تجمع نظرية الألعاب، والمختصة بالدراسة الاستراتيجية لاتخاذ القرارات، بين التخصصات المختلفة مثل الرياضيات وعلم النفس والفلسفة. اخترع نظرية الألعاب كلًا من جون فون نيومان وأوسكار مورغنسترن في عام 1944 واستمرت لفترة طويلة منذ ذلك الحين. ولندرك أهمية نظرية الألعاب في التحليل الحديث واتخاذ القرارات، يكفيك أن تعلم أنه منذ عام 1970، مُنحت جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لما يصل إلى اثني عشر من كبار الاقتصاديين والعلماء لمساهماتهم في نظرية الألعاب.
تُطبق نظرية الألعاب في عدد من المجالات، بما في ذلك الأعمال التجارية والمالية والاقتصاد والعلوم السياسية وعلم النفس. يُعد فهم استراتيجيات نظرية الألعاب – المشهورة والغير مشهورة – أمرًا مهمًا لتعزيز مهارات التفكير وصنع القرار في عالم معقد.
معضلة السجين
واحدة من الاستراتيجيات الأكثر شعبية والأساسية لنظرية الألعاب هي معضلة السجين. يستكشف هذا المفهوم استراتيجية صنع القرار الذي يتخذه فردان، من خلال العمل لمصلحتهما الفردية، وينتهي بهما الأمر إلى نتائج أسوأ مما قد تنتج من تعاونهما مع بعضهما البعض.
في معضلة السجين، يتم احتجاز اثنين من المشتبه بهم الذين قُبض عليهم بسبب جريمة في غرف منفصلة ولا يمكنهم التواصل مع بعضهما البعض. يخبر المدعي العام كل من المشتبه به الأول والثاني بشكل منفرد أنه إذا اعترف وشهد ضد الآخر، فيمكنه إطلاق سراحه، لكن إذا لم يتعاون ويشهد ضد الآخر، فسيُحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات. إذا اعترف كلاهما، فسيحصلان على عقوبة بالسجن لمدة عامين، وإذا لم يعترف أي منهما، فسيُحكم عليهما بالسجن لمدة عام.
في حين أن التعاون هو أفضل استراتيجية للمشتبه بهما، يُظهر البحث أن معظم الأشخاص العقلانيين يفضلون الاعتراف والشهادة ضد الشخص الآخر.
تضع معضلة السجين الأساس لاستراتيجيات نظرية الألعاب المتقدمة، والتي تشمل تلك الشعبية:
مطابقة البنسات:
هذه الألعاب ذات مجموع صفري تضم لاعبين في نفس الوقت، عليهما اللاعب أ واللاعب ب. يوضع فلس واحد على الطاولة، وتعتمد النتيجة على ما إذا كانت البنسات تتطابق أو لا. فإذا كان كل من البنسات عبارة عن رؤوس أو ذيول؛ فإن اللاعب (أ) يفوز ويحافظ على نقود اللاعب (ب)، وفي حالة عدم تطابقها فإن اللاعب (ب) يفوز ويأخذ نقود اللاعب (أ).
المأزق:
عبارة عن معضلة اجتماعية مثل معضلة السجين إذ يمكن للاعبين إما التعاون أو عدم التعاون. في حالة التعاون، يحصل كل منهما على مكافأة تقدر بقيمة معينة، وإذا لم يتعاونا فسيحصل كل منهما على مكافأة أخرى أكبر. لكن إذا تعاون اللاعب الأول ولم يتعاون اللاعب الثاني، فسيحصل اللاعب الأول على مكافأة أكبر من كلا المكافئتين، ولا يحصل اللاعب الثاني على شيء.
ومن الأمثلة الشائعة التي تشير إلى الجمود، قوتان نوويتان تحاولان التوصل إلى اتفاق لإزالة ترسانتيهما من القنابل النووية. في هذه الحالة، ينطوي التعاون على الالتزام بالاتفاقية، في حين أن الانشقاق يعني التراجع سرًا عن الاتفاق والاحتفاظ بالترسانة النووية.
أفضل نتيجة لأي من الدولتين للأسف هي التراجع عن الاتفاق والاحتفاظ بالخيار النووي بينما تزيل الدولة الأخرى ترسانتها لأن ذلك سيعطي الأولى ميزة خفية هائلة على الأخيرة إذا اندلعت الحرب بين الاثنتين. الخيار الثاني هو أن كليهما ينشق أو لا يتعاون لأن هذا يحتفظ بوضعه كقوى نووية.
