لقد رأينا جميعًا صورًا جميلة للفضاء الخارجي مع دوامات نابضة بالحياة ونجوم ساطعة تتوضع على هاوية سوداء. بما أنه من السهل جدًا التقاط صورة ملونة بالهاتف، فقد تعتقد جازمًا أن المقاريب الفضائية المتطورة تنتج صورًا ملونة تلقائيًا أيضًا.
مع ذلك، فإن جميع الكاميرات الرقمية -بدءًا من الهاتف وحتى مقراب جيمس ويب الفضائي- لا يمكنها فعليًا الرؤية بالألوان، إذ تُسجل الكاميرات الرقمية الصور على شكل مجموعة من الأصفار والآحاد، بحسب كمية الضوء التي تضرب أجهزة الاستشعار الخاصة بها.
كل بكسل له فلتر ملون فوقه (إما أحمر أو أخضر أو أزرق)، يسمح فقط لموجات الضوء المحددة بالمرور. رُتِّبَت الفلاتر في نمط محدد (عادةً ما يكون نمطًا مربعًا متكررًا يتألف من أربعة بكسل يُعرف باسم نمط باير)، ما يتيح لأجهزة الكمبيوتر في الكاميرا دمج البيانات الملتقطة في صورة ملونة بالكامل.
توزع بعض الكاميرات الرقمية الفلاتر الملونة عبر ثلاثة أجهزة استشعار فردية، إذ يمكن دمج البيانات منها بالطريقة نفسها في صورة ملونة بالكامل. مع ذلك، يتعين على كاميرات المقراب أن تلتقط الصور بفلتر واحد في كل مرة، ثم تُدمج لاحقًا من الخبراء في صورة مركبة.
تحويل البيانات العلمية إلى صور ملونة جميلة في الواقع هو عمل بدوام كامل.
في الهواتف الذكية، يحدث تجميع الطبقات بسرعة للغاية، لكن المقاريب هي هياكل علمية ضخمة معقدة، ويتطلب الأمر جهدًا إضافيًا للحصول على النتائج المذهلة التي نحبها ونعرفها.
إضافةً إلى ذلك، عندما ننظر إلى الكون، يستخدم الفلكيون موجات الضوء التي لا يمكن لعيوننا حتى رؤيتها (مثل الأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية)، لذا يجب أيضًا تمثيل هذه الموجات بألوان في الطيف المرئي.
هناك الكثير من القرارات التي يجب اتخاذها بشأن كيفية إضافة الألوان إلى صور الفضاء، ما يطرح السؤال: من يقوم بصنع هذه الصور، وكيف يقومون بذلك؟
أما النتائج المذهلة التي شاهدناها من مقراب جيمس ويب الفضائي، فإن تحويل البيانات العلمية إلى صور ملونة جميلة هو في الواقع عمل بدوام كامل، إذ يجمع مختصو علم المرئيات في معهد علوم المقاريب الفضائية في بالتيمور الصور معًا، ويرتبون الملاحظات من مختلف الأجهزة على المقراب، ثم يزيلون العيوب أو الأشياء في الصورة التي ليست حقيقية بالفعل، بل ظهرت نتيجة تجهيزات المقراب وكيفية معالجة البيانات الرقمية. قد تكون هذه العيوب خطوطًا من الأشعة الكونية المتباطئة أو التشبع الزائد لأكثر النجوم لمعانًا أو ضوضاء الكاشف نفسه.
الصور من الأبيض والأسود إلى الملونة:
قبل أن يفكر هؤلاء الخبراء حتى في اللون، يحتاجون إلى تحقيق توازن بين القيم الداكنة والمضيئة في الصورة، فقد صُمِّمَت الكاميرات العلمية لتسجيل مجموعة واسعة من أنواع السطوع تتجاوز ما يمكن لعيوننا التقاطه. يعني هذا أن الصور الأولية من المقاريب غالبًا ما تبدو مظلمة جدًا لعيوننا، ويجب زيادة سطوع الصورة لرؤية أي شيء.
فور الحصول على صور بالأبيض والأسود تظهر فيها التفاصيل مرئية، يُضيف الخبراء الألوان. وفقًا لقول كاتيا جوزمان؛ عالمة الفلك في جامعة ميشيغان: «تمتلك المقاريب المختلفة فلاتر مصممة لتكون حساسة فقط لأطوال موجات ضوء معينة. الصور الملونة للفضاء التي نراها هي مجموعات من التعرضات المنفصلة التي التُقِطَت بفلاتر مختلفة. يمكننا تعيين كل فلتر لقناة لونية منفصلة؛ أحمر أو أخضر أو أزرق الألوان الرئيسية للضوء المرئي. حين تُكدّس فوق بعضها، نحصل على صورة الكتب المدرسية الملونة الرائعة التي اعتدنا رؤيتها في وسائل الإعلام».
النتيجة النهائية، بالطبع، تعتمد أيضًا على نوع البيانات التي يتعين على خبراء الصور التعامل معها في المقام الأول، لذا غالبًا ما يختار الفريق ألوانًا مختلفةً لتسليط الضوء على حقيقة أن كاميرتي NIRCam وMIRI -اثنتان من كاميرات مقراب ويب للأشعة تحت الحمراء- تنظران إلى أطوال موجات مختلفة (الأشعة تحت الحمراء القريبة والأشعة تحت الحمراء المتوسطة، على التوالي)، ومن ثم هياكل فيزيائية مختلفة.
على سبيل المثال، في بقايا السوبرنوفا Cassiopeia A، كشفت الملاحظات من مقراب جيمس ويب الفضائي عن فقاعة تنبعث منها موجة محددة من الضوء، ملونة باللون الأخضر في صورة MIRI، لذا تُعرف باسم (الوحش الأخضر).
