هناك القليل من مشكلات الرياضيات المستعصية، مثل فرضية ريمان، التي قُدمت أول مرة عام 1859، وكانت هناك عشرات المحاولات لحلها من قِبل بعض أذكى العقول في الرياضيات حول العالم، لكن جميعها باءت بالفشل. عندما تظهر نتائج الفرضية، فإنها تكون متطرفة بعض الشيء.
لا يتعامل علماء الرياضيات مع المشكلة مباشرةً في الواقع. إذ إنهم لا يعرفون حتى اليوم من أين يبدؤون. بدلًا من ذلك، يجيبون عن أسئلة أخرى أدق ذات صلة بالموضوع، إذ يأملون أنهم إذا أجابوا عن عدد كافٍ من الأسئلة، قد يؤدي ذلك يومًا إلى إثبات نص ريمان الأصلي.
لسوء الحظ، حتى هذه الخطوات الصغيرة كانت نادرة. لذلك عندما نشر اثنان من علماء الرياضيات بحثًا جديدًا، زعما فيه أنهما قد حسّنا نتيجة الفرضية التي ظلت ثابتة أكثر من ثمانية عقود، فليس غريبًا أن ذلك سبّب بعض الدهشة في مجتمع علماء الرياضيات.
ما فرضية ريمان؟
للإجابة عن هذا السؤال طريقتان، اختيار أي منهما يعتمد على سبب سؤالك. الإجابة الأكثر مباشرةً -والأقل فائدة- هي أن فرضية ريمان تخمين من نظرية الأعداد التي تنص على أن جميع أصفار دالة زيتا لريمان تقع على «الخط الحرج» σ = ½.
يتضح وجود بعض المصطلحات الواجب توضيحها، أهمها «دالة زيتا لريمان». إذ تُعرف بأنها الأعداد المركبة -الأعداد التي تحتوي على جزء حقيقي وجزء وهمي- وهي أساسًا مجموع لا نهائي من الكسور المأخوذة من قوة مركبة.
على أي حال، نحن بالفعل نعرف أول عشرة تريليونات من الحلول أو نحو ذلك. لكن هذه هي المشكلة: فكل هذه الحلول تقريبًا عديم الفائدة وغير مهم بالنسبة إلينا، الجزء التالي الأهم من الفرضية هو عندما نقول: «الأصفار غير البديهية».
يتضح وجود مجموعة كبيرة من المدخلات التي تعود قيمتها الكبيرة sum إلى الصفر، أي ζ(s) = 0. بعضها ليس مثيرًا للاهتمام (تحديدًا عندما يكون s عددًا حقيقيًا سالبًا زوجيًا، مثل -2، -4، -6) لذا نسميها بديهية. نحن لا نهتم بتلك المدخلات، لكن الأصفار الأخرى؟ هنا يصبح الأمر مثيرًا للاهتمام.
بقدر ما يمكن لأي شخص أن يكتشف، فإن كل واحد من هذه الأصفار «غير البديهية» يشترك في شيء واحد، هو أن الجزء الحقيقي منه يساوي ½. في الواقع، هذا هو كل ما تقوله فرضية ريمان، إنها العبارة الذي لم تُثبت بعد بأن هذا صحيح دائمًا، أي أن كل صفر غير بديهي في دالة زيتا يقع في مكان ما على «الخط الحرج» لـ s = ½ + iy.
هذه المرحلة من المناقشة ربما تطرح سؤالًا مهمًا للغاية: لماذا يجب أن يهتم أي شخص بهذا؟ حتى الآن يبدو الأمر أشبه بمشكلة متخصصة ومجردة للغاية.
المثير في فرضية ريمان ليس ما تقوله، بل ما تعنيه. كتب عالم الرياضيات ماركوس دوسوتوي من جامعة أكسفورد في كتابه «موسيقى الأعداد الأولية» الصادر عام 2003: «تسعى فرضية ريمان إلى فهم الأشياء الأساسية في الرياضيات، الأعداد الأولية».
«الأعداد الأولية هي اللبنات الحقيقية للحساب، تلك الأعداد غير القابلة للقسمة، التي لا تمكن كتابتها بشكل ناتج ضرب عددين أصغر منها معًا. بالنسبة إلى علماء الرياضيات، فهي مثيرة للدهشة».
عند النظر للوهلة الأولى، لا تبدو كل تلك القيم المعقدة والجموع اللانهائية لها علاقة كبيرة بالأعداد الأولية. إذن ما العلاقة؟ يتعلق الأمر بمسألة مكان ظهور الأعداد الأولية على خط الأعداد، للدقة مدى تكرار ظهورها على طول خط الأعداد.
ربما الأعداد الأولية هي اللبنات الأساسية للرياضيات، لكنها أيضًا أشياء دقيقة جدًا. على عكس الأرقام الزوجية أو الأرقام المربعة، أو حتى الارقام الخارقة للطبيعة، لا توجد طريقة للتنبؤ بمكان أو زمان ظهورها.
كتب دوسوتوي: «يبدو أن الأمور تزداد سوءًا كلما تقدمت في العد. في الواقع، إن تسلسل الأعداد الأولية يشبه سلسلةً عشوائيةً من الأرقام أكثر من كونه نمطًا منظمًا ولطيفًا».
