من الألغاز الفضائية: إذا كان عمر الكون 13.8 مليار سنة، فكيف لنجم أن يكون عمره أكثر من 14 مليار سنة؟
لأكثر من مئة عام وعلماء الفلك يراقبون نجمًا غريبًا على بعد 190 سنة ضوئية من الأرض ضمن كوكبة الميزان.
يجوب هذا النجم السماء بسرعة 1.3 مليون كم في الساعة، ويُعد النجم متوشلخ من أقدم النجوم المعروفة في الكون.
في عام 2000 عزم العلماء على تحديد عمره بدقة عبر القمر الصناعي هيباركوس التابع لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، الذي قدر عمر النجم بنحو 16 مليار سنة، ويعد هذا الرقم مفاجئًا ومحيرًا.
وقال هوارد بوند من جامعة ولاية بنسلفانيا: «إن عمر الكون الذي يتحدد عبر رصد الخلفية الكونية للموجات الدقيقة يبلغ 13.8 مليار سنة؛ لذا مقارنة بعمر النجم يُعد ذلك تناقضًا حقيقيًا».
أثار عمر النجم مشكلة كبيرة، فكيف لنجم أن يكون أقدم من الكون الذي وجد فيه؟ وبالعكس، كيف للكون بأن يكون أصغر عمرًا من نجومه؟
كان من الواضح بأن نجم متوشلخ كبير العمر؛ لأنه شحيح المعادن وتكوينه السائد يتألف من الهيدروجين والهيليوم وقليل جدًا من الحديد. يشير تكوينه إلى أنه كان موجودًا قبل وجود الحديد في الكون، ولكن حقيقة أن يكون أكبر عمرًا من الكون الذي يحتضنه بملياري سنة يجعله ضربًا من الخيال.
نظرة أعمق لعمر النجم متوشلخ
أخذ بوند وفريقه على عاتقهم مهمة تفسير ما إذا كان العمر التقديري للنجم (16 مليار عام) صحيحًا.
درس الفريق 11 رصدًا للنجم بين عامي 2003-2011 باستخدام أدق الحساسات التي يحملها تلسكوب هابل، إذ يمكن لهذه الحساسات تحديد موقع النجم، ومسافته والطاقة الخارجة منه، وبالحصول على قياسات الانزياح والتحليل الطيفي والضوئي يمكن تحديد عمر النجم بدقة. يقول بوند: «أحد الأشياء غير المؤكدة عن هذا النجم هو بعده الدقيق عنا».
وأضاف: «من المهم أخذ المسافة الصحيحة للنجم؛ لأن ذلك يساعدنا على تحديد قوته الإشعاعية ومن ثم عمره، فكلما زادت قوة الإشعاع كان النجم أصغر عمرًا. كنا نبحث عن الفرق بين بعده الظاهري والحقيقي، ما دفعنا للنظر نحو النجم بتباعد زمني قدره ستة أشهر لتقييم الإزاحة في موقعه الناتج عن الحركة المدارية للأرض، ما يخبرنا بالمسافة الحقيقية للنجم».
وأشار إلى: «أن هناك عدم وضوح متعلق بالمحاكاة النظرية للنجوم، كمعدل التفاعلات النووية في قلب النجم وأهمية العناصر المندفعة للأسفل في الغلاف الخارجي للنجم».
عمل الفريق على فكرة أن الهيليوم المتبقي يتداخل بعمق نحو مركز النجم، ما يقلل من كمية الهيدروجين المحترق بالانصهار النووي، ومع الاستهلاك السريع للوقود النجمي؛ يقل العمر النجمي.
قال بوند: «من العوامل الأخرى المهمة في الدراسة هي كمية الأكسجين في النجم متوشلخ، إذ كانت نسبة الأكسجين إلى الحديد أعلى مما كان متوقعًا، ومع أن الأكسجين لم يكن متوفرًا في الكون لملايين السنين؛ فهذا يشير إلى أن عمر النجم أقل من التقديرات الأولية».
قدر بوند وفريقه بأن عمر النجم متوشلخ 14.46 مليار سنة مقارنة بالتقديرات الأولية التي كانت 16 مليار سنة.
بعض النظر عن الاختلاف في عمر النجم؛ فإن هذا العمر ما زال أكبر من عمر الكون نفسه ولكن العلماء قدروا نسبة خطأ في الحسابات بنحو 800 مليون سنة. وقال بوند: «جعل ذلك عمر النجم متوافقًا مع عمر الكون».
