نعرف الكثير عن النجوم، واليوم يمكن الفلكيين والهواة على حد سواء -بعد قرون من توجيه التلسكوبات على سماء الليل- معرفة الخصائص الرئيسية لأي نجم، مثل كتلته أو تكوينه. فكيف نحسب أعمارها؟ لحساب كتلة النجم، نحتاج فقط إلى مراقبة فترة دورانه مع قليل من الرياضيات، ولنعرف مكونات النجم، علينا أن نراقب طيف الضوء الصادر عنه، ولكن المتغير الوحيد الذي لم يستطع العلماء تحديده هو الوقت (عمر النجم).
يقول عالم الفلك ديفيد سودربلوم من معهد علوم التلسكوب الفضائي في بالتيمور: «الشمس هي النجم الوحيد الذي نعرف عمره، وكل الأمور الأخرى متصلة بذلك».
حتى النجوم المدروسة جيدًا تفاجئ العلماء بين الحين والآخر، وعندما خفت النجم بيتلغيوس عام 2019، لم يكن الفلكيون متأكدين إذا كان ذلك مرحلة مؤقتة، أو إذا كان هناك انفجار عظيم وشيك (وتبين لاحقًا أنها كانت مجرد مرحلة).
وسببت الشمس الحيرة، عندما لاحظ العلماء أنها لا تسلك نفس سلوك النجوم الأخرى في منتصف العمر، وليست نشطة مغناطيسيًا بالنسبة إلى النجوم الأخرى التي تملك نفس الكتلة والعمر.
وهذا يشير إلى أن علماء الفلك لم يفهموا تمامًا الجدول الزمني لمنتصف العمر.
يمكن أن تعطي الحسابات المستندة على الفيزياء والقياسات غير المباشرة الفلكيين قيمًا تقريبية، وتعمل بعض الأساليب بشكل أفضل على أنواع مختلفة من النجوم، وفيما يلي ثلاث طرق يحسب بها الفلكيون عمر النجم:
مخططات هرتزسبرنغ-راسل:
يفهم العلماء جيدًا الطريقة التي تولد بها النجوم، وكيف تعيش، وكيف تموت.
مثلًا: تحترق النجوم بوساطة وقودها الهيدروجيني، وتنتفخ وتطرد الغازات في النهاية إلى الفضاء، سواء كان ذلك بانفجار أو دونه، ولكن تزداد الأمور تعقيدًا مع بداية كل مرحلة من مراحل دورة حياة النجم.
تبعًا لكتلها، تصل النجوم إلى كل مرحلة من المراحل بعد عدد مختلف من السنوات، وتموت المزيد من النجوم الضخمة في عمر مبكر، في حين أن نجومًا أقل ضخامة قد تحترق مليارات السنين.
في بداية القرن العشرين، توصل عالما الفلك إجنار هيرتزسبرنغ وهنري لويس راسل إلى فكرة تخطيط درجات حرارة النجوم مقابل سطوعها، وتتوافق الأنماط الموجودة على الرسوم التخطيطية أو H-R مع أماكن تواجد النجوم المختلفة في دورات حياتها، واليوم يستخدم العلماء هذه الأنماط لتحديد عمر التكتلات النجمية التي يُعتقد أن نجومها تكونت جميعها في نفس الوقت.
التحذير هنا أنه إذا لم تقم بكثير من الحسابات والنمذجة، فلا يمكن استخدام هذه الطريقة إلا على النجوم في التكتلات النجمية، أو بمقارنة لون النجم الواحد مع سطوعه بالرسوم البيانية النظرية H-R.
ويقول عالم الفلك ترافيس ميتكالف من معهد علوم الفضاء في بولد كولو: «إنه ليس دقيقًا جدًا، رغم أنه أفضل ما نملك».
