يفسر لنا كريس أوتيس، الفيزيائي في قسم الزمن والتردد في المعهد الوطني للتكنولوجيا والمعايير كيفية حساب سرعة الصوت والضوء: استُخدمت الطريقتان ذاتهما في معظم القياسات اللازمة لحساب سرعة الصوت والضوء، رغم الاختلاف الكبير بين القيمتين. تتمثل الطريقة الأولى ببساطة في حساب الوقت اللازم لوهج من الضوء أو نبضة صوت لتنتقل مسافة معينة، وذلك بقسمة المسافة المقطوعة على الزمن.
في حين تستفيد الطريقة الثانية من الطبيعة الموجية المشتركة للظاهرتين، استنادًا إلى قياسات التردد والطول الموجي للموجة المبثوثة، يمكن حساب سرعة الموجة باستخدام معادلة الموجة البسيطة:
إذ إن (c) هي السرعة، التردد (f) هو عدد القمم -الموجات- في الثانية، والطول الموجي (x) هو المسافة بين قمتين.
أدت الاختلافات الجوهرية بين الضوء والصوت إلى تطبيقات مخبرية متنوعة، إضافةً إلى العديد من التحسينات الكبيرة في تحديد سرعتيهما رغم تقارب القياسات.
الصوت في أبسط أشكاله موجات طولية تتكون من تمددات وانضغاطات لوسط معين على طول اتجاه الانتشار. يحتاج الصوت إلى وسط لينتشر فيه، وتتوقف سرعة موجات الصوت على خصائص الوسط الذي تنتقل فيه، كالكثافة والصلابة ودرجة الحرارة. ونستطيع تضمين أدوات القياس في القياسات المسجلة واستخدامها لمعرفة خصائص الوسط الديناميكية الحرارية، مثل الحرارة النوعية.
إسحق نيوتن أول من قام بالعديد من الأبحاث النظرية عن الصوت في كتابه «الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية»، إذ توقع قيمة سرعة الصوت في الهواء، وكانت مختلفة بنسبة 16% عن السرعة المسجلة حاليًا. سُجِّلت التجارب الأولى لمعرفة القيمة الرياضية لسرعة الصوت من طريق معرفة الزمن الذي استغرقته انفجارات المدافع لتقطع مسافة محددة، وكانت القيمة دقيقة مع اختلاف 1% عن القيمة المسجلة حاليًا، التي تبلغ 331.5 م/ث عند درجة حرارة صفر مئوية.
قدم دانيل كولادون وتشارليز-فرانسيس ستورم أول حسابات مشابهة لسرعة الصوت في وسط آخر وهو الماء في بحيرة جنيف سنة 1826، وكانت أقل دقة بنسبة 0.2% من قيمة سرعة الصوت المسجلة، وتساوي نحو 1,440 م/ث عند درجة حرارة 8 مئوية. تنوعت القياسات المسجلة باختلاف الوسائط، لذلك أُخِذَت معظم القياسات اللازمة لتحديد سرعة الصوت في مختبر حيث يسهل التحكم في أدوات القياس، إضافةً إلى تنوع الغازات والسوائل المستخدمة القابلة للدراسة.
تستخدم التجارب أحيانًا أنابيب الغازات أو السوائل، أو قضبان المواد صلبة بأطوال مُعايَرة بدقة كبيرة، فتُحسب سرعة الصوت من طريق حساب الوقت اللازم لنبضة صوت لتنتقل مسافة محددة داخل الأنبوب. وتوجد طريقة أدق تتمثل في إثارة ترددات الرنين في الأنبوب، كالتي تحدث في آلة الفلوت، من طريق إحداث اهتزاز في أحد طرفي الأنبوب بمكبر صوت أو شوكة رنانة أو أي نوع من المحولات، ويمكننا حساب سرعة الصوت بتلك الطريقة بفضل العلاقة البسيطة بين أطوال موجات الرنين المقابلة وطول الأنبوب. ثم بإجراء التصحيح المتعلق بهندسة الأنبوب يمكن إجراء المقارنة مع سرعة الصوت في الفراغ.
