كيف توقف رصاصة؟
نفس الفيزياء التي نتبعها لتوفير الوقود في السيارة
لست مضطرا للوقوف في وجه بندقية لتشهد فيزياء المقاومة أمام عينيك. يمكنك رؤيتها وأنت تمارس عاداتك اليومية مثل ركوب الدراجة أو السيارة، أو في أمورٍ تمارسها بشكل أقل، مثل القيام برحلة ذهابٍ وإيابٍ إلى الفضاء الخارجي مثلًا.
كما أن هذه الظاهرة ذاتها، تنقذ ملايين الحيوات كل يوم، أثناء صد الغلاف الجوي أو حتى تبخيره لمعظم الشهب التي تصطدم به من الفضاء الخارجي.
كيف توقف رصاصة؟
في إحدى حلقات برنامج «حياة على المحك – Life on the Line» أطلِق النار على «تود سامبسون – Todd Sampson» من مسافةٍ قريبةٍ باستخدام بندقية من طراز AK-47. أتمنى ألا أكون قد أفسدت عليك التشويق إذا اخبرتك أنه لم يمت وأن المياه التي هي أكثر كثافة من الهواء بألف مرة، يمكنها أن توقف الرصاصة بشكلٍ سريعٍ جدًّا.
يقول عن هذا البروفيسور «جورج تايلور – Geoffrey Taylor» من «جامعة ميلبورن –University of Melbourne» والذي قدم تفسيرًا علميًا لمجريات الحلقة – أن المقاومة يمكن ان توصف بأنها سلسلة من الاصطدامات.
إذ يقول البروفيسور: «أثناء اختراق الرصاصة للماء، فإنها تفقد شيئًا من طاقتها بفعل العديد من الاصطدامات مع مليارات ومليارات الذرات، كل واحدة منها – أي الذرات – تأخذ مقدارًا قليلًا من طاقة الرصاصة».
في كل مرة تصطدم فيها الرصاصة بجزيء من الماء، فإن جزءًا من الطاقة التي تدفع الرصاصة للأمام، تنتقل لهذا الجزيء. وبالتالي فإنه لحظة انتقال كل الطاقة التي تدفع الرصاصة نحو الأمام لجزيئات المياه بفعل الاصطدامات، تتوقف الرصاصة.
أما الاختلاف بين هذه التصادمات والتصادمات التي تحدث بين الرصاصة وجزيئات الهواء، هو أن جزيئات المياه – لأن كثافة المياه أعلى- تكون أقرب لبعضها البعض من جزيئات الهواء، ولذلك فإن عدد التصادمات في المياه سوف يزداد بشكل كبير، وبالتالي سوف تفقد الرصاصة طاقتها بشكلٍ أكثر فاعليةً وتتوقف أسرع كثيرًا.
«نفس الفيزياء المسؤولة عن حقيقة أنه لن يموت بفعل الرصاصة، هي ذاتها التي تساعدنا على زيادة فاعلية السيارات، وهي ذاتها التي تساعد راكبي الدراجات على تحديد الوضعية الأفضل للامتطاء» – بروفيسور «تايلور».
بناءً على أن الحلقة – التي استضافت أيضًا فائزين بميداليات أولمبية، وعالم الرياضيات «كاميرون ماكيفوي – Cameron McEvoy» – توضح التأثير الذي توقعه السوائل المختلفة على المقاومة، يخبرنا البروفيسور «تايلور» أنه علينا أن نأخذ بالحسبان عوامل أخرى، مثل شكل الجسم المتحرك، سرعته، ومقدار الطاقة التي يحملها.
الشكل – الأملس يغلب الخشن
شكل الرصاصة مصمم لكي يصطدم – أثناء انتقالها خلال الهواء – بأقل عدد ممكن من جزيئات الهواء، ولتفقد أثناء هذه التصادمات أقل مقدار ممكن من الطاقة التي تمتلكها.
تخيل الآن كرة بلياردو تصطدم بشكل طفيفٍ جدًا بكرة أخرى ساكنة، ولكن الآن تخيل لو أن هذه الكرة صدمت الكرة الساكنة بشكل عنيفٍ جدًا، سوف تحافظ الكرة الاولى على معظم طاقتها الحركية وسرعتها، بينما سيقوم الاصطدام الثاني العنيف بتحطيم الكرة أو إيقافها بشكل كلي.
الأشكال القريبة من شكل الرصاصة تخلق اصطدامات عنيفة أقل مع الجزيئات، بينما تكون معظم اصطداماتها هي من النوع الاول، على عكس الشكل الذي يكون مسطحا باتجاه الحركة، (عكس الشكل الانسيابي أن يكون الشكل مسطحا بالكامل). وبالتالي، فإن الرصاصة تسافر لمسافات أكبر بكثير قبل أن تفقد طاقتها الحركية وتتوقف.
يفيدنا هذا في تصميم السيارات الحديثة والتي تأخذ شكلًا انسيابيًا يشبه شكل الرصاصة، والذي يساعدها على السفر لمسافاتٍ أطول والمحافظة على وقودها قدر الإمكان.
