إن صحت توقعات الخبراء بخصوص المستقبل فقد يصبح القمر محطة فضاء صاخبة. ستحلّق المركبات الفضائية ذهابًا وإيابًا إلى ومن سطح القمر محملة بإمدادات للمستعمرات البشرية على القمر، تجهز المباني والمختبرات العلمية وتنزل المعدات اللازمة لعمليات التنقيب والحفر على القمر.

عقد الاتحاد المعني بالتطوير على سطح القمر ورشة عمل في 23 يوليو 2024، عن مرافق الإقلاع والهبوط على القمر. الاتحاد تابع لمختبر جون هوبكنز للفيزياء التطبيقية في لوريل ماريلاند. شارك مسؤولو الحكومة والخبراء الجامعيون، رفقة متخصصين من القطاع الخاص، أفكارَهم حول تصميم وتشكيل هذه المرافق، إضافةً إلى مناقشة الثغرات التقنية وكيفية التعامل معها لضمان وجود بشري مُستدام على القمر.

جهود جماعية:

اقترب المختصون من اتخاذ قرارات مهمة بشأن ابتكار البنية التحتية اللازمة لتجهيز مهبط رئيسي مهيأ لاستيعاب أي وجود بشري مديد على سطح القمر.

قال إيان جين، وهو مهندس إنشاءات مختص بسلامة وأمان البنية التحتية المخطط إنشاؤها على القمر: «تحقيق الوجود البشري على سطح القمر هو نتاج جهود جماعية. من المرجح أن نحتاج إلى نقل أثقال ومعدات هائلة للقمر تمهيدًا لاستقرار البشر على سطحه. نحتاج أيضًا إلى تعاون المختصين في كل المجالات الصناعية لإنشاء بنية قمرية سليمة وناجحة».

الصواريخ وأعمدة الدخان:

يتوقع جين إنطلاق مركبات فضائية أكبر إلى القمر، ما يعني احتكاك كميات أكبر من الدخان الصاروخي مع السطح عند الهبوط.

يقول: «تخفيف الأضرار الناجمة عن تفاعلات الدخان الصاروخي هو موضوع بحث مهم حاليًا، إذ قد يخلف الدخان تجاويف على السطح، وينتج من ذلك شظايا سريعة قد تسبب ضررًا لهياكل المركبات أو أي شيء يوجد في نطاق موقع الهبوط».

للحد من آثار الانفجار، ناقش العلماء استخدام منصات الإقلاع والهبوط. على من يرغب في العمل على تصميم مثل هذه المنصات أن يكون على دراية بنوعية المركبات التي ستسافر إلى القمر وخصائصها.

سهلة الإصلاح وقابلة لإعادة الاستخدام:

قال جين: «يجب أن تكون منصات الإطلاق والهبوط قابلة لإعادة الاستخدام وسهلة الإصلاح، لضمان نقل الأشخاص والمواد والمعدات بسهولة وكفاءة إلى سطح القمر».

أوضح جين أن أنظمة هذه المنصات قد تقوم على تصميمات وممارسات تشييد موثوقة وفعالة في مجال هندسة الفضاء المعمارية. عمل المهندسون المعماريون والإنشائيون على تصميم أنظمة مماثلة تُستخدم حاليًا في محطتي هبوط «فالكون سبيس إكس» و«نيو شيبارد بلو أوريجين».

قال جين إن أي نظام هيكلي يعتمد على مكونين أساسيين للتصميم، وهما طبيعة الحمولة المتوقعة وخصائص المواد، وأضاف أن جهودًا عظيمة تُبذل حاليًا لتطوير مواد الإنشاء على سطح القمر. لكن تظل هناك صعوبات.

بنى صلبة:

يشير جين إلى أن المشكلة تكمن في طبيعة الملكية الخاصة بمعايير تحميل أعمدة الصواريخ. مع ذلك، قال إن برنامج ناسا لخدمات الحمولات القمرية التجارية يحجب هذه المعايير في الوقت الحالي، ويمكن فقط الحصول عليها من خلال اتفاقيات عدم إفصاح ملزمة قانونيًا.

لتحقيق هذه الغاية، يعمل جين مع الجمعية الأمريكية للمهندسين المعماريين، التي بدأت بتطوير الإرشادات الخاصة بعمليات الهندسة والتصميم والتحليل والبناء على سطح القمر. وهم يناقشون موضوعات مثل أنماط التشييد وأنواع المواد المطلوبة والعوامل البيئية والتعامل مع قشرة سطح القمر والصواريخ لضمان بناء هياكل قوية.

أشار جين إلى أن أعمدة الدخان الصاروخي عند الإقلاع أو الهبوط العمودي تولد ضغطًا وحرارة متدفقة على السطح الذي تنطلق منه أو تهبط عليه، ويختلف الضغط والحرارة باختلاف نوع فوهة الصاروخ وموضعه وحجمه.

قال جين: «في رأيي، تحديد أوضاع التحميل له الأولوية في الوقت الحالي، إذ لا يمكن تصميم نظام هيكلي –مثل منصات الإقلاع والهبوط- دون أخذ معايير التحميل في الحسبان. يشبه الأمر محاولة تصميم جسر أعلى طريق سريع، دون معرفة أنواع المركبات المارة فوقه».

