتحدة و13% من المشاركات في بريطانيا أنهن ينجذبن: «غالبًا إلى الجنس المغاير ولكن أحيانًا إلى نفس الجنس».
وبالنظر إلى السلوك الجنسي وُجدت ميول مماثلة، ففي دراسة بريطانية ذكر 15% من الشابات البالغات أنهن مارسن الجنس «مع الرجال غالبًا، ومرة واحدة على الأقل مع النساء»، وبلغت هذه النسبة 6% بين النساء الأكبر عمرًا، بين 35 و74 عامًا. وتنتشر نتائج مشابهة لهذه النتائج في دراسات وطنية في بلدان أخرى، أي أن عددًا من النساء اللاتي يحددن هويتهن الجنسية على أنهن مغايرات مارسن الجنس مع نساء، وهذا أكثر شيوعًا بين الأجيال الشابة.
الخلاصة
تذكر العديد من النساء درجة عالية من الانجذاب الجنسي لنساء أو السلوك الجنسي مع نساء أو كليهما معًا، ومع ذلك فإنهن يخترن لأنفسهن هوية المغايرة لأنه أقرب خيار متاح في الدراسات الاستقصائية بشأن الهوية الجنسية، لذلك يصعب إلى حد ما تحديد العدد الحقيقي للنساء المغايرات وغير المغايرات تمامًا، لكننا نعرف أن نسبة المستعدات للاعتراف بأنهن لسن مغايرات تمامًا أكبر بكثير من نسبة المستعدين للاعتراف بذلك عند الرجال. فإذا أعطيت النساء خيارات متعددة أو أسئلة مفتوحة لتحديد توجههن الجنسي، بما في ذلك خيار (اللاتوجه)، فمن المتوقع أن ينخفض كثيرًا عدد النساء اللاتي يعرفن أنفسهن بأنهن مغايرات.
لم هؤلاء النساء لسن مغايرات تمامًا؟
نحن حقًا لا نعرف، ولكننا نعرف أنهن موجودات. فيما يلي عدة فرضيات مرتبة من الأقل إلى الأكثر ترجيحًا (أي أن 1 هو الاحتمال الأضعف و5 هو الاحتمال الأقوى)، وفقاً لما يمكن فهمه من الدراسات المنشورة:
1. تولد جميع النساء مزدوجات التوجه الجنسي، ويتلقين رسائل نفسية واجتماعية منذ سن مبكرة، وقد تكون هذه الرسائل مؤيدة للأنوثة (فتنجذب إلى الرجال) أو مناهضة للأنوثة (فتنجذب إلى النساء)، حسب التحليل النفسي التقليدي traditional psychoanalytic.
2. لا تملك النساء توجهات بيولوجية جنسية، ويستجبن للضغط الثقافي والاجتماعي المعاصر، وفق الباحث بيلي Bailey.
3. تنشر وسائل الإعلام الشائعة جسد المرأة بشكل مثير جدًّا، ولذلك قد تستثار المرأة عند مشاهدة صور محفِّزة جنسيًّا لامرأة أخرى، وفق الباحثة شيفرز Chivers.
4. تُظهِر النساء مرونةً جنسية ويستجبن لمؤثرات خارجية، مثل العوامل الاجتماعية والثقافية، وغيرها من العوامل المحيطة (على غرار العوامل المذكورة في النقطة رقم 2، وإن كانت الإثارة الجنسية تُعَد عاملًا بيولوجيًّا)، وفق الباحثة شيفرز Chivers.
5. إن النساء على اتصال بعواطفهن وأحاسيسهن الجسدية بدرجة تجعلهن يصبحن واعيات بمجموعة من المحفزات الجنسية المثيرة، بصرف النظر عن الجنس البيولوجي أو التعبير عن النوع الجنسي. ولأن النساء أقل عرضةً للوصم الاجتماعي أو الثقافي تجاه الحياة الجنسية المثلية مقارنةً بالرجال، يُصبحن أكثر تحررًا في سلوك مسارات مستقلة، وفق الباحث Savin-Williams.
الخلاصة
مع أنه يصعب يقينًا تحديد عدد النساء غير المغايرات تمامًا اللاتي يعرفن أنفسهن بأنهن مغايرات، فمن المرجح أن يكون المعدل أعلى من مثيله عند الرجال، وأقل في الأجيال الأكبر سنًا، لكن المرجح أن نحو 50% من الإناث في الولايات المتحدة مغايرات تمامًا، وهي أكبر مجموعة توجه جنسي بين النساء.
إذا كان لدى هذا العدد الكبير من النساء (والرجال) درجة ما من الانجذاب والسلوك المثلي، فلمَ كل هذه المواقف السلبية تجاه من يعبرون عن ذلك في هويتهم الجنسية؟
اقرأ أيضًا:
دراسة على نصف مليون شخص تفشل في إيجاد جين محدّد يسبب المثلية الجنسية
ما حقيقة الدراسة التي تقول بأنه لا يوجد أحد خالٍ من بعض الميول المثلية؟
ترجمة: فابيان أيوب
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: أكرم محيي الدين