يمكن أن يتخذ الكربون عددًا من التكوينات. عندما ترتبط كل من ذراته بثلاث ذرات كربون أخرى، يشكل الكربون الجرافيت اللين نسبيًا. أضف رابطًا واحدًا آخر فقط ليصبح ذلك الجرافيت اللين واحدًا من أقسى المعادن المعروفة ألا وهو الماس. ضع 60 ذرة كربون معًا على هيئة كرة القدم وستحصل على كرات باكي – buckyballs. لكن تشكيل حلقة من ذرات الكربون ترتبط فيها كل ذرة لاثنتين أخرتين، ولا ترتبط مع شيء آخر عدا ذلك؟ استعصى هذا على العلماء لمدة 50 ربيعًا. أدت أفضل محاولاتهم إل تشكيل حلقة كربونية غازية والتي تبددت بسرعة.
لذلك يُعتبر الموضوع قضيةً كبيرة، فقد شكل الآن فريق من الباحثين، من جامعة أكسفورد – Oxford University وبحوث IBM -IBM Research ، حلقةً كربونية مستقرة.
يتكون مركب الكربون ذو الشكل الحلقي، ويدعى سيكلوكربون – cyclocarbon (أو كربون حلقي)، من 18 ذرة كربون، وهو أصغر سيكلوكربون يُتوقع أن يكون مستقرًا من ناحية الديناميكا الحرارية. وقد قدمت تقنيات الفحص المجهري المتقدمة صورًا لذلك.
حتى الآن، أشارت الأبحاث التي أُجريت على تكوين السيكلوكربون إلى أنه يعمل كأشباه موصلات، ما يعني أن له استخدامًا محتملًا في مجال الإلكترونيات. تمكِّن خاصية التفاعل العالي – والتي جعلت من عزل السيكلوكربونات أمرًا صعبًا للغاية في المقام الأول – استخدام السيكلوكربونات لإنشاء الأشكال المتأصلة من الكربون الأخرى والمواد الغنية بالكربون.
لإنجاح عمل فذ كهذا، بدأ الباحثون بتركيب أكسيد السيكلوكربون الثلاثي C24O6. وهو عبارة عن ذرات الكربون الثمانية عشرة مرتبطة بستة جزيئات من أول أكسيد الكربون، تجتمع اثنتان منها في كل من زوايا المثلث الثلاث.
لقد نقلوا هذا الاختراع إلى طبقة من كلوريد الصوديوم على صفيحة نحاسية، مبردة في حجرة مفرغة إلى درجة حرارة أعلى بقليل من الصفر المطلق. هذا يوفر سطحًا جامدًا يحافظ على استقرار البنية.
بعد ذلك وباستخدام طرف مجهر القوة الذرية، طرد الفريق جزيئات أول أكسيد الكربون من البنية، تاركًا حلقة ذرات الكربون فقط.
بحوث IBM
بالطبع، يبدو الأمر أسهل بكثير مما كان عليه. لم يتمكن الباحثون دائمًا من طرد كل جزيئات CO دون انهيار بنية الحلقة؛ وفي حالات عديدة، أنتجوا عوضًا عن ذلك جزيئات مثل C22O4 وC20O2 (انظر للصورة أعلاه).
كتب الباحثون في ورقتهم البحثية: «لقد أزلنا جميع أنصاف أول أكسيد الكربون الستة من C24O6، بمعدل 13%، ما أدى بشكل طبيعي إلى جزيئات دائرية».
ومن المثير للاهتمام أن الذرات الموجودة في السيكلوكربون شكلت ما يعرف بالبنية البولينية – polyynic structure، مع روابط ثلاثية وأحادية متناوبة. لطالما كان السؤال إذا كان الكربون أحادي البعد سينتج هذا أم بنيةً تراكمية مع روابط مزدوجة متكررة؟
إنها هذه البنية المتناوبة التي يُعتقد أنها تنتج الخاصية شبه الموصلية، وتشير إلى أن سلاسل الكربون ستكون أيضًا شبه موصلة.
ماذا الآن؟ حسنًا، ما يزال هذا غير واضح قليلًا. بدايةً ستحتاج عملية بناء السيكلوكربونات إلى الاشتقاق من أجل الحصول على نِتاج أكثر موثوقية. في الوقت الحالي، لا يمكن بناء إلا حلقة واحدة كل مرة، لذلك يخطط الفريق لإيجاد طرق لبناء مركبات سيكلوكربونية متعددة في وقت واحد.
والآن بعد أن أُنتِجت مركبات السيكلوكربون المستقرة، يمكن للعلماء البدء في تجربة التطبيقات؛ أي اكتشاف كيفية استغلال خاصية شبه الموصلية على سبيل المثال، أو استكشاف خصائص السيكلوكربون باعتبارها لبنةً أساسية لجزيئات أكثر تعقيدًا.
كتب الباحثون: «نتائجنا تقدم استبصارات تجريبية مباشرة على بنية السيكلوكربون وتفتح المجال لإنشاء جزيئات متملصة أخرى غنية بالكربون عن طريق التلاعب بالذرة».
نشر هذا البحث في مجلة ساينس – Science
اقرأ أيضًا:
المترجم: رولان جعفر
تدقيق: محمد قباني
مراجعة: نغم رابي