من دون هذا التصور، ربما لم يكن الفلكيون ليلاحظوا ميزة مثيرة للاهتمام توفر نظرة عميقة عن كيفية موت النجوم العملاقة. بعد بعض التحقيق، اكتشفوا أن الوحش الأخضر هو منطقة من الحطام المضطرب نتج عن الانفجار الهائل من السوبرنوفا في الفضاء.
من غير المرئي إلى المرئي:
عمومًا، يحاول خبراء الصور الاحتفاظ بالأمور قريبة من الواقع قدر الإمكان. على سبيل المثال، إذا كان المقراب يراقب بالضوء المرئي، فإن الطول الموجي قد يتناغم مباشرةً مع الألوان التي نعتاد رؤيتها، لكن تلك الأجزاء من الطيف غير المرئية لأعيننا، يتعين عليهم اتخاذ قرارات بشأن الألوان المرئية التي يجب استخدامها، هنا حيث يصبح فيه الأمر بمثابة نوع من الفن، إذ لا يختار الخبراء الألوان بناءً على الدقة العلمية فحسب، بل أيضًا بناءً على ما يبدو أنه الأفضل.
أما مقراب جيمس ويب ومقراب هابل الفضائيين، فالروتين المعتاد هو استخدام اللون الأزرق للأطوال الموجية الأقصر والأخضر للمتوسطة والأحمر للأطوال الموجية الأطول.
إذا كان هناك أكثر من ثلاثة فلاتر مختلفة للاختيار فيما بينها (مثلما هو الحال غالبًا مع مقراب جيمس ويب الفضائي JUST، وبخاصة عند استخدام أكثر من أداة تكنولوجية متطورة)، يضيف الخبراء في بعض الأحيان اللون البنفسجي والأزرق المخضر والبرتقالي للأطوال الموجية الأخرى بينها الأحمر والأخضر والأزرق.
لكن الصور الملونة أكثر من مجرد صورة جميلة، فهي فعليًا مفيدة للعلم. إن الدماغ البشري ممتاز في التقاط الأنماط اللونية، مثل تحليل خريطة تحتوي على خطوط مترو ملونة أو إدراك أن: «الضوء الأحمر يعني التوقف، والأخضر يعني الانطلاق»، على حد قول مارك بوبينشوك Mark Popinchalk؛ عالم فلك في متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي.
يضيف: «هذه أمثلة يومية، إذ تقدَّم المعلومات الاجتماعية وتُعالج بسرعة من خلال اللون. يرغب العلماء في استخدام الأداة نفسها، لكن بدلًا من المعلومات الاجتماعية، فإنها علمية. إذا كانت الأشعة السينية حمراء والأشعة فوق البنفسجية زرقاء، فيمكننا تفسير الضوء النشط بسرعة كبيرة بما يتجاوز قدرة الإنسان». النتيجة هي تمثيل بصري لكمية كبيرة من البيانات؛ أكثر مما يمكن معالجته بالعين المجردة أو بالأبيض والأسود فقط.
على سبيل المثال، تصف جوزمان كيف ساعدت الصور على التعرف على مكان حدوث عمليات فيزيائية مختلفة في جسم ما، مثل رؤية مكان تكوّن النجوم في مجرة أو وجود عناصر مختلفة حول السديم في الفضاء.
لقد كشفت الصور الملونة ذات الضوء الذي يتجاوز الطيف المرئي عن وجود المادة المظلمة حول المجرات، مثلما هو الحال في bullet cluster (تجمُّع الطلقة: هو تجمُع مجرات مصطدمة ببعضها).
مثال آخر حديث ومثير للاهتمام على وجه التحديد لتلوين الصور هو حالة كوكب نبتون. الصورة الزرقاء الداكنة للعالم الجليدي من مهمة ڤوياجر Voyager لا تعكس فعليًا لونه الحقيقي؛ ليس كأننا ننظر إليه بأعيننا الخاصة، بل إنها أكثر شبهًا بالوجه الشاحب لكوكب أورانوس.
توضح جوزمان: «في الثمانينيات، مدّد الفلكيون صور كوكب نبتون وعدلوها لإظهار المزيد من التباين في بعض ملامحه الخافتة، ما أدى إلى حصوله على هذا اللون الأزرق الداكن، الذي جعله يبدو مختلفًا تمامًا مقارنةً بأورانوس. على الرغم من أن الفلكيين كانوا على علم بهذا، فإن الجمهور لم يكن كذلك. هذا مثال جيد على كيف قد تؤدي إعادة معالجة البيانات نفسها بطرق مختلفة إلى تمثيلات مختلفة تمامًا».
تحليل الصور كان وما زال جزءًا كبيرًا من علم الفلك، إذ يبحث عن طرق لرؤية الكون خارج حدود أعيننا البشرية المحدودة للغاية.
يمكن تجربة ذلك، فبيانات مقراب جيمس ويب الفضائي متاحة للجمهور من وكالة ناسا، حتى أنهم يديرون تحديًا للتصوير الفلكي مفتوحًا لأي شخص. الآن عند رؤية صورة جميلة للفضاء، ربما يمكن التفكير فيها على أنها مزيج رائع بين العلم والفن.
اقرأ أيضًا:
رواد الفضاء المتوجهون إلى المريخ سيتعرضون إلى تأثيرات تمدد الزمن!
مجرة صغيرة تدور حول مجرتنا في الفضاء، لكنها مختلفة عمّا نعتقد!
ترجمة: محمد فواز السيد
تدقيق: منال توفيق الضللي
مراجعة: هادية أحمد زكي