يشبه هذا النموذج أيضًا من الناحية النظرية معضلة السجين ويُشار إليه باسم عالم الرياضيات الفرنسي (أوغستين كورنو)، الذي قدمه في عام 1838. التطبيق الأكثر شيوعًا لنموذج كورنو هو وصف الاحتكار أو اثنين من المنتجين الرئيسيين في السوق.
على سبيل المثال، نفترض أن لدينا شركتين (أ ، ب) تنتجان منتجًا متطابقًا بكميات كبيرة أو صغيرة. إذا تعاونا ووافقا على الإنتاج بكميات صغيرة، فسوف يرتفع سعر المنتج في السوق ويحقق أرباح كبيرة لكلتا الشركتين.
من ناحية أخرى، في حالة إنتاجها بكميات كبيرة والإخلال بالاتفاق، سيتم إغراق السوق بالمنتجات ما يؤدي إلى انخفاض سعر المنتج وبالتالي انخفاض الأرباح لكليهما. ولكن إذا تعاون أحدهما -أي أنتج بمستويات منخفضة- ولم تتعاون الشركة الأخرى -أي أنتجت بشكل خفي كميات كبيرة- فإن الشركة الأولى تخسر فقط بينما تكسب الثانية أرباحًا أعلى مما لو كان كلاهما يتعاون.
التنسيق:
يقتضي التنسيق أن يكسب اللاعبون أكثر عندما يختارون نفس مسار العمل.
على سبيل المثال، نفترض أن اثنين من عمالقة التكنولوجيا الذين يقررون بين إدخال تقنية جديدة جذرية في شرائح الذاكرة التي يمكن أن تكسبهم مئات الملايين من الأرباح، أو إصدارًا منقحًا من تقنية قديمة تكسبهم أقل بكثير. إذا قررت شركة واحدة فقط المضي قدماً في استخدام التكنولوجيا الجديدة، فإن معدل اعتماد المستهلكين سيكون أقل بكثير، ونتيجة لذلك، ستكسب أقل مما لو قررت الشركتان نفس مسار العمل.
إذا قررت الشركتان إدخال التكنولوجيا الجديدة، فستكسب 600 مليون دولار لكل منهما، في حين أن تقديم نسخة منقحة من التكنولوجيا القديمة ستكسب كل منهما 300 مليون دولار، ولكن إذا قررت الشركة “أ” وحدها إدخال التكنولوجيا الجديدة، فستكسب فقط 150 مليون دولار، على الرغم من أن الشركة “ب” ستربح 0 دولارًا، بافتراض أن المستهلكين لن يدفعوا لشراء تقنيات عفا عليها الزمن. في هذه الحالة، من المنطقي أن تعمل الشركتان سويًا بدلاً من العمل بمفردهما.
لعبة حريش (أم أربعة وأربعين):
هذه لعبة واسعة النطاق يحصل فيها لاعبان بالتناوب على فرصة للحصول على حصة أكبر من رصيد الأموال المتزايد ببطء. لعبة حريش متسلسلة لأن اللاعبين يقومون بحركاتهم واحدة تلو الأخرى وليس في وقت واحد؛ يعرف كل لاعب أيضًا الاستراتيجيات التي اختارها اللاعبون الذين لعبوا قبله. تنتهي اللعبة بمجرد أن يأخذ اللاعب الألعاب، إذ يحصل ذلك اللاعب على الجزء الأكبر ويحصل اللاعب الآخر على الجزء الأصغر.
على سبيل المثال، نفترض أن اللاعب الأول يتعين عليه أن يقرر ما إذا كان سيلعب دوره أم سيجتازه، إذا لعب دوره فسيحصل هو واللاعب الثاني على 1 دولار، وإذا تجاوز الدور، فيجب الآن على اللاعب الثاني أن يقرر إذا كان سيلعب أم سيتجاوز هو الآخر. إذا لعب اللاعب الثاني فسيحصل على 3 دولارات، ولن يحصل الأول على شيء.
لكن إذا لم يلعب دوره، فإن اللاعب الأول الآن عليه أن يقرر سيلعب دوره أم سيتجاوز وهكذا. وإذا قرر كلًا منهما أن يتجاوزا الدور في كل مرة، فإن كليهما سيحصل على 100 دولار في نهاية اللعبة.
معضلة المسافر:
تم تصميم هذه اللعبة غير الصفرية، والتي يحاول فيها اللاعبون مضاعفة دفعاتهم الخاصة دون النظر إلى الآخر، طُورت هذه المعضلة من قبل الاقتصادي كاوشيك باسو في عام 1994.
