هل تساءلت يومًا كم يلزم من الجسيمات قبل أن تبدأ الذرات بالتصرف بصورة جمعية؟ ربما تفاجئك قلة العدد، فوفقًا لبحث جديد، فقط 6 جسيمات تكفي للتحول إلى نظام ماكروسكوبي تحت الظروف المناسبة، إذ لاحظ الفيزيائيون الدلائل الكمومية المبكرة للتحول من مرحلة عادية إلى مرحلة فائقة السيولة باستعمال مصيدة ليزرية فائقة البرودة مصمَّمة تحديدًا لهذا الغرض ما يقدم طريقة جديدة لدراسة ظهور السلوك الجمعي للذرات وحدود الأنظمة الماكروسكوبية.
يُسمى فرع الفيزياء المختص بفهم ووصف السلوك الجمعي لعدد كبير من الجسيمات بفيزياء الأجسام المتعددة، مثل دلو ماء أو جرة غاز، ونستطيع وصف تلك المركبات من حيث الكثافة أو درجة الحرارة وطريقة تصرفها بمثابة شيء واحد، ويطلَق على مثل تلك الأنظمة أنظمة ماكروسكوبية أو متعددة الأجسام، ولا يمكننا فهم تلك الأنظمة بدراسة سلوك ذراتها أو جزيئاتها منفردة إذ ينبثق سلوك تلك الأنظمة من التفاعلات بين الجسيمات التي لا تمتلك بمفردها نفس الخصائص التي يمتلكها النظام ككل.
من الأمثلة المشهورة للأنظمة الماكروسكوبية التي لا يمكن وصفها ميكروسكوبيًا: سلوك الاستثارة الجماعية، مثل الفوتونات التي تُذبذِب الذرات في شبكة بلورية، كذلك الانتقالات المرحلية عندما تنتقل المادة من مرحلة إلى أخرى مثل تحول الجليد إلى سائل أو تحول السائل إلى غاز.
في مسعى إلى محاولة فهم كيفية نشأة هذا السلوك الجمعي للذرات المنفردة، أو بعبارة أخرى كيف يبزغ الماكروسكوبي من الميكروسكوبي صمم فريق بحثي من جامعة هيديلبيرج Heidelberg تجربة تتكون من شعاع ليزر مركز بشدة ليعمل مصيدةً لذرات نظائر الليثيوم فائقة البرودة المسماة ليثيوم-6 التي تتصرف بمثابة مادة فائقة السيولة ذات لزوجة صفرية عند تبريدها في صورتها الغازية لدرجة حرارة أعلى بقليل من الصفر المطلق، وبالكاد يمكن الإمساك بعدد ضئيل جدًا من ذرات الليثيوم في تلك المصيدة الليزرية ما يجعلها محاكاة مثالية لرصد السلوك الكمي إذ استطاع الفريق ضبط إيقاع التفاعلات بين الذرات باستعمال رنين Feshbach.
ينشأ ذلك الرنين عندما ينتظم رنين الطاقة الناتجة عن تفاعل ذرتين مع رنين الحالة الجزيئية المرتبطة به، ويمكن استخدام تلك الطاقة لتغيير شدة التفاعل بين الجسيمات، وفي كل تجربة استخدم الفريق ذرتين أو 6 أو 12 من نظير الليثيوم في المصيدة ما يسمح للباحثين برصد وملاحظة متى تبدأ الذرات بالتصرف بصورة جماعية.
وفقًا لقائد فريق البحث لوكا بايها: «يمكننا وصف النظام ميكروسكوبيًا نتيجة لقلة عدد الجسيمات في النظام من ناحية، ومن ناحية أخرى يظهر السلوك الجمعي بصورة واضحة».
استطاع الباحثون ضبط جذب المصيدة من صفر إلى مرحلة تجبر فيها الذرات على تشكيل أزواج، وهو شرط ضروري لتشكيل السائل الفيرموني الفائق، إذ يجب أن تتحد الجسيمات الفيرمونية معًا في جسيمات كوبر التي تتصرف بمثابة بوزونات، وهي جسيمات أثقل تشكل سائلًا فائق السيولة في درجات حرارة أعلى من تلك التي تتشكل فيها الفيرمونات.
وفي كل تجربة درس الفريق نشوء السلوك الجمعي اعتمادًا على عدد الجسيمات وشدة التفاعل بينها ووجدوا أن استثارة الذرات لا ترتبط بشدة التفاعل بين الجسيمات فقط ولكن أيضًا ببدايات تشكل مرحلة التحول الكمي إلى أزواج كوبر فائقة الميوعة.
وفقًا للفيزيائي مارفين هولتن: «المدهش في هذه التجربة أن 6 ذرات أظهرت كل دلائل مرحلة التحول المتوقَّعة من نظام متعدد الجسيمات».
لا تقتصر فائدة هذه التجربة على تلك النتيجة فحسب ولكن تفيد تلك الدرجة من التحكم التي وصلت إليها التجربة في أبحاث أخرى في المستقبل، مثل دراسة عملية المعالجة الحرارية في الأنظمة الكمية، وستمكن تلك التجربة من إجراء أبحاث على السوائل الفيرمونية فائقة الميوعة على مستوى أعمق ودراسة تشكل جسيمات كوبر في الأنظمة الأكبر.
نُشر هذا البحث في مجلة Nature.
اقرأ أيضًا:
تجربة جديدة في فيزياء الكم قد تغير رؤيتنا للعالم الواقعي
ترجمة: أحمد جمال
تدقيق: نغم رابي