معدل الدوران:
لاحظ علماء الفيزياء الفلكية النظرية مسارًا معينًا بحلول السبعينات، حيث تدور النجوم في التجمعات الأصغر سنًا أسرع من النجوم في التجمعات الأقدم، وعام 1972 استخدم عالم الفلك أندرو سكومانيش معدل دوران النجم ونشاطه السطحي لاقتراح معادلة بسيطة لتقدير عمر النجم:
معدل الدوران= (العمر)^(½-)
وكان هذا الأسلوب المتبع للنجوم الفردية على مدى عقود، وأظهرت البيانات الجديدة ثغرات في فائدته.
واتضح أن بعض النجوم لا تتباطأ عندما تصل إلى عمر معين، وبدلًا من ذلك، تحافظ على سرعة الدوران نفسها لباقي حياتها. ويقول ميتكالف: «الدوران هو أفضل طريقة تستخدم مع النجوم الأصغر سنًا من الشمس، أما بالنسبة للنجوم الأقدم من الشمس، فهنالك طرق أفضل».
علم الزلازل النجمي:
وردت البيانات الجديدة التي تؤكد أن معدل دوران النجم لم يكن أفضل طريقة لتقدير عمره. تيلسكوب كيبلر الفضائي لتتبع الكواكب الخارجية، وهو ليس نعمة فقط للأبحاث الخارجية، إنما دفع كيبلر بعلم الزلازل النجمية إلى الأمام، فقط من خلال مراقبة نفس النجوم لفترة أطول.
ويمكن أن تعطي مراقبة وميض النجم أدلة على عمره، وينظر العلماء إلى التغيرات في سطوع النجم على أنها مؤشر على ما يحدث تحت السطح، ثم يحسبون عمر النجم من خلال النمذجة، وللقيام بذلك يحتاج المرء إلى مجموعة كبيرة من البيانات عن سطوع النجم، وهو ما يمكن أن يزودنا تلسكوب كيبلر به.
ويقول سودربلوم: «يعتقد الجميع أن كل ذلك يتعلق بالعثور على الكواكب، وهو صحيح».
وأضاف: «لكنني أفضل القول أن مهمة كيبلر كانت مهمة خفية تتعلق بالفيزياء النجمية».
ساعد هذا النهج في الكشف عن أزمة منتصف العمر المغناطيسية للشمس، وقُدمت مؤخرًا بعض الأدلة عن تطور مجرة درب التبانة. وقبل نحو 10 مليارات سنة، اصطدمت مجرتنا بمجرة قزمة، ووجد العلماء أن النجوم التي خلفتها المجرة القزمة أصغر سنًا أو تقريبًا بنفس عمر النجوم الأصلية لدرب التبانة، ولذلك ربما تطورت مجرة درب التبانة بسرعة أكبر مما اعتقدنا سابقًا.
وبما أن التلسكوبات الفضائية مثل NASA’s TESS ووكالة الفضاء الأوروبية CHEOPS تمسح رقعًا جديدة من السماء، سيتمكن علماء الفيزياء من معرفة المزيد عن دورة حياة النجوم، ويتوصلون إلى تقديرات جديدة لمزيد من النجوم، وبصرف النظر عن الفضول الذي يساورنا حول النجوم من فوقنا، تملك أعمار النجوم تأثيرات تتجاوز نظامنا الشمسي، بدءًا من تكوين الكواكب، إلى تطور المجرات، وحتى البحث عن الحياة خارج كوكب الأرض.
وقال سودربلوم: «في أحد الأيام، بعد فترة من الزمن، سيزعم أحدهم أنه يرى علامات الحياة على كوكب يدور حول نجم آخر، وسيكون أول سؤال يطرحه الناس عليه: ما هو عمر ذلك النجم؟ سيكون سؤالًا تصعب الإجابة عنه».
اقرأ أيضًا:
كيف يكون عمر نجم أكبر من عمر الكون؟
موسيقى من الفضاء تتيح معرفة عمر النجوم
ترجمة: حلا بوبو
تدقيق: عبد الرحمن داده