على سبيل المثال، في معضلة المسافر، توافق شركة الطيران على دفع تعويضين للمسافرين عن الأضرار، ويُطلب من المسافرين بشكل منفصل تقدير قيمة العنصر، بحد أدنى 2 دولار وحد أقصى 100 دولار.
إذا قام كلاهما بتدوين نفس القيمة ، فستقوم شركة الطيران بسداد كل مبلغ من هذه المبالغ. ولكن في حالة اختلاف القيم ، ستدفع لهم شركة الطيران القيمة الأقل، مع مكافأة قدرها 2 دولار للمسافر الذي قام بتدوين هذه القيمة المنخفضة وبغرامة قدرها 2 دولار للمسافر الذي قام بتدوين القيمة الأعلى.
يمكن تطبيق معضلة المسافر لتحليل مجموعة متنوعة من مواقف الحياة الواقعية. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد عملية الحث العكسي على شرح كيف يمكن لشركتين تعملان في منافسة حادة أن تقلل بثبات أسعار المنتجات في محاولة لكسب حصتها في السوق، ما قد يؤدي إلى تكبدها خسائر متزايدة في هذه العملية.
معركة بين الجنسين:
هذا شكل آخر من أشكال لعبة التنسيق الموصوفة سابقًا، ولكن مع بعض التباينات في المكافآت. تحتوي أساسا على زوجين يحاولان تنسيق أمسياتهم بالخارج. في حين وافقوا على اللقاء في أي من مباريات الكرة -تفضيل الرجل- أو في مسرحية -تفضيل المرأة- فقد نسوا ما قرراه، ولا يمكن للمشكلة أن تتواصل مع بعضهم البعض. أين يجب أن يذهبا؟ يتم عرض مصفوفة تحتوي على درجة الاستمتاع المشترك بين الرجل والمرأة، ويتم اتخاذ القرار بناءً على أكبر درجة.
لعبة الدكتاتور:
هذه لعبة بسيطة يجب أن يقرر فيها اللاعب “أ” كيفية تقسيم جائزة نقدية مع اللاعب “ب” ، الذي لا يشارك في قرار اللاعب “أ”. في حين أن هذه ليست استراتيجية نظرية لعبة في حد ذاتها، فإنها توفر بعض الأفكار المثيرة للاهتمام حول سلوك الناس. تكشف التجارب أن حوالي 50٪ منهم يحتفظون بجميع الأموال لأنفسهم ، بينما تقسمها 5٪ بالتساوي بينما تمنح نسبة أخرى تبلغ 45٪ للمشارك الآخر حصة أصغر.
ترتبط لعبة الديكتاتور ارتباطًا وثيقًا بلعبة الإنذار، حيث يُمنح اللاعب “أ” مبلغًا محددًا من المال، يجب إعطاء جزء منه للاعب “ب”، الذي يمكنه قبول أو رفض المبلغ المحدد. المهم هو إذا رفض اللاعب الثاني المبلغ المعروض، فلن يحصل كل من اللاعبان على شيء.
حرب السلام:
هذا تباين في معضلة السجين إذ يتم استبدال قرارات “التعاون أو عدمه” بـ “السلام أو الحرب”. ويمكن أن يكون هناك تشابه بين شركتين تخوضان حرب أسعار. إذا امتنعت كلتاهما عن خفض الأسعار، فستتمتعان بالازدهار النسبي.
معضلة المتطوع:
في معضلة المتطوع، يتعين على شخص ما القيام بمهمة أو عمل من أجل الصالح العام. تتحقق أسوأ نتيجة ممكنة إذا لم يتطوع أحد. على سبيل المثال، ضع في اعتبارك شركة يكون فيها الاحتيال في المحاسبة متفشيًا ولكن الإدارة العليا غير مدركة لها.
بعض الموظفين المبتدئين في قسم المحاسبة على دراية بالاحتيال ولكنهم يترددون في إبلاغ الإدارة العليا لأنه سيؤدي إلى طرد الموظفين المتورطين في عملية الاحتيال ومحاكمتهم على الأرجح.
قد يكون لتوسيم المبلغين عن المخالفات أيضًا بعض التداعيات. ولكن إذا لم يتطوع أحد، فقد يؤدي الاحتيال واسع النطاق إلى إفلاس الشركة في نهاية المطاف وفقدان الجميع وظائفهم.
الخلاصة
يمكن استخدام نظرية الألعاب بشكل فعال للغاية كأداة لاتخاذ القرارات سواء في بيئة اقتصادية أو تجارية أو شخصية.
اقرأ أيضًا:
تدقيق: سلمى توفيق