تختلف طبيعة الضوء الموجية عن طبيعة الصوت. الموجات الكهرومغناطيسية -كموجات الضوء المرئي وموجات الراديو والمايكروويف في أبسط أشكالها- هي موجات مستعرضة تتكون من مجالين متذبذبين متعامدين في اتجاه انتشارهما، أحدهما كهربي والثاني مغناطيسي. يؤثر الوسط الذي يمر الضوء عبره في السرعة فيقللها، وذلك بسبب معامل انكسار المادة. ويُعد تحديد سرعة الضوء شيئًا فريدًا من نوعه لقدرته على الانتقال في الفراغ.
سرعة الضوء في الفراغ هي من العناصر الأساسية في نظرية النسبية لأينشتاين إذ تمثل الحد الأعلى للسرعة في الكون. تظهر قيمة سرعة الضوء في الكثير من المعادلات الفيزيائية أشهرها معادلة الطاقة:
تُقاس سرعة الضوء بالعديد من الطرق إذ يصعب قياسها لقيمتها العالية التي تبلغ 300,000 كم/ث، فهي ليست كسرعة الصوت.
افتقرت الجهود الأولية إلى التكنولوجيا اللازمة لقياس زمن مرور الضوء بدقة لفترة زمنية قصيرة، تُقاس بالميكروثانية، مثال على ذلك محاولة مرصدي غاليليو اللذين وُضعا على تلتين متقابلتين ثم أومِضَت مصابيح وحُرِكت ذهابًا وإيابًا للتوصل إلى سرعة الضوء.
أدت المشاهدات الفلكية في القرن 18 إلى تحديد سرعة الضوء مع نسبة عدم يقين تبلغ 1%. وقدم لويس فيزاو وليون فوكالت تحديثًا لتجربة غاليليو مستخدمين ترتيبًا مناسبًا لمجموعة من المرايا الدوارة، وبفضل التكنولوجيا توصل العلماء إلى العديد من القياسات المحسنة، يعود الفضل في أحدثها لألبرت مايكلسون، إذ بلغت نسبة عدم اليقين في قياساته 0.0001%.
تطور قياس سرعة الضوء تطورًا بالغًا في الآونة الأخيرة بفضل قياس أُجريَ في المعهد الوطني للتكنولوجيا والمعايير سنة 1972، اعتمد هذا القياس على ليزر هيليوم-نيون بتردد ضُبط بحلقة تغذية راجعة، لمطابقة التردد المقابل للانقسام بين مستويين من الطاقة الكمية لجزيء الميثان. قيس التردد والطول الموجي لهذا الليزر عالي الاستقرار بدقة كبيرة، ما أدى إلى انخفاض قيمة عدم اليقين لسرعة الضوء بمقدار 100 ضعف.
كانت هذه القياسات والقياسات اللاحقة لها -المعتمدة على معايير ذرية وجزيئية- محدودة، ليس بسبب تقنية القياس فحسب بل بسبب عدم اليقين من تعريف المتر نفسه.
قرر المؤتمر العام السابع عشر للأوزان والمقاييس عام 1983 إعادة تعريف المتر بربطه بسرعة الضوء، لتصبح سرعة الضوء 299,792,458 م/ث، ولا تُقاس مرةً أخرى. نتيجة لذلك ارتبط تعريف المتر مباشرةً بالتردد، عبر العلاقة: السرعة = الطول الموجي X التردد، وهي أدق الكميات الفيزيائية إلى الآن. (أدق ساعة نافورة سيزيوم ذرية حاليًا تتضمن نسبة عدم يقين 1 X 10مرفوعة للأس -15).
اقرأ أيضًا:
ما هي سرعة الضوء؟ وكيف نعرف قيمتها؟
علماء الفلك يرصدون سحابة غريبة تتحرك بسرعة اكبر من سرعة الصوت مخترقة مجرتنا
ترجمة: حازم أبو العمرين
تدقيق: سمية المهدي
مراجعة: أكرم محيي الدين