يقول «تايلور»: «إذا نظرت للعلاقة بين فاعلية السيارات وتصاميمها، ستجد أن «الديناميكا الهوائية – Aerodynamics» (التعبير الفيزيائي الذي يوضح تأثير جزيئات الهواء على أي جسم يسير عبره بما في ذلك السيارات، وهي القوى التي تؤدي إلى طيران الطائرات) هي أمر مهم جدًا». في القيادة على الشوارع المفتوحة، يلعب شكل السيارة دورًا مهمًا جدًا في فاعلية وقودها.
ويضيف البروفيسور «تايلور»: «لديك الآن سيارة رياضية، إنها ديناميكيةٌ هوائيًا (أي أن هذه القوة تؤثر عليها بشكل جيد مما يساعدها في الحركة بشكل أفضل) كما أنها أقرب للأرض (أي منخفضة، وهذا يعني أن كمية الهواء المارة أسفلها تكون أقل)، ثم لديك سيارة من صنف SUV (السيارة العائلية)، والتي يمكنها أن تمتلك شكلًا ملائمًا مع الديناميكا الهوائية، ولكنها مرتفعة أكثر عن الارض.
وبالتالي – وإن تساوت بقية العوامل – فإنه لا يمكنك أن تحقق ذات الفاعلية في الوقود لكلا السيارتين. وهذا هو نفس السبب الذي يجعل راكبي الدراجات يتخذون وضعيةً منحنيةً ليقلصوا من مساحة المنطقة المعرضة للرياح».
السرعة – كلما ازدادت السرعة ازدادت المقاومة
بالإضافة إلى كونه راكب دراجات متحمس، فإن البروفيسور «تايلور» على دراية كبيرة بتأثير المقاومة على الحركة. وهو يخبرنا أنه وعند السرعات المنخفضة، فإن مقاومة الهواء هي مجرد جزء صغير من القوى التي تؤثر على الراكب، أما الاحتكاك مع الارض، فإنه يعطي تأثيرًا أكبر على الابطاء من سرعة الراكب.
«ولكن، وعلى سرعة 30 كم/ساعة فإن مقاومة الهواء تصبح القوة المسيطرة» حسب البروفيسور.
«إن أي شخص يجيد ركوب الدراجة الهوائية، يعلم أنه وعند نزوله تلةً وهو يجلس مستقيمًا على الدراجة، فإن قوة الهواء التي تؤثر على صدره تكون هائلة».
أما بالنسبة لسائقي الدراجات الهوائية المحترفين، والذين يصلون لسرعات تقارب ال60 كم/ساعة، فإن مقاومة الهواء بالنسبة لهم هي عائق هائل.
فحتى تغير صغير جدًا بالمقاومة يمكن أن يؤدي إلى تغير هائلٍ بالأداء، وبالتالي لارتدائهم ملابس خاصة (تكون ضيقة جدًا على الجسم) وخوذات خاصة يرتديها سائقوا الدراجات الهوائية على المضمار، بالإضافة لوضعيات جلوسهم غير المريحة بالنسبة للناظر.
«من المهم جدًا لهؤلاء الرياضيين أن يمروا عبر ممرات هوائية ويختاروا وضعيات جلوسهم، ثم يعدلوا من ارتفاع كراسيهم لعدة مليميترات، وأن يقوموا بتعديل المقابض أيضًا بنفس القياسات بناء على تجاربهم».
الطاقة – كل تصادم ينتج عنه حرارة
كلما زادت سرعة الجسم، يزداد مقدار الطاقة التي يكون امتلكها (أي أن الطاقة الكامنة فيه تكون أعلى لتمكنه من التحرك بشكل أسرع)، وبالتالي يزداد مقدار الطاقة التي عليه أن يفقدها (أو بتعبير أدق أن ينقلها) وذلك لكي يخفف من سرعته، وليس هنالك مثال أفضل على هذا من الشهب.
الشهب هي عبارة عن نيازك تصطدم بالغلاف الجوي للأرض، وهي تسافر بسرعة كبيرة جدًا – تصل غالبا لِـ 10 كم/ثانية، ثم تبدأ الحرارة العالية التي تسببها الاصطدامات الهائلة مع جزيئات الهواء بحرقه، وفي معظم الحالات، فإن هذه الشهب تتبخر قبل أن تصل لسطح الارض.
المركبات الفضائية تواجه نفس الخطر عند عودتها مجددًا للأرض عبر الغلاف الجوي.
«تكون المركبات الفضائية مغطاة ببلاطات من السيراميك، وذلك لأن السرعة الهائلة التي تكتسب فيها جزيئات الهواء الحرارة، ترفع درجة حرارة المركبة بشكل سريعٍ وهائلٍ جدًا. وبالتالي، فأنت تحتاج لبلاطات من السيراميك والتي يمكنها أن تتحمل درجات الحرارة التي يمكن أن تصل للآلاف، إما هذا أو سوف يتم قليك حتمًا!».
ترجمة: أسماء الدويري
تدقيق: المهدي الماكي
المصدر