ليس من النادر لدى الأطباء النفسيين أن يعترضوا للسؤال: «كيف أستطيع أن أُخضع شخصًا للعلاج؟» والجواب قصير، وهو «لا تستطيع».
بالطبع التقينا في يومٍ من الأيام بشخصٍ في حاجةٍ ماسّةٍ إلى نوعٍ محددٍّ من العلاج، وحتى الأكثر صحةً منّا يمكنه اكتساب رؤية إضافية أكثر اتساعًا في حياته من خلال العلاج.
هنالك بعض الحالات الحرجة لأشخاصٍ يعانون بشكلٍ واضحٍ، أو يتشاركون الاكتئاب، أو يفكرون في إيذاء أنفسهم.
في الحقيقة، فقط من هم يعانون حالاتٍ حرجةً أو يمثلون تهديدًا لأنفسهم أو للآخرين هم من يمكن جبرهم على العلاج، وحتى في هذه الحالة، هنالك حدودٌ للوقت الذي يبقى فيه المريض في المستشفى أو أن يعالَج بطريقة ضد بإرادته.
ناقض الدكتور فرانشيز عام 2013 النقطة المثيرة للجدل حول إجبار شخصٍ ما على العلاج عندما كتب: «يعتبر العلاج النفسي غير الطوعي مصدر النزاع الأكثر إثارةً للجدل بين الأطباء النفسيين ونقّاده، وبالأخص المرضى النفسيين الذين تم إجبارهم على العلاج الذي سبّب ضررًا لهم، أنا قلق في هذا المقال بشأن الأشخاص الطبيعيين بصورة عامة، لكن من الواضح أن هناك من لديهم مشاكل معينة وقد يحتاجون إلى العلاج بالفعل».
حين يكون من الصعب فرض العلاج على الحالات الأكثر خطورة من الأمراض النفسية، كيف نجبر من نحب ومن هم في حاجة ماسّة إلى العلاج على البحث عن المساعدة التي يحتاجونها؟ وضمن هؤلاء ذوو النوايا الحسنة.
من الشائع أن يعترف الأشخاص بأنهم من الممكن أن يستفيدوا من العلاج كي يجدوا وسيلةً لتجنب تلك العملية.
الوقت، والمال، والجهد هي أمورٌ لا نملك الكثير منها في ثقافتنا الحالية المتسارعة، ولا يستطيع أي شخصٍ الإتيان بأسباب كافية لعدم طلب المساعدة.
علاوة على ذلك، الأمور العملية قد تكون السبب الصريح الذي يظهره الشخص في مقاومته للعلاج، في حين أن الحواجز الداخلية تقوم كذلك بمنع نيتهم ليختاروا العلاج.
الرجال، على سبيل المثال، أقل ميلًا إلى أن يبحثوا عن العلاج النفسي لأن بنية الرجولة في مجتمعاتنا تفرض قواعد صارمة عليهم ليظهروا بمظهر المسيطرين على أنفسهم دائمًا، وغير عاطفيين، وهذا يجعلهم أكثر عرضة لأن يظنوا أن طلب المساعدة إشارة ضعف.
وعليه فإن المعايير الاجتماعية تختلف بخصوص مقدار قبول شخص ما للعلاج من مجتمع لآخر.
في ظل الأحداث الأخيرة حول انتحار كيت سبيد وأنتوني باوردين، تنبّه العديد منّا لحقيقة أن مَن حولنا يعانون، وحتى الذين يبدون سعداء من الممكن أن يكونوا يعانون في صمتٍ.
«لا يمكنك الضغط على شخصٍ ما ليجرّب العلاج. كل ما تستطيع فعله هو تشجيعه». كما تمّ اقتباسها من Nelison، 2017، الفقرة السادسة.
إن إحدى الطرق لتجاوز المقاومة أو الوصمة الثقافية بخصوص العلاج ستكون عن طريق الذين يمرّون بمرحلة العلاج من خلال التكلّم بشأن تجربتهم بانفتاح. وقد قمت بذلك الأمر بنفسي، فحاولت أن أظهر نفسي كمثالٍ لشخصٍ سليمٍ ما زال مستفيدًا من العلاج، وأيضًا عن طريق توفير تجارب شخصيةٍ لأفكارٍ اكتُسِبَت بالعلاج، والتي قد تُمكّن الآخرين الذين يشعرون بالتردّد أو الشكّ فيما يخصّ كونهم منفتحين على مشاكلهم.
في النهاية، للأسوأ أو الأفضل، من الضروري تذكر أننا مسؤولون عن صحتنا النفسية فقط. حتى إذا كان واضحًا لنا أن من نحبهم يعانون أو لديهم عبء عاطفي من الممكن أن تزيحه بيئة علاجية آمنة، إلا إذا ما كان الشخص في خطرٍ وشيكٍ، فسنتمكن في وقتها من اتخاذ قرار متعلق بخضوعهم للعلاج أو لا.
وفي الحقيقة، الضغط المتكرر من الآخرين من الممكن أن يعطي نتائج عكسية وقد يلغي فكرة العلاج من ضمن خياراتهم.
قمت بتحذير الآخرين قائلًا لهم أن قيامكم بأخذ ملكية الصحة العقلية لشخص آخر هو منحدر زلق.
لا نستطيع فرض العلاج على الآخرين إلا إذا كانوا أطفالًا أو غير مؤهلين لاتخاذ قرار يخص أنفسهم.
ما لم يقوموا باتخاذ القرار بأنفسهم. إذا قمنا بتشويه الحدود بين صحتنا وصحة الآخرين، من الممكن أن نخلق المزيد من الضغط على أنفسنا وقد تضعف علاقتنا بالآخرين. وبالطبع، يجب عليّ تذكير نفسي وطلابي والآخرين ممن يسألون هذا السؤال باستمرار بأن الرعاية الذاتية أمر حساس.
الرعاية الذاتية، كما يشير أخصائيو الطب النفسي، هي أمر حرج عند وجود آخرين يحتاجون العلاج بصورة واضحة لكنهم لا يطلبونه. «في مرحلة ما، يجب عليك حماية نفسك.
أنك لا تستطيع إجبار شخص ما على الخضوع للعلاج». (كما تم اقتباسها من Nelison، 2017، الفقرة الثامنة)
عندما نتطور وننمو في حياتنا، سنبدأ باكتساب مهارة التعرّف على الأشياء التي نحتاجها والتي لا نحتاجها.
في النهاية، صحتنا النفسية في متناول أيدينا، خصوصًا لهؤلاء الذين الذين لديهم امتياز الوصول إلى نوع من العلاج النفسي.
أما بالنسبة للآخرين، يمكن أن نكوّن نظام دعمٍ لأصدقائنا وأحبّائنا، سواء طلبوا العلاج أو لا، هو أمر ليس ضمن سيطرتنا.
- ترجمة: سنان حربة
- تدقيق: علي فرغلي
- تحرير: صهيب الأغبري
- المصدر