هذه الطبيعة غير القابلة للاختراق دفعت علماء الرياضيات للتعامل مع المشكلة من زاوية مختلفة. ربما لا يمكننا تحديد مكان ظهور الأعداد الأولية بدقة، لكن يمكننا أن نقول شيئًا عن عددها الذي يظهر تحت رقم اعتباطي ما، N: إنه تقريبًا (N/log(N.
لكن ما مدى دقة ذلك؟ هذا هو السؤال الذي تجيب عنه فرضية ريمان. إذ أثبتت أن لكل صفر غير بديهي جزءًا حقيقيًا يساوي ½، وقد وجدت أفضل حد ممكن لهامش الخطأ في هذا التقدير. ذلك شيء مثير للغاية بالفعل.
ما الإنجاز الكبير؟
منذ أن قدم برنارد ريمان لأول مرة فرضيته التي تحمل اسمه، تسابق علماء الرياضيات لإثباتها بطريقة أو بأخرى. رغم العديد من الادعاءات التي نالت اهتمامًا واسعًا وتغطيةً إعلاميةً كبيرة على مر السنين، لم ينجح أحد في إثباتها حتى الآن.
ما تمكنا منه هو تقليص المشكلة. إذ كان ريمان نفسه قادرًا على إثبات أن الأجزاء الحقيقية للأصفار غير البديهية تقع جميعها بين 0 و1، وكان يعلم أيضًا أنها تحمل تناظرًا مرآتيًا حول خط المنتصف. هاتان المعلومتان تحولان نطاق المشكلة من خط الأعداد الحقيقي بالكامل إلى جزء منه، بين ½ و¾.
عام 1940، تعمق عالم الرياضيات البريطاني ألبرت إنجهام في هذه المشكلة، وأثبت وجود حد أعلى لعدد الأصفار التي قد توجد مع جزء حقيقي يساوي ¾. وبدا أننا أحرزنا بعض التقدم في حل هذه المشكلة، ولو ببطء.
بعد ذلك علقنا مرةً أخرى. قال ماكسيم رادزيويل، أستاذ الرياضيات في جامعة نورث ويسترن: «لقد كان أمرًا مخيبًا للأمل، أنه لا يمكن تخفيض هذا الحد. لم يكن هناك أحد يعمل على هذا لأن الجميع استسلم».
الجميع باستثناء جيمس ماينارد، أستاذ نظرية الأعداد في معهد الرياضيات بجامعة أكسفورد، وأحد مؤلفي البحث الأخير. في اجتماع الجمعية الأمريكية للرياضيات عام 2020، لفتت انتباهه فكرة مثيرة للاهتمام: ربما تمكن معالجة المشكلة باستخدام التحليل التوافقي، وهو نوع من الرياضيات يدرس الوظائف بواسطة تمثيلها بشكل ترددات.
كان لقاءً بالصدفة، إذ كان من بين الحضور أيضًا لاري غوث، أستاذ الرياضيات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والخبير في المجال. كان لديه أيضًا حدس بأن التحليل التوافقي قد يُحدث صدعًا في مشكلة ريمان، لكنه صرح لمجلة Quanta بأنه: «لم يكن يعرف نظرية الأعداد التحليلية جيدًا على الإطلاق».
يُعد هذا في الأساس توافقًا مثاليًا في عالم الرياضيات، فقد كانت لدى ماينارد النظرية، ولدى غوث صندوق الأدوات. فهل يمكنهما إيجاد حل لهذه المشكلة التي استمرت 175 عامًا؟
اتضح أن التحليل التوافقي لم يكن الحل السحري المأمول، لكن بصرف النظر، فإن الوقت الطويل الذي أمضياه في التفكير في المشكلة من زوايا جديدة وغير تقليدية قد أثمر.
فبترجمة المشكلة إلى لغة رياضية أخرى، تمكنا من اختصارها إلى سؤال يتعلق بالمصفوفات والقيم الذاتية، إذ قال غوث: «يحب علماء الرياضيات رؤيتها. لأن المصفوفات هي من الأشياء التي نفهمها جيدًا».
كان الهدف إيجاد حد للحجم الذي قد تصل إليه القيم الذاتية لبعض المصفوفات، وهي عملية تتضمن محاولة تبسيط وإلغاء أكبر قدر ممكن من مجموع معقد للغاية.
في هذا النهج غير التقليدي، اتخذ العالمان بعض القرارات المفاجئة: «نحن نفعل شيئًا يبدو للوهلة الأولى غبيًا تمامًا». أوضح ماينارد: «نحن نرفض القيام بعملية التبسيط القياسي».
في غضون بضعة أشهر فقط، حقق الاثنان مكسبًا، إذ وضعا حدًا أعلى لأكبر قيمة ذاتية. وبعد طول انتظار، وُضع تحسين على الحد الذي اكتشفه إنجهام قبل أكثر من 80 عامًا.
اقرأ أيضًا:
عالم الرياضيات الذي روض العشوائية يفوز بجائزة أبيل
كثرة الإثارة قد تمنع الرجال من بلوغ ذروة النشوة الجنسية، لكن علماء الرياضيات لديهم حل!
ترجمة: أمير المريمي
تدقيق: منال توفيق الضللي