يُعدّ الدماغ واحدًا من أهمّ أعضاءِ الجسم وأكثرها حساسيّة، فهو يمتلك وسيلة دفاعيّة مميّزة تمكّنه من القضاءِ على الميكروبات التي تنجحُ في الوصولِ إليه، ولكن يمكن لهذه الوسيلة الدّفاعية أن تنقلبَ ضدَّه وتعمل على إحداث الأضرار فيه ، وبشكلٍ خاصٍّ قد تتسبب بمرض الألزهايمر الذي يعدّ واحدًا من أهمِّ الأمراضِ العصبيّة في القرن الحادي والعشرين، فكيف ذلك؟ وما هي علاقة اللقاحات بهذا الأمر؟
يرتبط مرضُ الألزهايمر ارتباطًا وثيقًا بتكوين صفائحَ بروتينيّة دبقةٍ تدعى ب البيتا أميلويد «Beta- amyloid proteins » وتراكمِها في الدّماغ، وبقيت وظائف هذه الصفائح مجهولةً حتى الآونة الأخيرة، ولا يُعرف فيما إذا كانت تؤدي دورًا مهمًا في وظيفةِ الدّماغ أم أنّها مجرَّد نفاياتٍ متراكمة.
ثمَّ اكتشفَ الخبراء بأنَّ هذه الصفائح تعتبرُ وسيلة دفاعيّة تعملُ على الإمساكِ بالميكروبات و التّخلصِ منها، حيث أظهرَ فريقٌ من الخبراء أنَّ البروتين السّابقَ يعمل كمضادٍّ للميكروبات باعتباره جزءًا من جهاز المناعة الخاصّ بنا . وللتّأكّدِ من ذلك ، قامَ الفريق بحقن بكتيريا معيّنة في أدمغةِ نوعٍ من الفئران وذلك لتكوينِ صفائحَ مماثلةٍ لتلك الموجودة في الإنسان، وبالفعل تكوّنت تلك الصفائح فورًا، وتبيّن أنَّ كلّ صفيحةٍ تحتوي على خليّة بكتيريّةٍ واحدة.
وبالاستناد إلى ما ذكر سابقًا، فإنَّ التّعرّضَ للمايكروبات يؤدّي إلى تحفيز تكوّنِ تلك الصّفائح الدّبقة، حيث تعملُ الأخيرة على الإمساكِ بالميكروب و القضاء عليه، وإذا لم يتمّ التّخلّصُ منها بسرعةٍ كافيةٍ فهذا سيؤدّي إلى حدوثِ الالتهاب و تشابكها مع بروتين آخر يدعى تاو Tau مما يُضرُّ بالأعصابِ ويتسبب بموتها وسيتطوّر على إثرها مرضُ الألزهايمر.
ويشيرُ الدّكتور سامويل غاندي Samuel Gandy ، من مسشفى Mount Sinai في نيويورك، أنَّ خاصيَّة الالتصاق المميّزةِ لبروتين الأميلويد هي نعمة و نقمة في آنٍ معًا. كما وأوضحَ الدّكتور براين بالين Brian Balin من كلية فيلادلفيا للطّب التّقويمي، أنّهم يعملون حاليًّا على إثبات العلاقة بين البروتين والعدوى، حيث تمَّ اختبار قدرة جرثومة الكلاميديا Chlamydia pneumonia على العملِ كمحفّزٍ لتكوينِ بروتين البيتا أميلويد، ولكي تكونَ الدّراسة شاملة بشكلٍ أكبر، فقد تمَّ إجراء دراسة أخرى تتضمن فيروس الهربيس ” Herpes virus ” لإثباتِ صِحَّة النتائج التي توصلوا إليها. ومع كلّ ذلك لم يصلوا بعد لشرح كافٍ يفسّرُ سببَ تكوّن هذه الصّفائحِ و تراكمِها .
وبإجراء دراسةٍ أخرى على مجموعةٍ من المرضى المصابين بالألزهايمر في مراحلَ مبكّرة باستخدام تقنيّة الرنين المغناطيسي ، وجدَ الأطبّاءُ أنَّ الحواجزَ الدّماغيّة الدّمويّة (Blood-Brain Barriers) لديهم تمتازُ بنفوذيّتها العاليةِ مقارنة بمثيلاتها لدى الأشخاص الأصحّاء ، وهذا يعني أنًّ تطوّرَ المرضِ لديهم يعودُ لارتفاع احتماليّة تعرّضِ أدمغتهم للأذى من قبل الميكروبات و غيرها.
وبشكلٍ بديهيّ، يمكن أن نتجنّب نتشكّلَ الصّفائح البروتينيّة التي ستقود لاحقًا لظهور الألزهايمر عبر إعطاء اللقاحات الضروريّة لمنعِ دخول المايكروبات إلى داخل أجسامنا.
حيث أنَّ إعطاء اللقاحات المناسبة ضدّ المايكروبات التي تصيبُ الجسمَ باستمرار قد يمنع تكوّن الصّفائح ويقلّل من احتمالية الإصابة بالألزهايمر. وعلى الرّغم من ذلك، فإنَّ كثرة المايكروبات الممرضةِ إلى جانب عدم توفّر اللقاحات ضدَّ بعضِ أنواع الفايروسات قد يشكّل عائقًا يحول بيننا وبين الحماية الحقيقيّة من هذا المرض.
ترجمة: سيرين خضر
تدقيق: ميس كروم