يقول روبرت ماثيو الفيزيائي في جامعة أستون بالمملكة المتحدة:« ككل القياسات التقديرية؛ فإنها عرضة للأخطاء العشوائية والمنهجية في القياس، إذ يشير اختلاف نسبة الخطأ إلى أن هنالك احتمالية تشابك في حسابات العمر الكوني، بلغة أخرى إن عمر النجم الذي يوافق عليه العلماء يتصادم مع عمر الكون المقترح، ويتلاشى هذا التعارض بتقليل مساحة الخطأ في القياس لأقل حد ممكن».
أظهرت التحسينات الإضافية انخفاضًا في عمر النجم متوشلخ، إذ أوضحت الدراسة الصادرة عام 2014 بأن عمر النجم 14.27 مليار سنة.
يقول بوند: «إن عمر هذا النجم 14 مليار سنة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار كل الجوانب غير المؤكدة بالحسابات النظرية والعملية؛ فإن نسبة الخطأ تكون 700 إلى 800 مليون سنة فلا تعارض مع عمر الكون؛ لأن عمر النجم يكون 13.8 مليار سنة، أي يقع عمره ضمن عمر الكون».
نظرة أعمق نحو عمر الكون
بالنسبة لبوند؛ فإن التشابه بين عمر الكون وعمر نجم متوشلخ يعد إنجازًا علميًا يعطينا دليلًا قويًا على تصور الانفجار الكبير للكون.
قال بوند: «إن مشكلة عمر النجوم الأقدم هي أقل حدة مما كانت عليه في التسعينات، إذ اقتربت أعمار النجوم خلالها من 18 مليار وحتى 20 مليار سنة، لكن أعمار النجوم الآن تتقارب مع عمر الكون».
على الجانب الآخر يؤمن ماثيو بأن المشكلة لم تحل بعد.
كان العلماء في مؤتمر دولي يضم أكبر الفيزيائيين في معهد كافلي للفيزياء النظرية بكاليفورنيا في حيرة من النتائج التي اقترحت عمرًا مختلفًا للكون، وقد عاينوا قياسات المجرات القريبة من مجرتنا، ما يشير إلى أن الكون أصغر بمئات ملايين السنين مقارنة بما توصلت إليه قياسات الإشعاعات الراديوية في الخلفية الكونية.
في الحقيقة إن عمر الكون لا يتجاوز 13.8 مليار سنة وفقًا للتقديرات الواردة في القياسات المفصلة للإشعاع الكوني التي أجراها تلسكوب بلانك الفضائي الأوروبي في عام 2013، بل قد يصل عمره 11.4 مليار سنة.
إحدى هذه الدراسات يقودها العالم الحاصل على جائزة نوبل آدم ريس بمعهد تلسكوب الفضاء في ماريلاند، وجاءت النتائج وفقًا لفكرة تمدد الكون.
يُعد فهم حقيقة أن هنالك تركزًا عاليًا للحرارة أدى لانفجار وتمدد الكون أمرًا أساسيًا، إذ تشير النظرية إلى أن نقطة البداية يجب أن تكون قابلة للقياس، ولكن تشير النتائج الجديدة إلى أن معدل التوسع أعلى بنحو 10% من المعدل الذي اقترحه بلانك».
قدَّر فريق بلانك معدل التوسع ليكون 67.4 كم بالثانية بالميغافرسخ، وأوضحت دراسات حديثة أن معدل توسع الكون يتراوح بين 73-74.
قال ريس: «يشير ذلك إلى تفاوت في حساب معدل توسع الكون اليوم ومدى سرعة التوسع بالمستقبل بناء على فيزياء الكون في مراحله الأولى».
وأضاف: «يؤدي ذلك إلى إعادة النظر في النظريات المقبولة بهذا المجال وتركيز أكبر على المادة المظلمة والطاقة المظلمة التي قد تكون خلف هذا اللغز».
اقرأ أيضًا:
العثور على كوكب خارجي أضخم من الأرض بعمر الكون
فلكيون يكتشفون نجمًا حطم الأرقام القياسية بعمر يقترب من عمر الكون
ترجمة: رؤوف طيلوني
تدقيق: تسبيح علي