تعامل أكثرنا مع الليزر في وقت ما، فالمحاسب يستخدمه في المتجر لمسح الرمز الموجود على السلعة التي تشتريها، ويستخدمه المعلم لجذب انتباه الطلاب إلى نقاط محددة في العرض التقديمي، ويستخدمه مالكو القطط للعب مع قططهم وتصويرها في فيديوهات لطيفة على يوتيوب، وهي الطريقة الأكثر شعبية لاستخدام الليزر.
لقد اعتدنا وجود تلك البقعة الحمراء في كثير من مجالات الحياة، ما يجعلنا نفكر، لماذا حمراء؟ يتكون الضوء الطبيعي من 7 ألوان يتحلل إليها عندما يمر عبر المنشور، فهل مؤشرات الليزر تعطينا أحد تلك الألوان السبعة؟
اختصارًا نقول أنه من السهل إنتاج مؤشرات ليزر تصدر ضوءًا أحمر مقارنةً بأي لون آخر، وقد صُنعت مؤشرات ليزرية بألوان أخرى بالفعل، لكن المؤشرات الليزرية الحمراء تظل الأفضل اقتصاديًّا، ومن ثم الخيار الأفضل للإنتاج الكمي الأكثر شيوعًا في المتاجر.
لكن لماذا يُعَد إنتاج المؤشرات الليزرية حمراء اللون أرخص من سواها؟ لنفهم ذلك، دعونا نرَ ما المؤشرات الليزرية وكيف تعمل.
ما الليزر ؟
الليزر مصدر ضوئي مُركّز بشدة، مُضخَّم السطوع، في الواقع كلمة ليزر Laser هي اختصار لعبارة (تضخيم الضوء بواسطة الانبعاث المُستحَث للإشعاع).
ينبعث الليزر عندما تنشَط إلكترونات بعض المواد كالزجاج والكريستال والألماس. بامتصاص الطاقة من التيار الكهربي، تقفز الإلكترونات النشطة التي اكتسبت الطاقة من مستوى طاقة أدنى إلى مستوى طاقة أعلى في الذرة، وعندما تعود إلى حالتها الأصلية، تتحرر الطاقة في صورة فوتونات. تميل جميع الإلكترونات التي أُطلِقَت في هذا التفاعل إلى أن تكون متماسكة، أي أن قمم كل طول موجي للضوء وقيعانه ترتبط معًا، لذلك تكتسب نفس اللون.
كلما أمددنا الزجاج أو الكريستال بطاقةً أعلى، أصبح عدد الإلكترونات النشطة أكبر، وتُعرف هذه العملية بعملية الضخّ. تنتقل الإلكترونات دفعةً واحدة إلى مستوى طاقة أعلى، ثم تعود إلى المستوى الأصلي، تؤدي عملية الانعكاس هذه إلى ضخ كم أكبر من الطاقة، وخلق كميات متتالية من الضوء، ويُعرَف ذلك باسم الانبعاث المستحثّ Stimulated Emission، ثم تُوجَّه هذه الطاقة نحو نقطة معينة، لتصبح ضوءًا ليزريًّا.
من اخترع الليزر؟
ابتكر الفيزيائي ثيودور مايمان Theodore Maiman أول حزمة ليزر في أثناء عمله في مختبرات هيوز Hughes Research Laboratories بمدينة ماليبو سنة 1960، استخدم مايمان في جهازه قضيبًا من الياقوت المُصنَّع، مُغطى بالفضة عند طرفيه، ومُقتطع بطريقة تسمح لحزمة الضوء أن ترتد بداخله، منتجةً سطوعًا قبل أن تخرج من الطرف الآخر، يُصدر هذا الجهاز حزمةً ضيقة ساطعة من الضوء بطول موجي 694 نانومتر.
