كيف ستبدو البشرية إذا أوقفنا الشيخوخة؟
الفكرة وراء الكتاب الرائع الجديد لـ (درو ماغاري- Drew Magary) بسيطة: وهي أن الشيخوخة، كما تبين، يُسبِّبها جين واحد.
أوقف ذلك الجين، وستتوقف عن التقدم بالسن. لكن تبقى الأمراض والحوادث تشكل مشكلة، إلا أنك عالجت الموت الناتج عن أسباب طبيعية.
وقد ادخل الآن ذلك الاكتشاف إلى حقيقة أن أي شخص يتلقى العلاج سيتوقف عن التقدم بالسن.
فلا يصبح الأشخاص أكثر شبابًا، لكنهم فقط لا يكبرون، إنما يتجمدون في أعمارهم «عمر العلاج».
لكن ماذا يحدث لاحقًا؟
وفي محاولة منه لمعرفة ذلك، يأخذنا ماغاري لحياة (جون فاريل- John farrel)، وهو محامي من مدينة نيويورك، والذي تلقى علاج الشيخوخة في عام 2019، عندما كان في التاسعة والعشرين من عمره.
وانطلاقًا من تلك النقطة، فالأمور تسير بشكل سيء بالنسبة لجون ولباقي البشرية.
وكما يمكن أن يتوقع المرء، فإن علاج الشيخوخة، لا يُعالِج الأمراض الاجتماعية، الكثافة السكانية، الملل، أو العديد من المشاكل البشرية الأخرى.
الفكرة الأساسية التي يناقشها ماغاري في نصه هي: الموت يخلق المعنى.
فذلك لا يعني الفناء، وإنما ضمان موت طبيعي ناتج عن التقدم بالسن.
الفكرة هي أنه لا يهم ماذا تفعل، أو كيف تعيش حياتك، فإن التصور الذي ستكونه عن النضج، الهرم، والموت، سيخلق معنى للإنسان.
وقد كان لماغاري وجهة نظر: من لغز الـ (سفينكس- Sphinx) «أبو الهول»، إلى شخصية (تايلر درودن- Tyler Durden)، إلى الكتب الأخيرة لـ (هاري بوتر- Harry Potter)، يبدو أن الشيخوخة والموت تتمركز في التفكير البشري.
ولا نحاول الإنكار بأنه يمكن لأي منا في أي لحظة أن يلقى نهاية مأساوية.
الحياة ثمينة بشكل جزئي، لأنه ليس من المفترض أن تدوم.
إلا أن هذا ما لا يوافقه الكاتب به. فكتاب «The postmortal»، لا يتحدث عن المجتمع ما بعد الموت، وإنما عن المجتمع ما بعد الشيخوخة.
ويموت الكثير والكثير من الناس بنظر ماغاري. وفي الواقع، يبدو أنه يناقش بأن غياب الموت، لن يجعل الناس يبحثون عنه فقط، وإنما سيختلقون ظروفًا تُسبِّبه، وبالتالي يخلقون المعنى.
وفقط لأن حياة فاريل كانت بمعظمها في خطر، فقد وجد سببًا للبقاء. إلا أنه لن يكون خالدًا، ولا أحد يمكنه ذلك.
والسؤال هنا: هل عملية الشيخوخة ذات معنى لكونك فانيًا؟
هذا السؤال مثير للإزعاج، لأن هناك العديد من الناس العظماء الذين تقدموا بالسن مع الامتنان لذلك، فهم يملكون لِحى بيضاء، ابتسامات بتجاعيد، وعيون مشرقة وراء نظارات سميكة.
كما أن بعض الناس يصبحون وسيمين فقط عندما يكبرون. يملكون عكاز من القصب، ويدخنون من غليون عاجي، ويتفوهون بكلمات بذيئة.
والواقع يمثل صورة محبطة، فالألزهايمر، باركنسون وغيرها من الأمراض متأخرة الظهور، تهاجم الجسد بوحشية بحيث يكون بإمكان الأدوية الحديثة أن تحافظ على خفقان قلبك وتماشي الأعضاء معه، بينما يتراجع العقل إلى نقطة العدم.
الشيخوخة في العصر الحديث تعني الفقدان البطيء غير المتوقف للسمع، الذاكرة، الحركة، ضبط النفس والصلابة.
فما هو الجزء من تلك العمليات الذي يخلق معنى لحياتنا؟ أو هل علينا لنحصل على فوائد الموت أن نمضي في نيران اليأس، أو نبطل المحاولات لمنعه؟
وتكون رؤية ماغاري مغلفة بشخصية تظهر في نهاية الكتاب. وهي عاهرة تريد أن تموت، جرى تجميد عمرها عند سن الثامنة عشر، وكنتيجة لذلك، ينظر إليها مراهقة عقليًا بشكل دائم.
وبالتالي فإن العقود الإضافية لها على الكوكب، لم تفعل شيئًا لتغيير النظرة حولها، بينما جعلتها أكثر استهزاءً. وهذا يحصل على الكوكب لكل شخص بعد العلاج.
فبرأي ماغاري، إيقاف العمر الجسدي يعني إيقاف النضج.
ولا ننكر بأن الموت يخلق معنى. فتعطينا الحدود والتناهي شيئًا ما لنحدد به وجودنا.
إلا أن هذا المعنى لا يُخلَق بمعرفة أني سأموت عندما أبلغ الثمانية وتسعين من العمر، إلا أنه يُخلَق ببساطة بمعرفة أني سأموت. وربما أكون محظوظًا وأعيش 500 عامًا، إلى أن أُزال في غزو فضائي.
وربما أملك ورمًا ما، وأموت قبل مُضي عام من الآن. فمعرفة متى نموت، إن كان في الشباب أو الشيخوخة، لن يخلق أبدًا معنى.
والشعر الشائب والتجاعيد حول العينين، لم تكن إطلاقًا سبب الحكمة، فهي ليست إلا العلامات الأولى للثمن الباهظ للحصول على العيش الطويل.
وحسب الرأي الشخصي للكاتب، ففكرة امتلاك مئة عام من الحكمة والخبرة بجسد شاب ذو 29 عام تعجبه، لكن ربما لن يكون ذو حكمة كافية الآن ليعرف ما هو الأفضل.
إعداد: رنيم جنيدي
تدقيق: هبة فارس
المصدر