نجم نيوتروني و ثقب أسود – يبدو أن موجات الجاذبية المرصودة مؤخرًا ناتجة عن اصطدام كوني لم يُرى له مثيل من قبل، اندماج نادر بين ثقب أسود ونجم نيوتروني. يُعدّ هذا الأمر نصرًا جديدًا لعلماء الفلك الذين يدرسون موجات الجاذبية.
رُصد هذا الحدث والذي أُطلق عليه «S190814bv» عن طريق ليقو LIGO ومقياس التداخل فيرجو Virgo interferometers (وهو مقياس عملاق، مصمم للكشف عن أمواج الجاذبية التي تنبأت بها النظرية النسبية العامة)، في الرابع عشر من أغسطس عند الساعة التاسعة وأحد عشر دقيقة مساءً بالتوقيت العالمي UTC. وفق التحليلات الأولية فإن الحدث سيكون تصادمًا بين ثقب أسود ونجم نيوتروني بنسبة 99%.
(Neutron star-black hole kaboom).
(كابوم: تصادم نوعان في علم الفلك، وينتج عنه انفجار)
وحتى بينما تقرأ أنت هذا المقال، يفتش علماء الفلك السماء بحثًا عن الضوء الذي ربما تركه النجم النيوتروني خلفه أثناء امتصاصه داخل الثقب الأسود.
يقول رايان فولي Ryan Foley وهو عالم فلك في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز: «يبدو ذلك مثل الليلة التي تسبق عيد الميلاد»، ويُضيف: «أنا أنتظر فقط لأرى ماذا يوجد تحت الشجرة».
منذ الإعلان عن رصد تصادم بين ثقبين أسودين من ذوات الكتلة النجمية عام 2016 (يتراوح حجم الواحد منهما من 2 إلى 100 مرة حجم شمسنا)، والمجال ينمو بصورة أقوى. أصبحت التكنولوجيا محنكة لدرجة أن باستطاعتنا رصد تصادم بين نجم نيوتروني ونجم نيوتروني آخر – أجسام أصغر كتلة بكثير من الثقوب السوداء.
كلا النجوم النيوترونية والثقوب السوداء تُمثل بقايا عالية الكثافة لنجم ميت، لكننا لم نرَ من قبل ثقبًا أسود أصغر من 5 أضعاف كتلة الشمس، أو نجمًا نيوترونيًّا أكبر من حوالي 2.5 مرة كتلة الشمس.
في وقت سابق من هذا العام، أفلت من بين أيدينا تصادم بين ثقب أسود ونجم نيوتروني. بدا ذلك حدثًا ضخمًا، ولكن الاحتمالات بأن الحدث هو اندماج ثقب أسود ونجم نيوتروني لم تتعدّ ال 13 في المئة، وكانت نسبة الإشارة/الضوضاء أيضًا منخفضة للغاية، لذا لم يهتم علماء الفلك حينها.
ما بين أيدينا الآن يختلف كثيرًا، الإشارة قوية حقًا وعلماء الفلك متحمسون، إن كان هذا حقًا تصادمًا بين نجم نيوتروني وثقب أسود، فإنها ستكون أول مرة نرصد فيها مثل هذا النظام الثنائي binary system.
ويعني ذلك أن مثل هذه الأنظمة الثنائية – والتي تعد افتراضية حتى الآن– ممكنة. حتى أن بإمكاننا رصد أدلة على تشكلها – هل شكّلا ثنائيًا حيًا، ينموان ويموتان معًا؟ أم أن الثقب الأسود التهم نجمًا نيوترونيًا عابرًا في مداره؟
صدق أو لا تصدق، يمكننا تعلم ذلك من إشارة موجة الجاذبية –تموجات في نسيج الزمكان بسبب تصادم هائل، مثل سقوط صخرة في بركة– إذا كان التصادم قويًا كفاية. والأدلة على انعقاد هذا النظام الثنائي تكمن في شكل الموجة wave form، جنبًا إلى جنب مع كتل الأجسام الفردية، سرعتها وتسارعها.
يقول بيتر فيتش Peter Veitch الفيزيائي من جامعة أديلايد في أستراليا وOzGrav (الفرع الأسترالي لمشروع LIGO العلمي): «من إشارة موجة الجاذبية، يمكن استنباط معلومات حول الدوران حول النقطة المركزية للأشياء الفردية واتجاهها مقارنةً بالمحور إلى المدار، ويمكننا استنباط تلك المعلومات من موجة الجاذبية».
«نتطلع إلى معرفة إذا كان دوران الكائنات الفردية يحدث بمحاذاة بعضها البعض، ما قد يوحي أنها كانت بدايةً في نظام ثنائي. بينما إذا التُقط شيء مضغوط بواسطة شيء آخر، كدمج المجرات على سبيل المثال، فنتوقع أن لدى هذه الأشياء نقاط دوران مختلفة، تُشير إلى اتجاهات مختلفة».
حاليًا، يستغل فولي وزملاؤه مرصد كيك Keck Observatory لمراقبة ودراسة مجرة تبعد عنا حوالي 900 مليون سنة ضوئية، ويُعتقد أن الإشارة قد وُلدت هناك. وهم يبحثون عن الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي ربما نتج عن تصادم يشمل نجمًا نيوترونيًا.
وبالطبع، هناك سؤال يشتعل في أدمغتنا: كيف تبدو أحشاء النجم النيتروني من الداخل؟
تقول الفيزيائية النظرية سوزان سكوت Susan Scot من الجامعة الوطنية الأسترالية وOzGrav: «نود أن نلاحظ ثقبًا أسود يمزق نجمًا نيوترونيًا عند التقائهما».
وتُضيف: «سيوفر لنا هذا معلومات حيوية حول المواد التي تكوّن النجوم الأعلى كثافة في الكون –النجوم النيوترونية– التي ما تزال لغزًا ومسألة مفتوحة أمام البحث والاكتشاف».
في حال لم نرصد إشعاعًا كهرومغناطيسيًا، فهذا يعني ببساطة أن علماء الفلك يفتشون في المكان الخطأ، الاحتمال الآخر أن الإشعاع الكهرومغناطيسي ضعيف جدًا ولا نقدر على استقباله واكتشافه.
قد يعني هذا أيضًا عدم تورط نجم نيوتروني في الحدث، والذي سيجعل الأمر مُثيرًا جدًا، فالإشارة التي استُقبلت تُخبرنا أن كتلة الجسم الصغير (المتورط في الحدث) أقل من ثلاث مرات كتلة الشمس. وإن لم يكن هذا نجمًا نيوترونيًا، سيكون أصغر ثقبٍ أسود رُصد على الإطلاق.
أو قد يعني أن الديناميكية بين نجم نيوتروني وثقب أسود أثناء تجانسهما في ثقب أسود أكبر أغرب مما نعرف.
يقول فولي: «الطريقة المثالية للتفكير في الأمر –في هذه اللحظة– هي أنه إذا كان الثقب الأسود أضخم من النجم النيوتروني، فعند الدمج، سيتمزق النجم النيوتروني داخل أفق الحدث الخاص بالثقب الأسود! في هذه الحالة، حتى لو نتج عن الدمج الكثير من الضوء، فإنه لن يفلت أي شيء منه بسبب جاذبية الثقب الأسود».
«ما حدث أقرب ما يكون إلى الخيال العلمي».
اقرأ أيضًا
بقايا اصطدام نجم نيوتروني يحل لغز معدل تمدد الكون
ترجمة زين الدين – تدقيق عبدالرحمن بن خليفة – مراجعة نغم رابي