كيف مكّنت الخلايا الجذعية مصابي الجلطة الدماغية من المشي؟
أظهرَ الأشخاص الذين تعرّضوا لجلطات دماغيّة تحسّناتٍ ملحوظة في قدرتهم على الكلام إلى جانب الحركة والقوّة وذلك بعدَ حقن خلايا جذعيّة ضمن أدمغتهم، هذا وقد استعاد بعض الأشخاص قدرتهم على المشي أيضًا.
لا يزال الوقت باكرًا إلا أنَّ نجاحَ هذه التّجربة الصّغيرة قد بيّنَ لنا مدى استخفافنا بقدرة الدماغ على إصلاح نفسِه بشكلٍ كبير، هذا وقد نتمكّنُ يومًا من استعادة وظائفَ سبق للدّماغ أن خسرها فيما مضى.
أشارَ غراي شتاينبيرغ Gray Steinberg، جرّاحُ الأعصاب و قائدُ هذا البحث، لآندي غولان Andy Goghlan من مجلّة New Scientist، أنَّ سيّدة في الحادي والسّبعين من عمرها قد تمكّنت من تحريك إبهامها الأيسر فقط في بداية التّجربة، بينما نجدها الآن تستطيع أن تمشيَ وترفعَ يدها فوق رأسها.
إنّها التّجربة الثانية في هذا المجال والتي تبيّنُ لنا أنّ حقنَ الخلايا الجذعيّة في أدمغة المرضى يمكن أن يحسّنَ من قدرتهم على التّعافي والشّفاء، حيث ظهرت دراسة في بريطانيا خلال العام الماضي وبيّنت أيضًا نفس النّتائج الواعدة لدى مرضى السّكتات الدماغية وحتى بعد عام من تلقيهم العلاج.
أمّا عن هذه الدّراسة الحديثة التي نتحدّث عنها حاليّا فقد أجريت في كاليفورنيا تحت رعاية شركة سان بايو San Bio، واختبر الفريق خلالها الدّواءَ على 18 مريضًا أصيبوا بجلطات دماغيّة قبل التجربة بحوالي 3 أشهر إلى 3 سنوات، إضافة إلى أنَّ حالتَهم الصّحيّة كانت مستقرّة وهذا يعني أنَّه من غير المرجّح أن يتحسنوا بشكل عفويّ دون علاج. وكانت نتائج هذه التّجربة جيّدة حيث سجّل جميع المرضى تحسّنات في الحركة، بينما أظهرَ البعض حالة أفضل وأحسَن من حالتهم قبل إجراء التّجربة.
هذا وقامَ العلماء قبل سنة بقياس حركة المرضى على مقياس من 1 الى 100 ووجدوا، وبشكل وسطيّ، تحسّنًا بحالة المصابين قدّرَ ب11.4 درجة، وتعتبرُ نتيجة جيّدة خصوصًا أنَّ هذا الرّقم كبيرٌ جدًّا في الحالات السّريريّة. أي أنَّ هذه التجربة، وبمعنى آخر، كان لها تأثيرًا هامًّا على حياة المصابين.
تعتمدُ هذه التّجربة على حقن الخلايا الجذعية ،وعبر ثقب في الجمجمة، ضمن المناطق الحركيّة التي تضررت جرّاء السّكتة الدّماغية، إلا أنَّ الفريق لا يعلم بشكل دقيق وتامّ كيف ساعدت هذه التّقنية على تحسّن الحركة لدى المصابين. ومع كلّ تجربة يقترب الباحثون خطوة أكثر نحو فهم ما يحدث ضمن الدّماغ بعد عمليّة الحقن. وتأتي أهميّة هذه التجربة في كونها المفتاح الذي سيمكننا من تقليل عمر الدّماغ.
تسمّى هذه الخلايا المحقونة بالخلايا الجذعيّة الوسيطة، وقد أخِذت من نقيّ العظم لدى متطوّعين أصحّاء، ثمّ عُدّلت جينيًّأ كي تعبِّرعن مورّثةٍ تدعى Notch1 تلعب دورًا في تحفيز وتنشيط نموّ الدماغ لدى الأطفال. وقد حُقنَ كلّ مريض ب2.5، 5 أو 10 مليون خليّة منها.
أظهرَ العلماء أنَّ هذه الخلايا المحقونة لا تعيش أكثرَ من شهر في أدمغة الفئران. وأثناء هذه الفترة، يعتقد أنَّها تقومُ بإفرازِعواملَ لتشكيلِ وصلاتٍ جديدة بين الخلايا العصبيّة الدّماغيّة وبالتّالي تتكوّن أنسجة جديدة.
وأشارَ شتاينبيرغ لمجلة New Scientist مجدّدًا إلى وجودِ اعتقاد سائد عن موت الخلايا العصبيّة في الدّماغ بعد تضرّرها، إلا أنَّ هذه التجربة ستدفعنا إلى أن نعيد التفكير بهذا الأمر من جديد، ويجد شتاينبرغ شخصيًّأ أنَّ هذه الدّوائرَ العصبية المتضرّرة تتثبط عن العمل ثم يقوم العلاج بالخلايا الجذعيّة بإصلاح هذا الضّرر في أدمغة الكبار تمامًا كما يحدث في أدمغة الأطفال، والتي تصلح الأضرارُ فيها بسرعةٍ كبيرة.
تعتبر هذه النتائج واعدة جدًا، ومع ذلك لايزال هنالك الكثير من الأمور بحاجة للإنجاز والعمل قبل أن يصبح هذا العلاج متوفّرًا، ولا سيّما أنَّ جميع المرضى قد سجّلوا بعد هذا العلاج أثرًا جانبيّا واحدًا على الأقل، وهذه ستكون مهمّة الأبحاث القادمة كي نتأكّد من سلامة العلاج قبل إتاحته.
وفي الختام، نوّه شاميم قادر Shamim Quader من الجمعيّة البريطانية للجلطات الدماغيّة حول هذا الموضوعِ قائلًا: ” تضاف هذه التّجربة إلى مجموعة كبيرة من التّجارب السريريّة الأوليّة التي تشير إلى إمكانيّة العلاج باستخدام الخلايا الجذعيّة، حتى ولو تمّ العلاج بعد أشهر أو سنوات من الإصابة بالجلطة الدّماغية، وهذا ما يحمل الأملَ لكثيرين ممن يعيشون حياتهم بلا أيّ حركة ”
إعداد: ضياء عكيل
تدقيق: ميس كروم