كشفت دراسة جديدة أن خطأ فادح من علماء البيئة أدى إلى إطلاق مجموعة من الطفيليات تشبه «الدمى الروسية»، التي تنفجر في المعدة، على جزيرة فنلندية نائية.
قبل ثلاثين عامًا، قدَّم عالم البيئة إلكا هانسكي فراشات جلانفيل الفريتية (ميليتيا سينكسيا) إلى جزيرة سوتونجا في أرخبيل أولاند، خطط لمشاهدة كيف يمكن لمجموعة من نوع واحد وُضعت في بيئة قاسية البقاء على قيد الحياة.
لكن لم يكن لديه فكرة أن ثلاثة طفيليات متداخلة ستدخل المشهد، طفيليين يعيشان داخل طفيلي آخر، كان هو نفسه متداخلًا داخل بعض الفراشات.
الطفيليات الأخيرة، يرقات الدبابير الطفيلية (Hyposoter horticola)، تتغذى على يرقات جلانفيل من الداخل إلى الخارج، إذ تنفجر من بطن مضيفها لتتشرنق حول جثة اليرقة.
يعيش نوعان آخران من الطفيليات داخل يرقات الدبابير الطفيلية. الثاني هو «طفيلي مفرط»، دبابير طفيلية تسمى M. stigmaticus. النوع الثالث هو البكتيريا الولبخية (Wolbachia pipientis)، ما يجعل يرقات الدبابير الطفيلية أكثر عرضة للإصابة بـ M. stigmaticus.
إذا وُجد الجميع خلسة في جسم اليرقة المضيفة، فإن يرقات الدبابير الطفيلية تقتل اليرقة قبل أن يقتلها (M. stigmaticus). يخترق الطفيلي المفرط بعد 10 أيام، يشق طريقه عبر اللحم المليء بالبكتيريا لطفيلي الدبور الأول، ثم جثة اليرقة.
مع ذلك، بطريقة ما، بعد 30 عامًا من تقديمها ورغم الانهيارات السكانية المتعددة والمهمة بين مضيفيها من الفراشات، ظلت جميع الأنواع الأربعة على قيد الحياة في الجزيرة الصغيرة التي تبلغ مساحتها 27 كيلومترًا مربعًا.
في دراسة جديدة نُشرت في مجلة الأحياء الجزيئية، حلل الباحثون جينات مجموعة يرقات الدبابير الطفيلية والبكتيريا، لمعرفة كيف حققت الطفيليات هذا الإنجاز المذهل.
قالت آن دوبلوي، المؤلفة الرئيسية للدراسة، إن موطئ قدم الفراشات الهش على الجزيرة والحالات العديدة التي اقتربت من موطنها الطبيعي، هي «قصة خسارة كلاسيكية للتنوع البيولوجي».
تتغذى فراشات جلانفيل حصريًا على نوعين من نبات المرج، مثل اليرقات، ما يجعل هذه الأنواع عرضة للتغيرات المفاجئة في بيئتها.
إذا تضخمت هذه المروج، إذ تسيطر الشجيرات والأشجار، تنقرض النباتات المضيفة تحت أغطية الأشجار.
تتأثر يرقات جلانفيل أيضًا بشدة بالأحداث المناخية مثل الجفاف، الذي قد يوقظها مبكرًا جدًا من سباتها، فتدخل الأجنة حالة سبات للبقاء على قيد الحياة في الظروف القاسية.
تقول دوبلوي: «إذا حدث الجفاف في الخريف، عندما تستيقظ اليرقات من سباتها فإنها ستموت جوعًا لأنه في ظل حدوث جفاف قوي، لا يمكن النباتات المضيفة أن تنمو، من ثم لن يكون لديها طعام تتغذى عليه للوصول إلى مرحلة البلوغ، فينهار عدد الأفراد».
رغم الأحداث العديدة التي كانت لتدفع الفراشات إلى انقراض وشيك، فإن الفراشات قد نجت، وبتنوع جيني مرتفع ارتفاعًا ملحوظًا، بفضل التنوع الجيني العالي للأفراد الذين دخلوا الجزيرة للمرة الأولى.
بقيت الطفيليات على قيد الحياة، تمامًا مثل مضيفيها من الفراشات.
تقترح دوبلوي سببين لذلك. أولًا، عزل مجموعة الفراشات في سوتونجا عن مجموعات أنواعها في أماكن أخرى من الأرخبيل، لكن طفيليات الدبابير ليست كذلك.
يتفوق كل من الدبابير الطفيلية و(M. stigmaticus) على الفراشات في الطيران، إذ تمتلك الدبابير الطفيلية خصوصًا القدرة على الطيران حتى في الرياح القوية. اكتشف الباحثون أن بعض العواصف قد نقلت الدبابير الطفيلية الفردية إلى جزر غير مأهولة سابقًا شمال سوتونجا.
ثانيًا، الدبابير، لا سيما الدبابير الطفيلية، لديها استراتيجية تكاثر فعالة بدرجة هائلة.
قال دوبلوي: «تضع الفراشة بيضها في براثن من 50 إلى 200 بيضة. تشير الأبحاث إلى أن الدبور يمكنه العثور على كل واحدة من براثن بيض الفراش هذه في الحقل».
«تتجول أنثى الطفيلي حول الحقل، وتتحقق يوميًا من نمو بيض الفراشة. وعندما تكون هذه الطفيليات جاهزة للفقس مثل اليرقات، يضع الطفيل بيضه داخل قشر بيض الفراشة الذي لم يُمس. في الوقت ذاته، من المحتمل أن الدبور سيستمر أيضًا».
دبابير(M. stigmaticus) مفرطة الطفيلي، التي لا تُعد جيدة في الطيران مثل مضيفها من الدبابير الطفيلية، أقل انتشارًا عبر الجزر المحيطة بسوتونجا، وقد لجأت إلى زواج الأقارب للبقاء على قيد الحياة، وفقًا للباحثين.
يمثل الإدخال العرضي للطفيليات دراسة حالة رائعة، لكن يعتقد الباحثون أنه يوفر أيضًا تحذيرًا واضحًا حول الحاجة إلى فهم كل من الأنواع المهددة بالانقراض والأنواع المرتبطة بها قبل إجراء أي محاولة لإعادة أي منها إلى بيئة جديدة.
الدبابير الطفيلية، مثلًا، تنتشر بشكل شائع لمكافحة الآفات الزراعية، لذلك فهي مفهومة جيدًا نسبيًا، لكن الأنواع الأكثر مراوغة ربما أحدثت دمارًا في البيئة الجديدة.
رغم البقاء المذهل للفراشات وطفيلياتها حتى الآن، قال دوبلوي إن الانهيارات السكانية، الناجمة عن الجفاف المفاجئ، من المرجح أن تتفاقم مع زيادة حدة آثار تغير المناخ.
«نحن قلقون على سكان سوتونجا، على الفراشة وطفيلياتها. في السنوات القليلة الماضية، كانت أحداث الجفاف أكثر انتظامًا وأصبح الانهيار السكاني عبر أولاند أقوى».
«لقد انقرض السكان في جنوب سوتونغا، في فوغلو منذ عامين وكان عدد سكان سوتونغا صغيرًا جدًا لسنوات عديدة حتى الآن، ونخشى أن نشهد نهاية الأمر قريبًا. من العار أن نفقدها بعد 30 عامًا من المثابرة».
اقرأ أيضًا:
نظام غذائي بسيط قد يقي من ألزهايمر
كيف يؤثر تفشي الأمراض في خيارات الشعوب السياسية؟
ترجمة: محمد حلاق
تدقيق: آلاء رضا