يمكن للحساسيّة أن تكون مميتةً، وعلى الرغم من مدى شيوعها إلّا أنّ العلماء لم يفهموا بعد ماذا يحدث في الجسم لكي يبدأ ذلك التفاعل الرهيب السريع والذي يعرف بـ (الصدمة التأقِية – anaphylactic shock) أو صدمة الحساسية التي يمكن أن تؤدي إلى الموت.
ولكن العلماء يقتربون من الحقيقة بعد اكتشافهم للآلية التي تجعل الجسم في حالة انطفاءٍ عند تعرّضه لجزءٍ صغيرٍ من العامل المُحسس.
تحدث الحساسيّة عندما يتعرّف الجهاز المناعي بالخطأ بعض المواد مثل الفول السوداني أو المحار على أنّها مواد مضرّة ويتفاعل للقضاء عليها مؤديًا وبقوّة إلى الصدمة التأقية والتي تعدّ خطيرةً للغاية؛ فهي من أخطر تفاعلات الحساسيّة على الإطلاق ويمكن أن تحدث بسرعة، ويؤدي الجهاز المناعي بعد دقائق من التعرض للعامل المحسس إلى انتفاخ الوجه وتسارع ضربات القلب والطفح والارتعاش وعدم القدرة على التنفس.
تلعب (الخلايا المناعيّة البدينة – Mast cells) دورًا مركزيًا في تلك الصدمة، فعندما يتعرّف الجهاز المناعي على المستضد تطلق تلك الخلايا الجزيئات الالتهابيّة التي تسمى الهيستامين والتّي تلعب دورًا مهمًا في الاستجابة المناعيّة وهي إحدى الآليّات الدفاعية في الجسم.
ولكن كيفيّة ارتباط وجود المستضدّ مع الخلايا التائية ما يزال غامضًا.
تركّز هذه الدّراسة الحديثة على دور الخلايا التغصنية، وقال عالم المناعة سومان أبراهام في جامعة دوك: «وجدنا أنّ الخلايا التغصنية تلعب دورًا أسياسيًا في تطوّر الحساسية وكذلك في بدء الصدمة التأقِية».
وللتحرّي عن ذلك خَفض العلماء مستويات أنواع مختلفة من الخلايا المناعيّة – في كلّ مرّة خفضوا مستوى نوعٍ ما ليكتشفوا دوره – في الفئران ثم حقنوها بسُمٍ لبدء تلك الصدمة، فوجدوا أنّ الخلايا البدينة لم تكن قادرةً بمفردها على التقاط المواد المحسسة وأنّه عندما خُفِض مستوى نوع معين من الخلايا التغصنية لم تحدث الصّدمة التأقِية.
نظر العلماء بقربٍ أكثر باستخدام المجهر ثنائي الفوتون، فتمكنوا من ملاحظة الخلايا التغصنية – سُمِيت بذلك الاسم بسبب تغصناتها التي تستخدمها لسبر بعض الخلايا – وبينما تكون على السطح الخارجي للأوعية الدموية تستخدم تغصناتها لتعبر جدار الوعاء الدموي باحثةً عن المواد الغازية وبعد أن تتحرى عن المستضد تخبر الخلايا البدينة المحيطة بها بذلك، ولكنّ طريقة قيامها بذلك كانت غريبةً نوعًا ما.
فعندما تقوم هذه الخلايا بالتحري عن المستضد تدخله وتعالجه وتقدم معلوماتٍ عنه على سطحها، وتصل تلك المعلومات إلى الخلايا التائية لتقوم بعملها.
تقوم هذه الخلايا التغصنية باصطياد المستضد خارج الأوعية الدموية وترسله عبر فقاعاتٍ صغيرةٍ تسمى الحويصلات الميكروية التي تتبرعم من السّطح.
وقال هاي وونج تشوي الباحث في علم المناعة بجامعة ديوك: «بالإضافة إلى قدرتها على إدخال المضادات الحيوية ومعالجتها وعرضها على الخلايا المناعية تظهر الآن هذه الخلايا قدرتها على توزيع المستضدات التي اكتسبتها إلى الخلايا المحيطة بها قبل أن تقوم بإدخالها».
وهذه الطريقة تعدّ كفيلةً بإرسال الرسالة بسرعةٍ كبيرةٍ إلى عددٍ هائلٍ من الخلايا، وعندما تقدم الحويصلات الميكروية إلى الخلايا البدينة تدفعها إلى العمل وإفراز الهيستامين والوسائط الالتهابية الأخرى في المجرى الدّموي مسببةً صدمة الحساسية.
لا نعلم ما إذا كانت هذه الآلية هي ذاتها عند البشر وكذلك لا نعلم ما إذا كانت هذه الخلايا التغصنية مفيدةً، لكون تلك الأمور تحتاج إلى التحري الدقيق ولكن ما إن يتم ذلك سيتمكّن العلماء من إيجاد طريقةٍ جديدةٍ للوقاية من تلك الصدمة.
ويقول أبراهام أنهريمكن: «نحتاج لرد الفعل ذلك ضد المرض ولكن يجب أن نعلم بأنّ هذه الخلايا التغصنية مسؤولة عن التحري عن الطفيليات المنتقلة بواسطة الدم والفيروسات والبكتيريا، فعلينا أن نفهم جميع الأمور المسؤولة عنها قبل أن نقوم بإلغاء فعاليتها».
- ترجمة: رهف السّيّد
- تدقيق: رند عصام
- تحرير: تسنيم المنجّد
- المصدر