يجري العلماء أدق القياسات على الأرض على المستوى الذري، بواسطة مبدأ يُسمى التداخل الذري. اليوم وللمرة الأولى يتمكن العلماء من عمل هذا النوع من القياسات في الفضاء بواسطة صاروخ مصمم لحمل المعدات وأجهزة القياس إلى الفضاء القريب من الأرض.
إنها خطوة مهمة نحو استخدام القياسات الذرية في الفضاء في تطبيقات علمية تتراوح من الفيزياء الأساسية حتى الملاحة.
يقول الفيزيائي باتريك وندباسنغر: «وضعنا الأدوات اللازمة على صاروخ لنقل المعدات، وأثبتنا إمكانية إجراء مثل هذه التجارب في الفضاء، إضافةً إلى الأرض».
مبدأ القياس الذري بسيط نسبيًا: تأخذ موجتين متطابقتين وتفصلهما، ثم تعيد جمعهما، وتحتسب الفرق الناتج بين الموجتين -الإزاحة الموجية- لقياس القوة التي سببت هذا الفرق.
يُسمى هذا الأسلوب نمط التداخل، ومن أمثلته الشهيرة مقياس التداخل الضوئي «ليجو» الذي يقيس أمواج الجاذبية بتقنية إزاحة الليزر. إذ يُفصل شعاع الضوء إلى شعاعين كل منهما داخل نفق بطول ميل واحد، وترتد الأشعة عن مرايا عاكسة ثم يُعاد جمعها. يُستخدم نمط التداخل لقياس أمواج الجاذبية الناجمة عن تصادم الثقوب السوداء على بعد ملايين السنين الضوئية.
أما التداخل الذري، أي استخدام السلوك شبه الموجي للذرات، فهو أصعب قليلًا. لكن الميزة إمكانية القياس باستخدام أجهزة أصغر حجمًا، يمكن إرسالها إلى الفضاء بسهولة. يمكن استخدام هذه التقنية لقياس الجاذبية بدقة عالية، ما دفع فريق من الباحثين الألمان إلى العمل سنوات على محاولة تحقيق ذلك.
تتمثل الخطوة الأولى في عمل حالة للمادة تسمى مكثف بوز-أينشتاين، بواسطة تبريد الذرات عند درجة أعلى قليلًا من الصفر المطلق -لكن على ألا تصل درجة الحرارة إلى الصفر حتى لا تتوقف حركة الذرات- ما يؤدي إلى الوصول إلى أدنى درجات الطاقة، وبطء الحركة، والتداخل مع تراكب الكم، إذ تنتج سحابة عالية الكثافة من الذرات تتصرف مثل ذرة فائقة أو موجة مادية.
تُعد هذه اللحظة مثالية لعمل التداخل، لأن كل الذرات تتصرف تصرفًا متماثلًا. تمكن الفريق من إنشاء تكاثف بوز-أينشتاين في الفضاء للمرة الأولى باستخدام الصاروخ التجريبي عام 2017، باستخدام ذرات غاز الروبيديوم.
يقول وندباسنغر: «في رأينا، يُمثل هذا التشكل فائق البرودة بداية واعدة للقياس باستخدام التداخل الذري».
تضمنت المرحلة التالية من البحث فصل الذرات فائقة التراكب ودمجها. أنشأ الباحثون مجددًا تكاثف بوز-أينشتاين للروبيديوم، لكن هذه المرة استخدموا الليزر «لتشعيع» الغاز، ما جعل الذرات تنفصل، ثم تتجمع في حالة تراكب.
أظهرت أنماط التداخل تأثيرًا مباشرًا من الجاذبية الصغرى لصاروخ المعدات، ما يشير إلى اقتراح أنه مع عمل بعض التعديلات، يمكن استخدام التقنية لقياس البيئة بدقة عالية.
الخطوة التالية من البحث، المخطط لها عامي 2022 و2023، ستحاول إجراء الاختبارات باستخدام مكثفات بوز-أينشتاين منفصلة لكل من الروبيديوم والبوتاسيوم، لمراقبة تسارعها خلال السقوط الحر.
ولما كانت كتلة ذرة الروبيديوم والبوتاسيوم مختلفتين، فإن هذه التجربة ستكون مثالية لاختبار مبدأ التكافؤ لأينشتاين، الذي ينص على أن الجاذبية تسبب تسارع جميع الأجسام بالتساوي بصرف النظر عن كتلتها.
اختُبر هذا المبدأ من قبل في الفضاء وعلى سطح القمر، ويُعد من أسس نظرية النسبية، التي لا تصمد عادةً في عالم الكم، ما يجعل التجارب المُخطط لها مثيرة للاهتمام.
وستصبح هذه التجارب أكثر إثارة للاهتمام في المستقبل، مع انطلاق المزيد من الصواريخ إلى رحلات تحت مدارية، إضافةً إلى التخطيط لإجراء تجارب في المدار الأرضي.
يقول الفيزيائي أندريه فنسلاوسكي: «سيكون هذا النوع من التجارب من الأهداف المستقبلية للأقمار الصناعية ومحطة الفضاء الدولية، ومختبر BECCAL الذي هو بمرحلة التطوير حاليًا. وبهذا لن تكون التجربة مقيدة بزمن السقوط الحر المحدود على متن الصاروخ».
وفي غضون سنوات، قد يُستخدم التداخل الذري في تطبيقات مثل الاختبارات الكمية للنسبية العامة، والكشف عن موجات الجاذبية، والبحث عن المادة المظلمة والطاقة المظلمة.
اقرأ أيضًا:
علماء نجحوا بقياس أصغر حقل جاذبية على الإطلاق
كيف ستساهم الساعات الذرية بالكشف عن موجات الجاذبية ( الثقالية ) ؟
ترجمة: رؤوف طيلوني
تدقيق: تسبيح علي
مراجعة: أكرم محيي الدين