سرعان ما أصبح الليزر مُصطلحًا مشهورًا، وكان (حلاً لمشكلة لم نعثر عليها بعد)، فلم يكن العلماء قد اكتشفوا الإمكانات الهائلة التي سيتيحها هذا الاختراع، وقد رفضت مجلة Physical Review Letters ورقته البحثية آنذاك، في حين وافقت دورية Nature على نشر الاكتشاف الذي قاد فيما بعد إلى ما سُميَ «ثورة الليزر».
كيف تعمل مؤشرات الليزر المختلفة؟
يستخدم العلماء طرقًا متعددة لإنتاج الليزر بألوان مختلفة، يُصدَر الليزر الأحمر باستخدام صمام ثنائي شبه موصل بسيط لإصدار الضوء، يتكون من نوعين من أشباه الموصلات يوضع أحدهما فوق الآخر، النوع العلوي عادةً من زرنيخ الغاليوم وهو مادة فقيرة للإلكترونات وتُسمى شبه موصل من النوع p، والنوع السفلي من زرنيخ الغاليوم مع السيلينيوم وهو مادة غنية بالإلكترونات تُسمى شبه الموصل من النوع n. تُثبت هاتان المادتان مع بعضهما في صمام ثنائي (ديود)، وتكونان بذلك وصلة p-n.
عندما يمر التيار عبر وصلة p-n، تُثار الإلكترونات من شبه الموصل نوع p وتملأ الثقوب في شبه الموصل نوع n، إن قمتي الوصلة p-n مغطاتان بطبقة من الفضة، تُحرر الإلكترونات المثارة الفوتونات التي تنحصر في وصلة p-n وتستمر بإصابة ذلك السطح المُغطى بالفضة، وكما شرحنا سابقًا، يحدث في النهاية الانعكاس في وصلة p-n، ما يقود إلى حدوث الانبعاث المُستحث، وينبثق الضوء الليزري من الوصلة.
لماذا أكثر المؤشرات الليزرية حمراء اللون؟
يميل الليزر المنبثق من الصمام الثنائي (الديود) شبه الموصل في هذه المؤشرات إلى أن يكون في مجال الطول الموجي 700-800 نانومتر، أي أن لونه في المجال بين البرتقالي والأحمر.
اقترح العلماء ألا يكون الليزر أحمر بل أخضر اللون، ليكون مصدرًا ضوئيًّا مميزًا للعين البشرية، لأن توهجه أشد سطوعًا ويمكنه أن يصل إلى مسافات أكبر مقارنةً مع أجهزة الليزر ذات اللون الأحمر، لكن لكي ننتج أجهزة ليزر بلون أخضر، يجب أن يكون طول موجة الضوء المنبثق أقل من 600 نانومتر، أي أقصر من الطول الموجي للون الأحمر، ومحاولة إصدار حزمة مُركزة من الضوء في هذا الطول الموجي عملية مُعقدة للغاية.
تُصدر الصمامات الثنائية (الديودات) شبه الموصلة المعيارية ضوءًا ليزريًّا بطول موجي نحو 800 نانومتر، يُركَّز هذا الضوء على بلورة النيديميوم التي تحوله إلى حزمة تحت حمراء بطول موجي نحو 1000 نانومتر، ثم تُمرر الحزمة الناتجة داخل بلورة مخصصة مزدوجة التردد، فتحول الحزمة إلى ضوء أخضر بطول موجي نحو 540-530 نانومتر.
لذلك يتطلب إنتاج ضوء ليزري أخضر بعض المكونات الخاصة، أما الضوء الليزري الأحمر فهو أقل تكلفةً في إنتاجه ويبقى الأكثر تنوعًا وشعبيةً في الأسواق.
اقرأ أيضًا:
تساعد تكنولوجيا الليزر العلماء على فحص ودراسة خلايا السرطان
لأول مرة على الإطلاق، ينتج العلماء ضوءًا ذا نمط هندسي متكرر من الليزر !
ترجمة: فارس بلول
تدقيق: سمية المهدي
مراجعة: أكرم محيي الدين