مصدر التوقعات:

مع وجود 6 بعثات لمشروع أبولو بين 1969 و1972، حلقت إلى القمر وعادت بسلام مع 12 من رواد الفضاء، لمَ كل هذه الجلبة بشأن الهبوط على القمر ومغادرته؟

يجيب جون كونولي، الأستاذ في قسم هندسة الطيران بجامعة تكساس، إن عمليات أبولو أثارت تساؤلات أكثر مما توصلت لأجوبة. خلال مسيرته الممتدة 35 عامًا في ناسا، عمل جون على نظام آرتميس للهبوط، وعمل أيضًا مع المقاولين التجاريين للهبوط على سطح القمر.

صرح كونولي: «نعلم أن الطبقة العليا من قشرة القمر هشة، تتطاير بسهولة جراء أي من أشكال الهبوط، لكن تفاصيل ما يحدث بالأسفل في طبقات القشرة الأصلب والأعمق ما زال مبهمًا، ومحور الكثير من التساؤلات والتخمين، وسبب تمويل ساعات من المحاكاة».

كثافة متغيرة:

أوضح كونولي أن القشرة الخارجية الهشة لسطح القمر -المعروفة بالريغوليث- تغطي طبقةً أصلب في تربة القمر على عمق بضعة أقدام تحت القشرة الهشة.

قال كونولي: «حقيقة أن الخصائص الجيوتقنية لسطح القمر تتغير جذريًا خلال المتر الأول من التربة يعقد جهودنا لنمذجة السطح، إذ يجب أن نأخذ في الحسبان الكثافة المتغيرة والتماسك والمسامية وقوة القص. سيستمر دخان محرك المركبة في التفاعل عند الهبوط مع الجزء المكشوف من التربة بأكثر من طريقة بعد تطاير الطبقة الهشة من القشرة».

وأضاف أنه تصعب نمذجة المشكلة وتحليلها، نظرًا إلى الحاجة إلى نمذجة تدفق غاز المحرك نمذجةً صحيحة، ثم نمذجة كيفية تفاعل هذا الغاز مع قشرة سطح القمر.

قال كونولي: «نحتاج إلى نمذجة كل جسيم من جسيمات الريغوليث منفردًا، إذ ينفصل من بنية التربة، ويتسارع في سحابة من الدخان ويصطدم بجسيمات أخرى، وينتهي به الأمر في مسار باليستي»، وقال إن هذا سيتطلب قدرًا هائلًا من وقت تشغيل ديناميكيات حسابية للموائع على حاسوب عملاق.

حلول مبتكرة:

هل توجد حاجة فعلًا إلى إعداد منصات الإقلاع والهبوط لمنع المركبات من تجريف السطح الصخري للقمر، وإرسال الشظايا المتطايرة بسرعة هائلة نحو أسطح المركبات والمعدات القريبة؟

يؤيد كونولي الفكرة، وأضاف أنه يمكن استخدام تضاريس القمر الطبيعية لحماية مكونات السطح. يجب فقط اختيار موقع هبوط بجانب سطح مرتفع مثل تلة أو نتوء جبلي يفصله عن المعدات والخدمات المهمة.

يشير كونولي إلى أنه في حال أردنا الهبوط في الموقع ذاته باستمرار، فتجب معالجة تلك البقعة للحد من تأثير أعمدة دخان الصواريخ.

في هذه الحالة يمكن استخدام سائل بوليمري تجاري يُستخدم بالفعل لمعالجة المناطق ذات التربة المفككة، إذ يعزز التربة بلصق جزيئاتها معًا.

يقول كونولي: «ترش قوات الجيش سائل البوليمر -الذي يزيد استقرار التربة وصلابتها- على الطرقات غير الممهدة ومنصات هبوط المروحيات. يمكن تطوير نسخة من هذا السائل ملائمة للقمر لاستخدامها في تجهيز منصات الهبوط».

أضاف كونولي أن معالجة بقع من السطح لتصبح ملبدة بعمق قد يكون الحل الأمثل، مع الحاجة إلى حل طويل الأمد حال إنشاء منصات هبوط دائمة.

نجاح المهمة:

يقول التقني في مختبر ناسا روب مولر: «ضمان الهبوط الآمن على القمر، وبالتبعية الإقلاع منه، أساسي لنجاح المهمة».

قال مولر إن البيانات النهائية لمركبات برنامج ناسا لخدمات الحمولات القمرية التجارية ستقدم نظرةً أدق عن تأثير أعمدة الدخان الصاروخي في مواد سطح القمر.

ويقول إنه استنادًا إلى ذلك، سنعرف بوضوح ما يمكننا فعله على المدى البعيد: «سنرى في المستقبل تطور المحطات الفضائية على سطح القمر وغيره من الوجهات المدراية أو السطحية في المجموعة الشمسية. ستستخدم وقودًا مشتقًا من الموقع نفسه كما يُشتق الأكسجين والهيدروجين من الماء. هذه هي أولى خطواتنا نحو افتتاح خطوط نقل المجموعة الشمسية للبشر وروبوتات التنقيب».

اقرأ أيضًا:

سطح قمر المشتري (آيو) مغطى ببحيرات من الحمم البركانية

شيء ما بداخل القمر قد يكشف سر الدوامات الغامضة على سطحه

ترجمة: إسراء أسعد

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر