نظام يجمع ما بين قنوات الشوارد العضوية وترانزستورات الحالة الصلبة (Solid-state) لخلق نوع جديد من الإلكترونيات.
قام باحثون من كلية الهندسة بجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية ولأوّل مرة بحصد الآلية الجزيئية للأنظمة الحية العضوية لتغذية دارة متكاملة بالطاقة باستخدام الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP)، الذي يُعتَبَر العملة الطاقية للحياة. واستطاعوا تحقيق ذلك عبر مداخلة دارة متكاملة من نوع (CMOS) مع غشاء دهني مزدوج الطبقة يحتوي مضخات الشوارد التي يتم تغذيتها بواسطة (ATP)، فاتحين بذلك الباب لتصنيع أنظمة اصطناعية جديدة كليًا تحتوي كِلا المكونات العضوية والكترونيات الحالة الصلبة. وتم نشر الدراسة في 7 ديسمبر في مجلة “Nature Communications” بواسطة قائد الدراسة كين شيبارد Ken Shepard، الأستاذ في كلية الهندسة الكهربائية والأستاذ في الهندسة البيولوجية في جامعة كولومبيا.
قال شيبارد: “بالجمع بين جهاز بيولوجي إلكتروني مع دارة (CMOS)، سنتمكن من تصنيع أنظمة جديدة لم نكن قادرين على تصنيعها باستخدام كل تقنية من التقنيات السابقة على حِدًا، نحن متحمسون لأفق توسيع لوحة الأجهزة الفعالة التي سيكون لديها وظائف جديدة، مثل حصد الطاقة من (ATP)، كما تم فعله هنا، أو التعرّف على جزيئات محددة، وإعطاء الرقائق الإلكترونية القدرة على الشم والتذوّق. كان هذا عبارة عن توجه جديد بالنسبة لنا، ولدى هذا التوجه القدرة على إعطاء أنظمة الحالة الصلبة قدرات جديدة بواسطة مكونات بيولوجية”.
شيبارد، الذي يُعتَبَر مختبره رائدًا في تطوير الهندسة الخاصة بأنظمة الحالة الصلبة المربوطة مع أنظمة بيولوجية، يلفت نظرنا على أنه على الرغم من النجاح الغامر، إلا أن إلكترونيات الحالة الصلبة (CMOS) غير قادرة على القيام بوظائف طبيعية محددة للأنظمة الحية، كحاستي التذوّق والشم، بالإضافة إلى استعمال مصادر الطاقة البيو-كيميائية (الكيميائية العضوية). حيث أن الأنظمة الحية تحقق هذه الوظيفية بإصداراتهم الخاصة من الإلكترونيات القائمة على أغشية دهنية وقنوات الشوارد والمضخات، الذي يشكلون معًا ما يشبه “الترانزستور العضوي”. فالأنظمة الحية تلك تستخدم الشحنة، التي على هيئة شوارد، لحمل الطاقة والمعلومات، حيث أن قنوات الشوارد تتحكم بتدفّق الشوارد عبر الأغشية الخلوية. كما أن أنظمة الحالة الصلبة، كتلك الموجودة في الحواسيب وأجهزة الاتصالات، تقوم باستعمال الإلكترونات، حيث أن الإشارة الإلكترونية لتلك الأجهزة وطاقتها يتم التحكم بها عن طريق ترانزستورات التأثير الحقلي.
في الأنظمة الحية، يتم تخزين الطاقة كجهود كهربائية على طول الأغشية الدهنية وخلالها، وفي هذه الحالة فإن تلك الجهود الكهربائية تنشأ بفعل مضخات الشوارد. ومن ثم يتم استخدام (ATP) لنقل الطاقة من أماكن توليدها إلى أماكن استهلاكها في الخلية. ولبناء نموذج أولي من نظامهم الهجين، قام فريق شيبارد، الذي يقوده تلميذ الدوكتوراه جاريد روزمان Jared Roseman، بتحزيم دارة (CMOS) متكاملة (CMOS IC) مع خلية عضوية حاصدة للـ(ATP)، فقام النظام بضخ الشوارد عبر الغشاء، منتجًا بذلك جهدًا كهربائيًا تقوم الدارة المتكاملة (IC) بحصده واستهلاكه.
وقال شيبارد: “لقد صنعنا إصدار على مستوى مجهري لهذا النظام، على امتداد بضعة ميلليمترات، لنتمكن من رؤية ما إذا كان النظام يعمل. وتُوَفِّر نتائجنا هذه بصيرة جديدة إلى نموذج دارة معمم، الأمر الذي يمكننا من تحديد شروط الحصول على الكفاءة العظمى لعملية حصد الطاقة الكيميائية من خلال مضخات الشوارد هذه. ونحن الآن سنعمل على تصغير النظام أكثر فأكثر”.
وفي الوقت الذي تمكنت فيه مجموعات بحث أخرى من حصاد الطاقة من الأنظمة الحية، كان شيبارد وفريقه يستكشفون كيفية القيام بذلك على المستوى الجزيئي، عازلين الوظائف المرغوبة فقط، ومن ثم القيام بربطها مع الإلكترونيات. ويُفسّر شيبارد: “نحن لسنا بحاجة إلى كامل الخلية، فنحن نقوم فقط بأخذ مكوّن الخلية الذي يقوم بما نريده. وفي هذا المشروع، فقد قمنا بعزل قنوات الشوارد (ATPases) كونهم يمثّلون البروتينات التي سمحت لنا باستخراج الطاقة من (ATP)”.
إن القدرة على بناء نظام يجمع بين طاقة إلكترونيات الحالة الصلبة وقُدُرات المكونات البيولوجية تعطينا لمحة عن مستقبل واعد. حيث يقول شيبارد: “أنت الآن بحاجة إلى كلب يقوم بشم القنابل، لكن اذا كان بإمكانك أخذ الجزء المفيد فقط من الكلب، التي هية الجزيئات التي تقوم بالإحساس، سنكون قادرين على الاستغاء عن بقية الحيوان.
ويضيف روزمان: “مع التحجيم المناسب، يمكن لهذه التقنية أن توَفِّر مصدر طاقة للأنظمة الموضوعة في بيئات غنية بالـ(ATP)، كالخلية الحية!”.