أصدرت الحكومة البريطانية تعليمات جديدة، ببقاء الأشخاص الذين يعانون السعال في منازلهم، لكنها لم تصل إلى حد الإجراءات الصارمة مثل حظر التجمعات الكبيرة وإغلاق المدارس كما فعلت بعض الدول المجاورة. أثار هذا موجة انتقادات في بعض الجهات، قبل أن يتحدث كبير المستشارين العلميين في المملكة المتحدة ، باتريك فالانس، لتفسير الهدفين الرئيسيين لهذه الاستراتيجية، وصرح أنه يعتزم إتاحة النماذج التي تستند إليها هذه القرارات للتدقيق العام.
قال فالانس: «إن الهدف الأول هو تسطيح منحنى الوباء (أي تقليل معدل الانتشار)، كي لا يحدث ضغط كبير على نظام الرعاية الصحية في وقت محدود. الهدف الثاني هو حماية الأشخاص الأكثر عرضةً للخطر بين السكان. وبذلك نحصل على مناعة القطيع herd immunity، إذ يتعافى المصابون من المرض ويصبحون منيعين، ما يقلل من انتقال العدوى».
لكن يخالف ذلك نهج منظمة الصحة العالمية، التي طالبت البلدان باتخاذ إجراءات عاجلة وصارمة.
صرح مارك وولهاوس من جامعة إدنبره بالمملكة المتحدة، أنه يدعم قرارات الحكومة البريطانية، لأنه يؤمن بكونها أكثر استدامةً من نهج منظمة الصحة العالمية، الذي يسعى إلى القضاء على الفيروس بالكامل، مثلما حدث مع فيروس سارس، بدلًا من التكيف مع الفيروس الذي قد يؤدي إلى استمرار وجوده.
يقول وولهاوس: «أعتقد أنه في مرحلة ما، ستضطر منظمة الصحة العالمية إلى تغيير نهجها إلى ما يشبه نهج الحكومة البريطانية، وليس العكس».
توقع العديد من خبراء الصحة العامة تدخلات أكثر صرامة، إذ أشارت هيلين وارد من جامعة لندن الملكية إلى أن الحديث عن مناعة القطيع مقلق ومشتت للانتباه عن الهدف الحيوي الأهم وهو تسطيح منحنى الوباء.
وقالت: «من الغريب اعتماد (مناعة القطيع) استراتيجيةً للسيطرة دون وجود لقاح»، وإنْ كان كبار السن في أمان، سيظل الملايين عرضةً للإصابة بالمرض.
وقالت وارد: «يشبه الأمر بالفعل تلقي لكمة بالفك، عليك أن تتلقاها وتتخطى الأمر (في إشارة إلى عبارة رئيس الوزراء بوريس جونسون)، هذا سيسبب انهيار نظام الرعاية الصحية. لا يعني هذا أن الحكومة متهورة، لكننا في وضع محير».
ترى ديفي سريدار من جامعة إدنبره، أن نهج الحكومة البريطانية خطأ، وقالت: «أظهرت دول أخرى أن السرعة أمر بالغ الأهمية، وأنه يوجد حل وسط بين الانغلاق الكامل وبين الاستمرار الطبيعي»، وذكرت إجراءات مثل حظر التجمعات العامة الكبيرة والسفر غير الضروري، وأن يسمح أصحاب الأعمال بالعمل من المنزل.
قال فالانس، مدافعًا عن اختيار الحكومة عدم اتخاذ تدابير أقوى: «أحد الأسباب هو أن عموم الناس سيُرهَقون، وقد ينخفض الالتزام مع اقتراب ذروة الوباء».
تعارض وارد ذلك، استنادًا إلى خبرتها في التعامل مع فيروس نقص المناعة البشرية، الذي أظهر استعداد الناس للالتزام بالإجراءات عندما يكون مجتمعهم في خطر: «عند وجود أزمة صحية حقيقية، تتعاظم قدرة الناس على الالتزام وحسن التصرف».
تطلع البعض إلى ما فعلته الصين، لمعرفة كيف ومتى يجب أن تتخذ المملكة المتحدة إجراءات أكثر صرامة، وأظهرت دراسة منشورة نجاح تدابير العزل الاجتماعي المفروضة في ووهان، حيث بدأ تفشي فيروس كورونا.
لكن بسبب اختلاف التركيبة السكانية، ليس من الضروري أن ينجح نقل تلك التجربة إلى بلدان أخرى. قالت بيترا كليباك من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي (LSHTM): «نجحت تدابير ووهان بالفعل، لكن الأمر مرتبط بطبيعة المكان».
يرى أنتوني كوستيلو من جامعة لندن، أن نموذج الصين وكوريا الجنوبية يدل على فعالية إجراء العزل الاجتماعي، وأن المملكة المتحدة يجب أن تفعل المثل، وأضاف: «نحن ننتقد سياسات الدول الأخرى، دون اتخاذ أي إجراء في سبيل العزل الاجتماعي».
من الأمور المثيرة للتساؤل مدى شفافية المملكة المتحدة فيما يخص الأدلة التي تدعم قراراتها. يرى آدم كوشارسكي من (LSHTM) أن الحكومة البريطانية بحثت عدة نماذج من عدة جامعات بالمملكة المتحدة، لتأسيس قاعدة بيانات قوية قدر الإمكان، لدعم كافة القرارات الصعبة.
مع ذلك عبّرت وارد عن رغبتها في رؤية المزيد من الانفتاح، قائلة: «من المعروف أن القائمين على إسداء النصح للحكومة مقيّدون بما يُسمح بمشاركته، وتلك هي المشكلة، لأن الأمر يتطلب مزيدًا من الشفافية».
وردًا على سؤال لِمَ لَمْ تنشر الحكومة حتى الآن النماذج التي بُنيت عليها القرارات، قال المتحدث باسم المكتب الحكومي للعلوم: «نحن نحترم ضرورة النشر، ونتفق معها فيما يخص الدقة العلمية والشفافية، وسنعمل على نشر هذه النماذج».
ارتفع عدد الحالات الإيجابية في المملكة المتحدة إلى 798 حالة، وهو أكبر ارتفاع يومي حتى الآن.
اقرأ أيضًا:
ارتداء الجميع للأقنعة والقفازات لن يوقف انتشار فيروس كورونا بل سيسرع انتشاره
نصائح عملية للوقاية من فيروس كورونا.. الوقاية بسيطة ولسنا بحاجة إلى الهلع
ترجمة: آية وقاف
تدقيق: إبراهيم قسومة
مراجعة: أكرم محيي الدين